(المضمون: ما زال بنيامين نتنياهو يؤمن بما كان يؤمن به في سنة 1995 وهو تسوية مع الفلسطينيين تقوم على أساس دولة فلسطينية منزوعة السلاح لا تسيطر على حدودها مع اسرائيل - المصدر).
إن موظفا رفيع المستوى في وزارة الدفاع الامريكية سُئل كيف يحدد السياسة في موضوع ما، أجاب بأنه يتجه الى خطب الرئيس المعلنة. "هناك تُعرض السياسة الحقيقية"، أجاب. ومنح موظف رفيع المستوى في ديوان رئيس الوزراء جوابا مشابها في هذا الاسبوع.
يتوقع أن يخطب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الاسبوع القريب ثلاث مرات. وستُخطب الخطب الثلاث في الكنيست. في يوم الاثنين في افتتاح الجلسة الشتوية للكنيست، وبعد ذلك في خلال الاسبوع في مراسم تذكر مرور اربعين سنة على حرب يوم الغفران في الكنيست، وفي الذكرى السنوية لمقتل رئيس الوزراء اسحق رابين.
عرض في هذا الاسبوع في جامعة بار ايلان آخر ما يؤمن به في الشأن الفلسطيني. فقد عاد نتنياهو الى المنصة نفسها بعد خطبة بار ايلان التي أعلن فيها بأنه يؤيد "دولتين للشعبين" وحل انشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح بتسوية دائمة، بعد اربع سنين.
يجري الآن تفاوض سري بين تسيبي لفني وصائب عريقات برعاية امريكية من مارتن اينديك. وقد بيّن الرئيس اوباما ووزير الخارجية كيري ايضا أن التباحث بين الطرفين هو في جميع الموضوعات الجوهرية – وسيتقرر حتى أيار 2014 هل سيوجد اتفاق. وفي الخطبة الاخيرة حدد نتنياهو خطوطه الحمراء فقال: "لا لعودة اللاجئين ولا لحقوق قومية لعرب اسرائيل، ونعم لدولة فلسطينية منزوعة السلاح محاطة بقوات الجيش الاسرائيلي فقط".
لا يؤمن أحد في الجانب الاسرائيلي بأن أبو مازن أو زعيما فلسطينيا آخر مستعد الآن للتوقيع على اتفاق يقوم على الشروط التي اشترطها نتنياهو، لكن رئيس الوزراء مُصر. ويعرف الامريكيون ذلك، وقد قال نتنياهو ذلك بصراحة لوزير الخارجية الامريكي جون كيري الذي التقى معه في الشهر الاخير في عدة محادثات.
ذكر نتنياهو في خطبة بار ايلان بصيغة 2013 كتاب المؤرخ الامريكي فيل دورنت "دروس التاريخ". وقال نتنياهو إنه ينبغي التعلم من التاريخ وإن أكثر الأحداث تأثيرا في التاريخ في رأيه في القرن الماضي الحرب العالمية الثانية والمحرقة. فهناك من وجهة نظره يمكن أن ندرس سلوك القوى الكبرى، والشيطان البشري وحيل الخداع وانجذاب ديمقراطيات مستخذية لقوى مخادعة.
إن نتنياهو لا يضعف فهو يذكر في كل فرصة المحرقة والدرس الذي ينبغي تعلمه منها في أيامنا. وتنبسط آثار ذلك من ايران الى الفلسطينيين وهذا ما كان ايضا في هذا الاسبوع في لقاء نتنياهو مع رئيس وزراء اليونان، فقد أثنى نتنياهو على نظيره اليوناني لمقاومة حكومته لخلايا نازية جديدة في الدولة، لكنه ربط ذلك فورا بقصة جزيرة زكينتوس. في اثناء الحرب العالمية الثانية طلب القادة النازيون قائمة فيها نحو من 250 ساكنا يهوديا من زكينتوس، وقد طلبوا ذلك من رئيس المجلس البلدي ومن كردينال زكينتوس. فجاء هؤلاء القائد النازي وقالوا إليك القائمة، وكان في القائمة إسمان: اسم رئيس المجلس البلدي واسم الكردينال. وخرج كل يهود الجزيرة دون أن يُمسوا. "كان ذلك إظهارا للشجاعة من الطراز الأول"، قال نتنياهو لرئيس الوزراء اليوناني. إن صلة الوصل بين الخطبتين اللتين خطبهما نتنياهو في نيويورك عن ايران وفي بار ايلان عن الفلسطينيين هي تناول سؤال "ما الذي يريدونه حقا وما الذي نحن مستعدون لتحمله". إن نتنياهو مستعد لكل تحادث يفضي الى سلام حقيقي، وقد بقي شعاره "اذا أعطوا فسيأخذون واذا لم يعطوا فلن يأخذوا". وربط نتنياهو بين ايران والفلسطينيين. وهو لا يؤمن بأن تسوية مع الفلسطينيين ستفضي الى علاج دولي أفضل لايران، لكنه ربط بين التأثير في المستقبل الذي سيكون لكل اتفاق يوقع عليه سواء مع ايران أو مع الفلسطينيين.
