خبر عوفاديا يوسيف.. لم يكن رمزاً للتسامح الديني والسياسي والاجتماعي

الساعة 07:30 ص|10 أكتوبر 2013

أطلس للدراسات

السماء ليست ذات السماء، ويتماء أصبحنا، بهذه الكلمات المصحوبة بالدموع والبكاء عبر زعماء المتدينون الشرقيون عن مدى حستهم وحزنهم على موت زعيمهم الروحي الكبير عوفاديا يوسيف، كما أن الحشود غير المسبوقة في جنازته في تاريخ دولة الاحتلال تعبر عن مدى شعبيته وعظمة مكانته في قلوب أتباعه وأنصاره وتلاميذه من اليهود الشرقيين، برغم تضارب الأرقام حول أعداد المشاركين (250 ألف-850 ألف)، وعلى المستوى الرسمي؛ فإن من لم يشارك لأسباب زحام الحشد اجتهد لأن يظهر تأثره وتضامنه، حتى أن بيرس ونتنياهو نش كل منهم في الصحف كلمات تأبين عظمته وعددت مناقبه ووصفته بمفتي الأجيال وحكيم التوراة.

عوفاديا يوسيف، الحاخام الأكبر للطائفة الشرقية "الأول في صهيون"، والزعيم الروحي للشرقيين أو الفقيه الأول، ومفتى الأجيال، وقاضي التوراة وحكيمها كما يحبون يصفونه، كان زعيماً دينياً وسياسياً كبيراً بدرجة غير مسبوقة، وكان الشخص السياسي من خارج الحياة السياسية الرسمية الأكثر تأثيراً ونفوذاً على الحياة السياسية، بحكم سلطته ونفوذه على حركة "شاس"، وعلى جمهور اليهود الشرقيين عامة، فخطب وده وتذلل له جميع زعامات إسرائيل، يساراً ويميناً، من رابين وحتى نتنياهو، مما منحه مكانة استثنائية، وأشعره بثقة مطلقة وكأنه فوق القانون، وعملياً كان فوق القانون فأستخف بقوانينهم وسخر من علومهم، وكان لسانه سليطاً حاداً نزقاً وعصبياً، فكان سرعان ما ينعت خصومه أو منتقديه بالكفر والزندقة ويخرجهم من اليهودية، دون أن يجرؤ أحد على مقاضاته على القذف والشتم أو التحريض العنصري.

وقد كان للعرب نصيب كبير من عنصريته وأقواله التحريضية، ومن أشهرها أن العرب أفاعي وحشرات وبهائم، وأن الله يكرههم وقد خلقهم ليكونوا عبيداً لبنى اسرائيل.

ولد الحاخام يوسيف في بغداد سنة 1920، وهاجر في سن الرابعة مع والديه الى فلسطين، ومنذ صغره تعلم في المدارس الدينية اليهودية في فلسطين، وعندما بلغ السابعة عشره كتب أول كتيب ديني له، وعندما بلغ العشرين نال لقب حاخام وأصبح "دياناً" قاضياً في محكمه شرعية، وفى سنة 1943 أرسل للقاهرة ليكون قاضياً ونائباً للحاخام الرئيسي حاييم ناحوم افندي، وعاش في القاهرة فتره الحرب عام 1948، ويقول انه برغم الحرب فقد دخل قصر الملك فاروق ليشارك باحتفال عيد ميلاد الملك، وانه تبادل معه التهاني، وعاد الى اسرائيل بعد أن انتهى عقد عمله سنة 1950، ومنذ ذاك الوقت عكف على القراءة الدينية وكتابة الكتب، الى جانب وظائفه الدينية في المؤسسات الحاخامية، وفى سنة 1972 وصل الى المنصب الرسمي  الديني الأعلى لليهود الشرقيين وهو الحاخام الأكبر للطائفة الشرقية ويلقب "الاول في صهيون"، حيث لإسرائيل حاخامان أكبران، أحدهما للاشكناز وآخر للشرقيين بحكم اختلاف العادات والتقاليد الدينية والاجتماعية لكل طائفة، وبعد تقاعده من وظيفته كحاخام أكبر أقام بدعم الحاخام شاخ أحد اكبر الحاخامات الاشكناز، شكل مجلس حكماء التوراة الذى ترأسه، وهو المجلس الذى أنشأ ذراعه السياسي والاجتماعي حركة "شاس"، وهي اختصار لاسم حراس التوراة الشرقيين، وهي الحركة التي منذ تشكيلها لعبت دوراً مهماً ومؤثراً في الحياة السياسية في إسرائيل.

