خبر جنيف فرصة للسوريين المخلصين لوطنهم.. علي عقلة عرسان

الساعة 10:40 ص|25 أكتوبر 2013

لو أن السوريين في أسراب المعارضة المسلحة بأطرافها كافة ورفوفها الصافة معنيون حقاً بحقن دماء أبناء وطنهم والحد من تدهور البلد ومن معاناة الشعب السوري، ويصدرون حقاً عن وفاء واعٍ ومسؤول للشهداء كما يدعون، لما اختاروا اللاءات العقيمة واللجوء إلى مزيد من الموت والاقتتال والمعاناة وسقوط شهداء جدد وزيادة عدد المعوقين والمعتقلين والنازحين والمشردين خارج وطنهم، ولأقبلوا على كل بادرة أو مبادرة أو وصفة دولية فيها بصيص أمل بوضع حد للمأساة المتفاقمة في سورية. ولو كان صحيحاً، من وجهة نظرهم، أن النظام هو الذي يختار العنف ولا يقبل " بالتفاوض" لحاصروه بالموافقة على الحوار أو التفاوض ولما عززو مواقفه بشروط بائسة يدركون أنها غير مقبولة لا من النظام ولا ممن يرعود الدعوة لمؤتمر جنيف 2، ولو كانوا معنيين فعلاً بقوة الجماهير وقدرتها على التغيير والتأثير لعززوا السلمية قولاً وعملاً منذ بداية التحركات الجماهيرية ولبقي ذلك خيارهم قولاً وعملاً ولكان ذلك كفيلاً بالكثير الكثير من التغيير من دون دفع هذه التكاليف الباهظة والغرق في مستنقع الموت والحقد والثار، ولكشفوا النظام وبينوا انعدام مصداقيته التي ينثرونها أقولاً في قارات الأرض ولعروه تماماً وأجبروه على تحقيق أهداف عادلة وديمقراطية سليمة هي في مصلحة الشعب والبلد، ولوقفت كل شعوب العالم ودوله مع الخيارات السياسية والقانونية السليمة.. لكن يبدو أن الهدف الأعلى لمن يقف وراء الواقفين والمتكلمين والمقاتلين كان أكبر منهم ويستهدف سورية بكل مقوماتها ومكوناتها وخياراتها، كما يبدو أن في هذه الرفوف من الطيور البحثة عن مواطن " الرزق والتسلط" والمتنقلة من صقع إلى صقع من ينشد أشياء أخرى لا علاقة لها بمعاناة الشعب السوري العميقة ولا بالأوضاع الإنسانية لأطفاله وضعفائه ذكوراً وإناثاً، ولا بـ "الشعب السوري" الذي حوله كل المتاجرين به إلى بضاعة سياسية، ولا بمستقبل هذا البلد سورية التي خسر حتى الآن مادياً ما يقال إنه مئة مليار دولار في الحرب المجنونة هذا عدا عن القتلى والجرحى والمعوقين والمشردين والنازجين والخسارات المعنوية والاجتماعية وغير ذلك من خسارات لا يمكن تعويضها على مدى سنوات وسنوات من الزمن المنظور. ويبدو بوضوح أن بعض قادة هذه الأسراب له وجه البوم واستنسار البُعاث، وهو مقيد بتبعية حاكمة قاتلة تموله وتوجهه وتأمره وتجعل منه صوتاً يردد كلامها وبندقية بيدها، وبعضهم الآخر مصاب بجنون " الانتصار، والوصول إلى السلطة والثأر بأي ثمن"، يعملق الوهم ويسوِّقه وهو يعرف أنه لن تصيبه مصائب ولن تلحق به خسائر إذا ما انكشف الوهم وبائعوه، بل سيربح أكثر ويأمن لأنه يتاجر بدم غيره ويقبض الثمن ويتحول بنظر البعض إلى " ظاهرة نضالية"؟!.. وهناك من يطلب الشهرة ولو على خازوق، ومن يركض بين الرايات كأنه مناضل وقائد وما هو إلا من المتعيِّشة الصغار والبيادق التي تباع وتشترى على أيدي السماسة الكبار، وهناك من الرفوف المحلقة في تلك السماوات الافتراضية من هو ضحية بكل معنى الكلمة، قلبه طيب ويثق بالناس، وقد مسه الضر.. وكل أولئك الذي يأخذون على رموز النظام وقواته ومؤيديه وأنصاره تمركزهم حول خيار يقول:" الأسد أو نحرق البلد" وهم لا يقلون تمسكاً بخيار تدمير البلد ليكونوا هم.. ونحن بين نارين