عامٌ يمضي وآخر يأتي، وما زال موسم الزيتون يراوح مكانه، حيث ينتظره الفلاحون بفارغ الصبر ليقطفوا ثمار تعبهم وجهدهم في رعاية شجرة الزيتون المباركة التي لها مكانة خاصة في قلب كل فلسطيني، شكلها الذي يوحي بالعظمة، وتفوح منها رائحة عرق الأجداد وتعبهم، وكل جزء منها يحكي قصة مختلفة عن الصمود والتحدي.
يستيقظ الفلاحون باكرا كما اعتادوا في كل عامٍ ليذهب كبار العائلة وفي ظلهم أولادهم وأحفادهم، فيخلقون جواً من المرح واللعب، ويقطفون حبات الزيتون بكل سعادة لجمعه وارساله الى المعصرة ليخرج زيتا صافيا، وعلى جوانب الشجرة تجتمع العائلة ليتجاذب أفرادها أطراف الحديث حتى نهاية يومهم في انتظار صباح اليوم التالي، وتستمر الحكاية .
هناك الكثير من العادات والتقاليد الموروثة والتي ما يزال الناس يحافظون عليها، كثقافة العمل التطوعي بين المواطنين في الريف الفلسطيني، والتي تعرف بـاللهجة العامية ب"العونة" التي ورثها الفلاحون عن أجدادهم، حيث يهب الناس لمساعدة بعضهم البعض في قطف ثمار الزيتون، خصوصاً في المناطق التي تعد مناطق احتكاك مع الاحتلال وقطعان مستوطنيه بما فيها الأراضي القريبة من المستوطنات، وجدار الفصل العنصري حيث يتم تحديد فترة زمنية لهم لقطف الثمار، وبتنسيق مع الاحتلال.
ويعتبر موسم الزيتون عرسا كنعانيا قديما بامتياز حيث متعة الحديث، وأحياناً الأهازيج التي تعصف بألحانها مع سقوط حبات الزيتون، والشاي الذي له نكهة خاصة على الحطب يذكرنا بمعيشة أجدادنا في هذا الموسم بعيداً عن الحداثة، والطهي على النار بين الأشجار الذي له مذاقه الخاص.
ويقول أحد الفلاحين "أنه يحب موسم الزيتون لأنه موسم اجتماعي تجتمع فيه العائلة ويقومون بنفس العمل وهو قطف الزيتون، ويضيف: "انه موسم متعب هذا العام بسبب عدم نزول الأمطار الأمر الذي أدى إلى تراكم الغبار على أشجار الزيتون".
ويلعب الزيتون دوراً هاماً في الدخل والأمن القومي الفلسطيني، حيث أن 45% من الأراضي الفلسطينية مزروعة بالزيتون حسب مركز الاحصاء الفلسطيني، بالرغم من تقلصها نتيجة تخريب قطعان المستوطنين لها، ومصادرة الاحتلال لها تحت مسميات المناطق الأمنية والجدار العازل، ومع كل ذلك ما زال زيت الزيتون يحتل الصدارة بالصادرات للخارج كل عام تقريباً لدعم دخل المزارع الفلسطيني .
ويبيع الفلاحون الزيتون حباً أو زيتاً ليستفاد منه بأمور كثيرة آخرى غير الطعام، مثل صناعة الجفت والصابون.
ويواجه المزارعون أثناء تسويقهم لحب أو زيت الزيتون عدة مشاكل أهمها بعض حالات الاستغلال من التجار لهم، حيث يقوم بعض التجار بشراء الزيت من الفلاحين بسعر منخفض ليبيعه بسعر مرتفع بهدف الربح، لتثقل الخسارة كاهل الفلاح الفلسطيني .
وقد شهد سوق الزيتون في الآونة الاخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار الزيت عن العام الماضي، ويقول احد تجار الزيت ان كيلو الزيت القديم يباع بـ 20 شيكلا والجديد بـ 30 شيكلا، ورغم هذا الارتفاع الا ان هناك حركة جيدة في سوق الزيتون، حيث بدأ الطلب عليه يزداد نظراً لبدء موسم الزيتون ونزول الزيت الجديد إلى السوق .
ويتخوف الفلاحون الفلسطينيون ككل عام من هجمات المستوطنين على اراضيهم، حيث لا يكتفون بسرقة الثمار، بل يخربون أيضا أشجار الزيتون بجرفها وقلعها وإضرام النار فيها كما حدث منذ أيام في مدينة يطا جنوب الخليل.