خبر اتهام تركيا بكشف جواسيس الموساد فصل آخر في صراع الدولتين

الساعة 07:21 ص|21 أكتوبر 2013

أطلس للدراسات

تدخل العلاقات التركية الاسرائيلية هذه الأيام فصلاً جديداً من التوتر والتدهور وانكشاف الصراع الخفي، وذلك عبر السجال الاعلامي وتبادل الاتهامات على خلفية تقرير للصحفي الأمريكي ديفيد اغناتيوش، نشر في "الواشنطن بوست" أول أمس، اتهم فيه تركيا بتسليم إيران أكثر من عشرة جواسيس إيرانيين يعملون لصالح الموساد في بداية السنة الأخيرة، الأمر الذي فجر أزمة جديدة في العلاقات بين الدولتين، حيث اعتبرته تركيا يندرج في إطار حملة اسرائيلية هدفها الطعن والتشويه وإحراج وتخريب علاقاتها مع الغرب، بينما استغلته اسرائيل اعلامياً لتأكيد مزاعمها عن دور أردوغان الاسلامي وعداءه لإسرائيل، بل واتهمته باللاسامية.

التقرير الذي وجد ترويجاً إعلامياً كبيراً في اسرائيل تناولته كافة المحافل الاسرائيلية تحت عناوين بارزة (الخيانة التركية، دوماً عرفنا أن الاستخبارات التركية تسرب لإيران، تركيا تكشف عملاء الموساد لإيران، تركيا سلمت لايران معلومات عن جواسيس الموساد، أردوغان يكشف عملاء الموساد)، سلط الضوء كثيراً على شخصية هاكان فيدان قائد الاستخبارات التركية "MIT" للموساد، حيث زعمت انه الرجل الثاني في تركيا بعد أردوغان، وأنه الوجه الحقيقي للشرق الأوسط، وزعمت أنه يعمل بشكل مستقل عن التوجهات الغربية، واتهمته بتسريب معلومات أمنية للمجاهدين في سوريا كانت الاستخبارات التركية قد حصلت عليها عبر التعاون مع الأمريكية والإسرائيلية، وأضافت أنه حول جهازه الى شرطة مرور لنقل وتوجيه تدفق مجموعات القاعدة الى سوريا ونقل التمويل والسلاح لهم من دول الخليج، وانه استثمر علاقته المميزة مع بندر بن سلطان لتعزيز ودعم الوجود الجهادى في سوريا غير عابئ بالتحذيرات الأمريكية، مما جعل أوباما يحذر أردوغان من ذلك أثناء لقاءه به في البيت الابيض بحضور هاكان، الأمر الذى تم نفيه من قبل الزعامة التركية.

ومن بين أهم الاقتباسات عن شخصية هاكان اقتبس الإعلام الاسرائيلي أقوال وزير الحرب باراك عندما تسلم هاكان رئاسة الجهاز عام 2010، حيث وصفه بأنه مؤيد لإيران، وقال: "انه يخشى من أن يقوم  رئيس المخابرات التركي المعين بنقل المعلومات لإيران، فهو يعرف الكثير عن أسرارنا، والتفكير بأنه يمكن أن يطلع عليها الايرانيون "أمر مقلق"، أما جيمس جيفرى سفير أمريكي سابق في تركيا والعراق فقال عنه: "انه الوجه الجديد للشرق الأوسط، وعلينا أن نعمل معه لأنه يقوم بالأعمال ويجيد عملها، لكن علينا ألا نفكر انه صديق لأمريكا فهو ليس كذلك".

وفى إطار ردود الفعل؛ وصف مايكل روس رجل موساد سابق عمل على الأراضي التركية وقام بمهمات سرية ضد إيران، وصف ما جاء في التقرير في حال ثبتت صحته بأنه خسارة أمنية كبيرة، وقال انها "جريمة لا تغتفر"، حيث أكد أن العلاقات الأمنية بين الدولتين شهدت تعاوناً تاريخياً استثنائياً.