كل من يشعلها يريد أن يحرقونا ليحقق غاياته وأهداف من يشغِّلونه ويستثمرون في " قضيته".. وإلا فما معنى استمرار هذه الحرب المجنونة العمياء، وما معنى استجداء المعارضات للغرب الاستعماري وحليفه الصهيوني ليوجه ضربات عسكرية مدمرة لسورية تنهي النظام وتنصرهم هم بوصفهم " ممثلي الشعب ومنقذيه، وهي بالحقيقة تنفذ أهداف الغرب والصهاينة بالدرجة الأولى؟!" وما معنى تنازل سورية عن أوراق مؤثرة في مسار جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، أعني تنازلها عن السلاح الكيمياوي بمسؤولية مشتركة من المتحاربين، بينما يملك الصهيوني مثله وفوقه آلاف الرؤوس النووية والعديد من المفاعلات النووية للأغراض العسكرية؟! لقد بدأت كل الأمور التدميرية لسورية وقوتها بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي لتدميرها أو تدمير قواها، وكانت البدايات بعد ثلاثة أشهر أو أقل من بداية الأزمة التي بلغ عمرها الآن واحد وثلاثيون شهراً؟! وبدأت بقرار من جامعة الدول العربية بناء على طلب المعارضة وضغطها، للقيام بالتدخل العسكري في سورية تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهو الطلب الذي ووجه بالفيتو المزدوج الروسي الصيني ثلاث مرات، واستمرت تلك المحاولات إلى أن حشدت الولايات المتحدة الأميركية قواتها في شرق المتوسط لتوجيه ضربة ماحقة لسورية بذريعة استخدام الكيمياوي في 21 آب في الغوطتين، وكانت المعارضة المسلحة تعمل على الاستفزاز والاستثمار في الكيمياوي لتوجه القوى الغربية الضربة القاضية لسورية إلى أن صدر القرار 2118 عن مجلس الأمن الدولي بالإجماع وقضى بتدمير السلاح الكيمياوي السوري، محبطاً الضربة الأميركية التي كانت صفوف المعارضة ومن معها تزقزق فرحاً على أعتابها، ومن ثم تحول الفرح إلى غضب مستبد بأنفسهم وأنفس مهندسي تحركهم لأن الولايات المتحدة الأميركية ومن معها من الدول لم تقم بتوجيه الضربة العسكرية الماحقة لقوة سورية التي تفضي إلى تدمير الدولة وتؤدي إلى نشر الفوضى فيها وتنفيذ كل مطالب الكيان الصهيوني وعلى رأسها تدمير السلاح الكيمياوي السوري وتحقيق سياساته حيال سورية واختياراتها وحيال المقاومة التي تنصرها وتعلن أنها جزء منها.؟! فهل كان أولئك الذين افتعلوا "مذابح" بالسلاح الكيمياوي في سورية أو الذين فعلوا شيئاً من ذلك في خان العسل وفي الغوطتين وغيرهما بعيدين عن تنفيذ المخطط الذي أدى بالنهاية إلى أن تحقق لـ " إسرائيل" هدفها الكبير؟! إنهم فعلوا شيئاً لمصلحة العدو سواء أأدركوا ذلك أم لم يدركوه، وأصبحوا بعرف الوعي السياسي المسؤول شركاء في المسولية عن تجريد وطنهم ورقة كبرى يستخدمها في فرض نزع أسلحة الدمار الشامل من المنطقة كلها. إن شعار المعارضين المعلن: اقتلوا البلد ونصبونا على جثتها يعادل تماماً احتجاجهم ضد الفريق الآخر القائل بـ " الأسد أو نحرق البلد".. فكل لا تعنيه سورية الشعب والوطن والموقع والمكانة والتاريخ والحضارة بل ما يعنيه أن يحكم، والكل ملطخ بدم السوريين وإن اختلفت الأسباب والدوافع والوقائع؟!.. كل الكلام المراوغ الذي نسمعه منذ أشهر وأشهر وأشهر يكشف المكشوف ويعري العاري  ومع ذلك يستمر الوضع على ما هو عليه، ويغطي اللحاف الوسخ كل ما تحته.. ويُضطهد الشعب السوري ويُقتل ويعاني الأمرَّين من أجل أن يركب رقابنا هذا أو ذاك من تجار الدم والرغيف والسياسات والأزمات.

