خبر اعتدال روحاني يربك استراتيجية إسرائيل التحريضية ..حلمي موسى

الساعة 11:09 ص|28 أكتوبر 2013

للمرة الأولى منذ سنوات طويلة تظهر المفارقة السياسية الإسرائيلية على أشدها إزاء الخطر النووي الإيراني. فقبل أيام أفاد تقرير صادر عن أحد أهم مراكز الأبحاث الأميركية المتخصصة يشير إلى تقليص إيران للزمن المطلوب لإنتاج قنبلة نووية من عدة شهور إلى عدة أسابيع. ولكن مؤتمرا عقد في جامعة تل أبيب أظهر تفاؤلا باحتمال توصل أميركا إلى تسوية مع إيران خلال زمن ليس طويلا وربما بغير رضى إسرائيل. ومع ذلك فإن الانطباع السائد هو أن قدرة ورغبة إسرائيل على الانفراد بتوجيه ضربة عسكرية لإيران تراجعتا كثيرا بعد «ديبلوماسية الابتسامات» الإيرانية التي يقودها الرئيس حسن روحاني.

وكان معهد العلوم والأمن القومي الأميركي (ISIS) قد نشر تقريرا يفند تقديرا أعلنه الرئيس الأميركي باراك أوباما يفيد بأن إيران تحتاج إلى عام على الأقل لانتاج قنبلة نووية إذا قررت ذلك. واعتبر المعهد في تقريره الجديد أن إيران بما تمتلك من أجهزة طرد مركزي ومن يورانيوم مخصب حتى الآن تستطيع إذا قررت تركيب قنبلة نووية خلال 4-6 أسابيع. وكانت خلاصة التقرير أن الوقت قصير والزمن ينفد. واعتبر المعهد أن «قصر الوقت المطلوب لتحقيق اختراق نووي ينطوي على عواقب على المفاوضات» الجارية بين الغرب وإيران. إذ يعني هذا التقدير أن على إيران تدمير حوالي نصف الـ 19 ألف جهاز طرد مركزي لإطالة المدة الزمنية المطلوبة لتحقيق اختراق نووي إلى ستة شهور. ومعروف أن إسرائيل تتشدد في مطالبها من إيران وتطالب بإغلاق منشآت ومنع أي تخصيب لليورانيوم ليس فقط لمستوى 20 في المئة وإنما كذلك لمستوى 3.5 في المئة.

وبديهي أن تقديرا كهذا يهيج ليس فقط إسرائيل وإنما أيضا بعض الدول العربية الخليجية التي اعتبرت المشروع النووي الإيراني خطرا عليها. ويجري الحديث في هذه الأثناء عن نوع من التناغم بين هذه الدول واعتراضها على الاستراتيجية التي تعتمدها الإدارة الأميركية في معالجة الشأن الإيراني وربما شؤون أخرى كمصر وسوريا.

ويرى معلقون أن إسرائيل قد تخسر، إذا أبرمت أميركا والغرب صفقة مع إيران، البعبع الذي كانت تلوح به ليس فقط في وجه العالم وإنما أيضا في وجه جمهورها الداخلي. وبكلمات أخرى فإن ركون الكثير من القوى السياسية الإسرائيلية على تبرير تحركاتها الداخلية، تحالفات أو انشقاقات داخل الائتلاف أو المعارضة، لم يعد ممكنا إلى وقت طويل.

ورغم محاولات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي جعل من التلويح بالفزاعة الإيرانية شعارا له، الإيحاء بأن شيئا لم يتغير في طهران فإن الانطباع العام هو أن إسرائيل خسرت الجولة. ولا أدل على ذلك من كلام رئيس الموساد السابق مئير داغان أمام مؤتمر مركز دراسات الأمن القومي والذي لم ينتقد فيه نتنياهو للمرة الأولى منذ خروجه من منصبه.

ومعروف أن انتقادات داغان، وغيره من العسكريين والسياسيين السابقين، لنتنياهو نبعت من اعتقاد بأن نتنياهو ووزير دفاعه السابق إيهود باراك كانا يسعيان لتوريط إسرائيل في حرب إقليمية ضد إيران قد تقود إسرائيل إلى عزلة دولية قاتلة. لكن في أعقاب الانفراجة الأميركية الإيرانية والحديث عن ملامح تسوية قد تبرم واتضاح حدود القوة الإسرائيلية وعجزها عن تسيير الموقف الأميركي، صار بالوسع الحديث عن تراجع احتمالات الضربة الإسرائيلية المنفردة.

وخلافا للانطباع الذي تشيعه الحكومة الإسرائيلية أعلن داغان أنه نشأن في المفاوضات الجارية بين الخمسة زائدا واحدا وإيران «ساعة الرغبة» بسبب الأزمة الاقتصادية الإيرانية. وشدد على أن التنازل الإيراني عن المواقف السابقة لم يتم بسهولة وإنما لأن ثمن العناد وعدم تحقيق تسوية بات باهظا. وبديهي أن داغان الذي عارض تهويل نتنياهو ورغبته في توجيه ضربة عسكرية معتبرا في آذار الفائت أنها «ستشعل حربا إقليمية، والحروب معروف كيف تبدأ لكن لا أحد يعرف كيف تنتهي». وارتكز داغان في تقييمه آنذاك إلى واقع أن ضرب إيران معقد لأنها لا تملك منشأة نووية واحدة أو اثنتين وإنما «عشرات المنشآت» الأمر الذي يجعل الضربة معقدة.

لكن قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق عيدو نحوشتان لا يزال يصر على قدرة اسرائيل على ان تهاجم إيران وحدها اذا تطلب الامر. واعتبر أن ايران تحاول الحصول على الكثير في الاتفاق مع الغرب واعطاء القليل بالمقابل. وقال: «سيحاولون التسويف واتعاب الجهات التي تشارك في المحادثات، ولهذا فان اسرائيل مطالبة بان تمنع اتفاقا يمس بها ويكون في غير مصلحتها».

عموما تحاول إسرائيل الرسمية رغم ذلك مواصلة التلويح بتوجيه ضربة عسكرية. وكان آخر من تحدث في هذا الشأن نائب وزير الدفاع المتطرف داني دانون الذي قال ان إسرائيل لا يمكنها الوقوف مكتوفة اليدين أمام استمرار إيران في تطوير قدراتها النووية وتقترب من القنبلة. وبالمقابل فإن وزير الدفاع موشي يعلون شدد على «أننا نقول لزعماء الغرب: لا تغرينكم فكرة تقليص العقوبات قبل أن تحصلوا على إنجاز واضح لا تكون فيه لإيران قدرة نووية عسكرية».

ومع ذلك خفت صوت نتنياهو ضد إيران مؤخرا. هناك من يعتقد أنه يراهن أيضا على الخلاف الأميركي السعودي وأنه لا يريد البقاء في الواجهة. لكن المؤكد هو أن إيران أربكت استراتيجية التحريض الإسرائيلية.