 

الأهمية الدينية والسياسية لعوفاديا يوسيف

الدينية: ربما تتذكره غالبية أنصاره بصفته زعيماً سياسياً، لكن مريديه وأتباعه كما الزعامات الدينية والمختصين بالدراسات التوراتية سيتذكرونه أكثر بسبب اسهاماته الفقهية الكبيرة، فهو ليس من قلة يوصف بكبير فقهاء الجيل، حيث يجمع المختصون وكبار رجال الدين كما الزعماء السياسيين انه كان يتمتع بجرأة كبيره في مجال الإفتاء، وكان يختلف مع من سبقوه، ويخرج أحياناً عن بعض الفتاوى القديمة المؤسسة، حيث استند بشكل أساسي في فتاويه الخاصة بتطبيق الشرائع اليهودية في الحياة الدنيوية على مبدأ التخفيف والاعتدال بعيداً عن الغلو والتطرف في تفسير الشرائع، ومن أشهر فتاويه تحليل زواج الممنوعات دينياً من الزواج بحكم غياب الزوج أو فقدان الصلة به، وقد عرفت هذه الظاهرة بعد حرب أكتوبر حيث اعتبر أكثر من ثماني مائة جندي متزوج في عداد مجهولي المصير، مما جعل زوجاتهم ممنوعات من الزواج ثانية، فأحل يوسيف زواجهن في فتوى اعتبرت ثورية من وجهة نظر حاخاميي الأصولية المتشددة، كما أنه أجاز التهويد داخل المؤسسة العسكرية، وكان له وجهة نظر "معتدلة" من زواج مجهولي النسب، ومن الاستماع لصوت المرأة في المذياع، وعمل المرأة في بعض المؤسسات الخيرية التطوعية، وله عشرات الكتب والكتيبات في مجال الفقه اليهودي، ويقول عنه نتنياهو في هذا الشأن "كان الحاخام عوفاديا يوسيف واحداً من العظماء، استطاع أن يفتي فتاوى جليلة كان لها أثر عظيم في تاريخ الدولة"، أما بيرس فيصفه "كان الحاخام عوفاديا يوسيف رجلاً عظيماً وهب نفسه للعلم، واستطاع أن يحل مشكلات ما كان غيره يستطيع حلها".

وعلى المستوى الديني أيضاً اجتهد كثيراً لتشكيل بوتقة صهر دينية لليهود الشرقيين خاصة، وكل اليهود عامة، حيث انتقد العادات والتقاليد الدينية لكل طائفة من الطوائف الشرقية، ونجح الى حد كبير في التأسيس لعادات دينية موحدة للطوائف الشرقية، لكنه في كل ما يتعلق بالعادات الدينية الاشكنازية والفقه الاشكنازي فشل فشلاً كبيراً، فعلى الرغم من مكانته الفقهية الكبيرة وكتاباته الكثيرة والمتعمقة في الشرائع اليهودية، وعلى الرغم من رغبته وطموحه الجامح لإعادة المكانة الرفيعة للفقه الشرقي "عطراه ليوشناه" اعادة المجد الماضي، فإن الطائفة الدينية الاشكنازية ظلت تهيمن في مجال الفقه، واحتفظت تقاليدها بمكانتها المرموقة داخل الطوائف الدينية، وظل الفقهاء الاشكناز هم أصل الفقه حتى في نظر الحاخامين الشرقيين.

سياسياً: لعل المكانة السياسية هي المكانة الأهم لعوفاديا داخل المجتمع الإسرائيلي، الذى سيبقى ينظر إليه كزعيم لحركة سياسية شرقية تمثل قطاعاً معيناً من المجتمع الإسرائيلي، لها خصوصيتها الاجتماعية ومتطلباتها الاقتصادية، ومتطلباتها الاقتصادية شكلت نقاشاً وتجاذباً حاداً على المستوى السياسي والاجتماعي وصل حد الاتهامات العنصرية والشقاق العرقي، ونظر إليها خصومها السياسيين وغالبية المجتمع والاعلام على أنها حركة طائفية تبتز الحكومات، وتشكل عبئاً مالياً على خزينة الدولة، حيث تحصل بطريقة الابتزاز السياسي على أموال كبيرة من الدولة، تنفقها على مؤسساتها التعليمية والاجتماعية، مما أسهم في تشكل رأى عام كبير نسبياً ضد حركة "شاس" افضى لإقامة أحزاب سياسية على خلفية العداء لحركة "شاس" من أبرزها "شينوى وحزب المستقبل".

وسياسياً أيضاً يعتد "اليسار" الصهيوني بفتوى يوسيف الدينية السياسية التي ساهمت بشكل كبير في تمرير اتفاق اوسلو سنة 1993، حيث أجاز التنازل عن أرض من أراضي اسرائيل لصالح فداء النفس، لكنه رغم "اعتداله" السياسي في سنوات التسعين الذي جعل بعض الزعماء الفلسطينيين يذهبون لزيارته في بيته عاد للتحالف مع اليمين، وحركته "شاس" بزعامة يشاي أصبحت جزء من المعسكر اليميني، وأصبحت "شاس" جزء من المشروع الاستيطاني والأمني في الضفة، فكثر مصوتوها داخل المستوطنات وداخل صفوف الجيش (15% ممن صوت من الجنود صوتوا لصالح شاس)، وتحولت حركة "شاس" الحركة الأكثر صهيونية وارتباطاً بالمشروع الصهيوني من بين كل الأحزاب الأصولية، وهو ما يستقيم جيداً مع روح الفكر السياسي الديني للحاخام عوفاديا الذى يجمع بين التدين والصهيونية والعنصرية الدينية والسياسية، فهو بعيد عن أن يكون رجلاً للتسامح الديني والسياسي والاجتماعي.