 لقد بدأ شيء من التغير في الموقف الدولي حيال سورية، وكسب النظام جولات سياسية وميدانية، وأنفتح الفضاء الإعلامي أمام الرئيس السوري بهدف واضح بعد التعاون التام بشأن تنفيذ القرار 2118 وتدمير السلاح الكيمياوي السوري، وتوافقت أطراف دولية نافذة على عقد مؤتمر جنيف2 لتنفيذ جنيف 1 وأن تحضره الأطراف السورية المعنية من دون شروط مسبقة.. وبدأ الإعلان عن مواعيد لسحب قطع الأسطول الأميركي من شرق المتواسط في مقابل الساحل السوري..  ومع ذلك فإن أسراب المعارضة المحلقة في الفضاء السياسي الافتراضي تعلن عن لاءات بوجه ذلك، وتقدم الشروط العتيقة ذاتها، وتريد أن تذهب إلى جنيف لتستلم مفاتيح السلطة هناك ثم تعود وكأن لا يوجد أحد في الطرف الآخر الذي  ترى أنه " استسلم لها" أو ينبغي على المجتمع الدولي أن يجبره على الاستسلام لها.. ويقف خلف المعارضة من يقف ويهتز من يهزه غضبه على حلفائه هزاً عميقاً.. وكل هذا غريب في بابه ومنافٍ للواقع الذي أخذ يتشكل بصورة مختلفة، ولا نعني بذلك التقارب الإيراني الأميركي فقط وما قد يكون له من مفاعيل تشمل المنطقة.. ولكن نعني كل الإشارات والتصريحات والتحركات التي تصدر من هنا وهناك، وعن دول وقوى وتكتلات دولية نافذة، وعن بعض دول الجوار السوري ذات الموقف المعادي بقوة للنظام.. ونشير هنا من كل ذلك إلى أن الأخضر الإبراهيمي بدأ جولة واسعة النطاق ابتداء من السبت 19 ت1/اكتوبر الحالي، تمهيداً لعقد مؤتمر جنيف 2 بتكليف من الأمين العام للأمم المتحدة والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، حيث يزور الأخضر ابتداء من السبت 19 الشهر الحالي مصر ثم العراق ثم الكويت والأردن فتركيا ودولاً أخرى منها السعودية والإمارات وقطر وعُمان وإيران وسورية ولبنان.. إلى اجتماع سوف يُعقد للراعيين والأمم المتحدة في جنيف يوم 5 ت2/نوفمبر يحضره الإبراهيمي للترتيب للمؤتمر، وإلى أن ما يسمى بـ " أصدقاء سورية" الذي انعقد في لندن يوم الثلاثاء 22 ت1/اكتوبر صرح بالحل السياسي وغمغم في موضوع تقديم مساعدات عسكرية وضمانات للائتلاف فيما يتعلق بمطالبه العتيقة ولاءاته الجديدة:" «لا تفاوض ولا صلح ولا للعجز الدولي» ؟! حيث قال جون كيري "الوضع في الميدان لا علاقة له بتنفيذ جنيف 1"، مشيرا إلى وثيقة اتفق عليها في 2012 وأيدتها الأمم المتحدة، تسعى لإنهاء الحرب، ولا يهم إن كنت تتقدم في ساحة القتال أو تتقهقر فهدف المؤتمر يظل كما هو، حكومة انتقالية يتم الوصول إليها بالموافقة المشتركة للطرفين".  وإلى إرسال الولايات المتحدة الأميركية روبرت فورد لإقناع مؤتمر المعارضة في استانبول بحضور جنيف 2 . ومن اللافت للنظر أن تركيا والكويت حذرتا يوم الأربعاء 23 اكتوبر الجاري من أن سورية تنزلق الآن إلى «دولة فاشلة، تنتشر فيها الأفكار المتطرفة والمخدرات والأسلحة والخارجين على القانون».. وقال وزير خارجية الكويت الشيخ صباح: " إن الوضع في سوريا «أصبح في غاية الخطورة. هذا ما كنا نحذر منه منذ البداية، لأن الدمار لن يقتصر فقط على سوريا بل سيمتد إلى المنطقة».؟! ويرتفع السؤال هنا بالمناسبة: ألم تحذر سورية منذ بداية اللعب بنار الأزمة بأن نارها ستمتد لتشمل دول المنطقة كلها؟!  