أما رامي ايجرا ضابط رفيع المستوى سابق في الموساد فيقول: "يبدو أن تركيا بسبب كراهيتها لإسرائيل ونفورها منها فضلت التنازل عن المنفعة التي توفرها العلاقات الأمنية بين اسرائيل وتركيا لصالح المساعدة في كشف النشاط الاسرائيلي في إيران، وهذا بافتراض أن المعلومات صحيحة، وهذا يفرض علينا وعلى الغرب البحث عن دول أخرى يمكن الوثوق بها، وتكون قريبة لإيران ويسهل الوصول اليها من قبل الإيرانيين، أما عن الثمن الذي يمكن أن تدفعه تركيا، فيكمن حسب ايجرا، بأن "دولاً كثيره تتعاون مع تركيا أمنياً سيكون عليها أن تكون أكثر حذراً في مجال تبادل المعلومات الحساسة".

وسياسياً، علق مصدر كبير لصحيفة "يديعوت" أن على اسرائيل وأمريكا أن تجريا تقويماً متجدداً بشأن السياسة مع تركيا، وبشكل خاص في ضوء الدعم الخفي من أنقرة لإيران، بما في ذلك خرق العقوبات عليها، والدعم الصريح من تركيا لمنظمات "إرهابية" كحماس في غزه والقاعدة في سوريا، وعلق أفيغدور ليبرمان رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست بأن على اسرائيل أن تكف عن الأوهام تجاه تركيا، فهناك فرق كبير بين الواقع والمرغوب، وذكر انه كان ضد الاعتذار لتركيا.

الأتراك بدورهم وعلى لسان أكثر من مسؤول، وفى مقدمتهم وزير خارجيتها داود أوغلو نفوا كل ما جاء في التقرير، واعتبروه حملة إسرائيلية هدفها النيل من تركيا في ضوء الموقف التركي الصارم من قضية تعويضات شهداء مرمرة ومن علاقة الحكومة التركية بحركة حماس، واعتبروا أن الحملة بدأت بتقرير في صحيفة "وول ستريت جورنال" في التاسع من أكتوبر الجاري في نفس اليوم الذي تلقى فيه السيد خالد مشعل دعوة لزيارة تركيا.

على أية حال؛ فحتى لو افترضنا صحة ما جاء في التقرير وهو بتقديرنا أمر غير مستبعد في ظل الصراع التركي الاسرائيلي المعلن منه والخفي، فإننا نعتقد انه ربما حدث ذلك قبل عامين، عندما كانت العلاقات التركية الإيرانية في أفضل ظروفها قبل أن تدخل الدولتان على خط المواجهة على جبهة سوريا، ويبدو الآن من الواضح تماما أن تركيا الحليفة المقربة من أمريكا لها سياسات شرق أوسطية مستقلة، ولا تستقيم تماماً مع السياسات الأمريكية، فتركيا تسعى لدور إقليمي مهم في المنطقة العربية ربما يعيد لها بعض مجدها التاريخي السابق، هذا الدور الإقليمي يتساوق مع الهواء والمزاج والتطلع الأردوغاني، الأمر الذي يجعل الصدام مع المصالح الإسرائيلية أمر لا بد منه، حيث اسرائيل هي الدولة الإقليمية الأكثر قوة، والعدو الأول لكل شعوب المنطقة ولتطلعاتهم، الأمر الذي سيجعل الصراع التركي الاسرائيلي أمر لا يمكن تفاديه أو القفز عنه بوساطات أمريكية أو غربية، فسياسات البلدين الأمنية والسياسية تحكمها مصالح دولهما الاستراتيجية، وهي اليوم أكثر كثافة وشدة وعنفاً في ظل التغيرات الجيوسياسية الكبيرة التي تشهدها المنطقة، فتركيا وإيران واسرائيل الدول الإقليمية الثلاث تبحث عن فرصها في مخرجات الربيع العربي، محاولين زيادة نفوذهم والتأثير في تشكل المنطقة من ناحية الجغرافيا السياسية، وأهم ما يشغلهم هي مخرجات الحالة السورية والكردية والعراقية لأنها قضيه مترابطة، وتتبادل التأثير وتشكل مناطق حيوية لقوى الاقليم الثلاث.