خبر سنحكمكم أيها الأغبياء - هآرتس

الساعة 12:06 م|21 أكتوبر 2013

ترجمة خاصة

سنحكمكم أيها الأغبياء - هآرتس

بقلم: اسحق ليئور

 (المضمون: القيادة الاسرائيلية تبث بين رعاياها الشعور بأنهم ضحية ليجمعهم الخوف حول القيادة ويسهل التحكم بهم - المصدر).

إن كل من شاهد هياجا جماعيا – في ملاعب كرة القدم أو في الشارع أو في الفيس بوك – لاحظ أعراض مرض نفسي: فقد تحول اشخاص مهددون لم يكن أحد يعلم كيف يبدو صوتهم خارج القطيع، دفعة واحدة الى صارخين عنيفين وهُذاة ومرددي اقوال؛ وتختلط باللعنات والاتهامات وصيحات الأسى "الأصيلة" شهوة للقوة والعدو والخطر والصوت والبطولة والضحية والعنف والتكافل. هكذا على سبيل المثال بدت الشبكة وقت عملية "عمود السحاب" البعيدة بفضل تجربة الانترنت سنوات ضوئية وإن كانت في الحقيقة لا تبعد سوى سنة.

تحول ناس كنت تعرفهم حتى الحرب كانوا حمائم خالصة البياض وكانوا من أضداد بيبي الأسوياء، تحولوا الى قطيع مصارع غاضب رفع صور خراب وضحايا من ريشون لتسيون أو من أسدود وجعلنا في نظر الأب الغائب أي "الغرب الناظر" ضحايا مهشمين. إن من الحكمة الضئيلة ان نقول انهم "غوغاء". في نهاية القرن التاسع عشر في اوروبا حينما ظهرت ظاهرة القطيع بكامل فظاعتها للنخب المذعورة (قضية درايفوس مثلا)، وُلد علم نفس الجماعة وعلم نفس الهستيريا وعلم الاجتماع بعامة.

من الذين يكسبون من اعراض المرض النفسي هذا: دُعاة الشارع والساسة والمراسلون والمتشاعرون ووسائل الاعلام بالطبع. وإن ضعف الافراد – لا في وقت سقوط الصواريخ على تل ابيب وانعدام المعنى وموت الرموز وما أشبه – يختفي في لحظة واحدة من "التعظيم". إن هذا المصطلح المجدد يخلص من يبحث عن مصادر اصطلاحه في الأدب دائما الى الـ إس.إس والى صورة استحثاث هملر لشبانه اللطفاء على الاستقواء لصالح الأمة.

وحتى دون هذه المقارنة حسبنا أن نذكر انه توجد صلة بين قطيع عنيف وادعاء أنه الضحية وصلة في الأساس برعاية "التعظيم" المحتاجين الى ضعف رعاياهم بالطبع. ان الشعور الدائم بأنهم الضحية هو الذي يمنح الافراد الضعف و"الغضب" القطيعي، المطيع جدا (يوجد زعيم دائما). والشيء الأساسي هو أن القطيع لا يتخلص ولو لحظة واحدة من شعور الضحية الحلو.

حينما يقترح وزير التربية جعل دراسة المحرقة مادة الزامية من الصف الاول فمن المنطق ان نفرض ان نواياه خيّرة، فهو قلق من غياب قاسم مشترك اسرائيلي ومن الخطر على الديمقراطية لهذا الغياب، وهو يدرك الفراغ الذي نشأ مع موت الصهيونية. وهو مخطيء للطريق الذي يريد ان يشقه من جديد، فهو يريد أن يشحن رمزا قد فرغ.

في واحدة من الكراسات الناجحة لدراسة اليهودية في المدارس الثانوية، طُرح على الطلاب ان يختاروا  واقعة تأسيسية من اثنتين في حياة الشعب احداهما – اسطورية وهي الخروج من مصر ("الشعب اليهودي" فعالا)، والاخرى – المحرقة "شعب سلبي". ولم يكن انشاء دولة اسرائيل باعتباره حدثا منقطع النظير في التاريخ اليهودي، لم يكن خيارا، وما كان هذا ليحدث في فترة الصهيونية. فقد كانت الصهيونية الاسرائيلية تفرق حتى نهاية ستينيات القرن الماضي بين الرائد/ المحارب والضحية اليهودي وكان لهذا الفصل مزايا، لكن تلك الرموز قد فرغت على كل حال. كيف؟.

يمكن بالطبع ان نلخص الافلاس في السياق الاستعماري الجديد لأنه لم يعد أحد يعنى بالرموز اذا لم يوجد ربح. ولماذا يعنى ذو شعور وطني برمز لا ربح فيه؟ ولهذا تعزز رموز الشعور بالضحية للسيطرة على البشر.

إن مواعظ "كنتم ضعفاء، الى ان جئنا"، أي التعظيم هي صيغ لفترة خفوت الرموز. ومن المعلوم انه لا تنشأ أية معارضة من اعراض المرض النفسي هذه بل تنشأ قطعان رعايا. "صباح الخير أيها الاولاد"، تقول المعلمة في درس المنطق، "إن أنفاق رفح التي نقلت الطعام الى غزة كانت أنفاقا سيئة لأنها نقلت طعاما الى عدو يحاصرنا أيها الاولاد، والآن سندرسكم أمر الأنفاق التي حفرها أنتك سوكرمان ورفاقه بين الغيتو والقسم الاكبر من وارسو، لأنه يجب ان تكونوا في كل جيل ضحايا كي تكونوا أقوياء لتكونوا ضحايا كي تكونوا أقوياء". وباختصار: ستحكمونهم ونحكمكم نحن أيها الأغبياء.