إن هذه الإشارات/المواقف وسواها لا تجعل رفوف المحلقين في الفضاء الافتراضي من أصحاب المعارضة الصوتية في سورية تلتفت إلى حقيقة ما يجري دولياً وإلى ما يجب أن يقال ويُفعل من أجل وضع المسلحين بكل أطيافهم أمام حقائق وخيارت ورؤى وطنية وإنسانية وعقلانية لكي يتوقف العنف والاقتتال ونزف الدم، ويقبل الجميع على مؤتمر يخرج بحلول للأزمة الخانقة؟! أفلا يتوجب على دهاقين السياسة أن يتبينوا أن هناك تحالفات جديدة قائمة لمنع تمركز " الإرهاب" في سورية، وأن الدول التي قد تشارك في هذه التحالفات قد لا تخطر على بالهم.. وأن هذا سوف يكلف سورية البلد والشعب خسائر لا تطاق فوق ما مضى من خسائر لا تطاق؟! لقد بدأت أجهزة استخبارات دول غربية وغير غربية من تلك التي جاء منها مسلحون إلى سورية ليقاتلوا في صفوف داغش والنصرة وسواهما من تنظيمات لها صلة بالقاعدة أو بالتطرف والتشدد السلبي، بدأت الاتصال بنظيرتها السورية لتحصل على معلومات عن أولئك لكي تتبعهم وكل ذلك لقاء نظير سياسي، وأن هناك دعوات لتنسيق بين "الحر" والجيش العربي السوري لمحاربة تلك التنظيمات المصنفة من قبل مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية منظمات إرهابية؟!

إن القراءة المتبصرة للأحداث والتحولات السياسية ضرورة من ضرورات التعامل مع الأزمة / الكارثة وتفاصيلها والمتغيرات المحيطة بها وما ينتظرها من تطورات واحتمالات.. وهذا واجب الساسة والقادة من بين الساسة، وتلك بنظري مسؤولية أطراف الأزمة السورية جميعاً من دون استثناء. والقراءة الواعية المسؤولة الحريصة على سورية الشعب والدولة والمكانة التاريخية والحضارية، ينبغي أن تتم بموضوعية ومنهجية بعيداً عن الأغراض والأمراض والمصالح الشخصية.. هذا إذا كانت هناك سياسة وكان هناك ساسة بالمعنى الأخلاقي الحقيقي للكلمة، حيث توضع مصالح الشعب والوطن والأمة، ويوضع مستقبل الأجيال، فوق كل الاعتبارات، وحيث توضع القضايا المصيرية والعداوات التاريخية والتحديات العصرية فوق كثير من الأمور العبرة أو الآنية.. وترتب حسب الأولويات الموضوعية والحقيقية المتصلة ببقاء الوطن وأمن الشعب وضورات البقاء والتطور والنمو. أيها السوريون جميعاً إن عدوكم وعدو الأمة والدين والقيم والهوية، عدو الماضي والحاضر والمستقبل، هو العدو الصهيوني العنصري المحتل للأرض والمستهين بوجود الأمة وقيمها، إنه " إسرائيل والحركة الصهيونية" بالتحديد، وكل من يساعدهما من حلفاء وعملاء هم من أعداء الأمتين العربية والإسلامية، لا سيما الأميركي المعادي لكل من لا يقدم مصالح الولايات المتحدة الأميركية على مصالح شعبه ووطنه وأمته.. ألا فاستيقظوا وكفوا عن البغي والغي وعن تحكيم النزوات واتباع الأعداء ومتابعة الانفعالات المريضة والأحقاد البغيضة.. ألا واستنقذوا ما تبقي من الوطن والشعب باتفاقكم على رفع الحكمة والمصلحة العامة فوق الجهل والجاهلية والضغائن والمصالح الخاصة والأطماع الشخصية والنزعات الطائفية والمذهبية والعرقية، وتعاونوا على حقن الدم بالحرص على من تبقى من الشعب وما بقي من البلد وعمرانه، واخلصوا للشهداء جميعاً بالوصول إلى وقف الاقتتال وإلى تفاهم وتعاون يقيان البلد والشعب تقديم مزيد من القتلى والتدمير والتشريد على طريق الحرب المجنونة العمياء التي أكلتنا جميعاً وأعلت مصلحة أعدائنا على مصالحنا، وكل ذلك بفعل نفر منا وتآمر علينا غيب منا الوعي والإدراك والاحتكام للعقل والمنطق والشرع والقانون.. ألا إن الوقت قد حان، وجنيف فرصة للسورين المنتمين المخلصين لوطنهم، والطريق ممهدة إلى تعاون وتفاهم يضعان البلاد على طريق وقف مسلسل العنف والدمار، ويقدم لمواقع المسؤولية كافة من يقدمه الشعب وفق إرادة حرة وممارسة ديمقراطية سليمة نزيهة..

والله من وراء القصد.

دمشق في 25/10/2013