يجب أن يوقف اتفاق القوى الكبرى مع ايران بحسب ما يرى نتنياهو، تخصيب اليورانيوم وإلا فانهم في طهران سيتقدمون ببرنامجهم للسيطرة على العالم في حين تكون الرغبة الثانية هي القضاء على اسرائيل. وايران اليوم تمد حزب الله وحماس، ويمكن أن تتحول يهودا والسامرة بتسوية مع أبو مازن الى قاعدة ايرانية أمامية، وهكذا فان التهديد الايراني كما يرى نتنياهو ليس هو فقط من أخطاره غير التقليدية بل من أخطاره التقليدية ايضا كبناء قاعدة صواريخ اخرى حول اسرائيل.
دون قوى اجنبية
يعارض نتنياهو دولة ذات شعبين ولهذا يؤيد انشاء دولة فلسطينية. ومع ذلك فانه غير مستعد للجلاء عن أي ارض سيدخلها الايرانيون. فما الحل؟ إنه دولة منزوعة السلاح بلا جيش وترتيبات أمنية بعيدة الأمد في غور الاردن في حين يسيطر الجيش الاسرائيلي على طول الحدود والمعابر. ويعارض نتنياهو وجود قوات اجنبية في المنطقة حتى لو كانت قوات امريكية، وهو يرى أنها ستصبح مستهدفة لارهاب متفوق وستغادر آخر الامر.
قال نتنياهو في هذا الاسبوع إنه يجب لانهاء الصراع أن نفهم ما هو جذر الصراع. وهو يشير الى الفرق بين أحداث شغب وجهت على يهود وبين هجوم على يهود صهاينة جاءوا الى اسرائيل واستوطنوا بيت المهاجرين في يافا في سنة 1921 في أحداث شغب تلك السنة. وقد وصل جد نتنياهو الى يافا الى ذلك البيت قبل ذلك بسنة ومثله كثيرون آخرون.
إن ذلك الهجوم ومثله هجمات اخرى في 1929 بعد ذلك بـ 8 سنوات، وفي التمرد العربي في السنوات 1936 – 1939 وخطة التقسيم في 1947 – تمت عن معارضة للعودة الى صهيون. في 1947 أُثير اقتراح دولتين عربية ويهودية فوافق اليهود ورفض العرب. وتفسير نتنياهو لذلك أنهم "لم يوافقوا لأن الموضوع لم يكن آنذاك، وأقول لكم إنه ليس كذلك اليوم ايضا، مسألة الدولة الفلسطينية بل كان الموضوع وما زال لأسفي هو الدولة اليهودية. إن الحقيقة موجودة في هجوم دائم من قبل أعدائنا وخصومنا فهم يحاولون أن يضعفوا صلتنا القديمة بأرض اسرائيل والحقائق الأساسية للصراع بيننا وبين الفلسطينيين".
وفي خلال ذلك يتحادث فريقا التفاوض. إن توجيه نتنياهو هو الى التوصل الى تسوية دائمة لا الى تسوية مرحلية، لكن يمكن هنا ايضا أن يكونوا خلاقين، فأحد الامكانات هو التوصل الى تسوية دائمة على أن يكون تطبيقها في مراحل.
في سنة 1995 أثار نتنياهو في خطبة في مركز الليكود فكرة "دولة منقوصة" لتكون اطارا لدولة فلسطينية، وهي دولة منزوعة السلاح لا تسيطر على حدود اسرائيل ولا تحول المناطق الى قواعد ارهاب ايرانية. دولة ليس لاسرائيل سيطرة على سكانها. ولم تتغير هذه الخطة بالفعل.
إن خطوط نتنياهو الحمراء في تلك الخطة في 1995 تشبه الخطوط الحمراء التي عرضها هذا الاسبوع شبها كبيرا. لكن الفلسطينيين ايضا عندهم خطوط حمراء، فهم يوافقون على الورق على الاكتفاء بـ 22 في المئة من مجموع مساحة فلسطين التاريخية، أي خطوط 1967. فهل يمكن أن توجد تسوية؟ لا أحد يعلم ولا هو مستعد للرهان.