منذ عقود، شكّل مكتب الحاخام، المولود في بغداد عام 1920، قبلةً حجّ إليها رؤساء حكومات، رؤساء، وسياسيون من كافة ألوان الطيف السياسي. حين سُئل المقرّب منه، رئيس شاس أريه درعي، من أين استمدّ الحاخام شعبيته الكبيرة وتأثيره، أجاب أنّ الحاخام يوسف هو أولًا كبير مُفتي عصرنا، لكنه رغم ذلك لا ينفض يديه من الانشغال بالحياة اليوميّة لأتباعه، ولذلك فهو يحظى بتقديرهم.
وتروي الحكايات أنّ الحاخام بدأ عمله في الشريعة على كرسي صغير بجانب صندوق البقالة التي أدارها أبوه، لكن سُرعان ما تجلّت موهبته الكبيرة. منذ السابعة عشرة، بدأ يدرّس في كنيس للقادمين من إيران في حيّ "بيت إسرائيل" في القدس، ويبدو أنّ أحكام الحاخام بدأت تثير النقد والاستياء اللذَين رافقاه طيلة حياته، منذ مواعظه الأولى.
بعد أن اكتسب صيتًا كمفتٍ ومسوّي نزاعات، جرى إرسال الحاخام يوسف إلى مصر، لشغل منصب قاضٍ رئيسيّ في القاهرة، ومنصب نائب رئيس جالية يهود مصر.أثرت فيه اختباراته في مصر كثيرًا، وتُعدّ الخبرة التي اكتسبها في العلاقة مع السلطات في مصر، وتصرفه مع الجالية اليهودية الكبيرة مسؤولَين عن صوغ قسم كبير من نظرته الفقهية. وروى في الماضي أنه يحبّ الاستماع للمطرب فريد الأطرش، الذي تعرّف إليه، كما يبدو، في تلك الفترة. عاد الحاخام من مصر بذكرى إضافية أضحت سمة له ليس أقل من فتاواه الشرعية، وهي مشاكل العينَين التي عانى منها، والتي أكرهته على التجوّل مع نظارات شمسية داكنة.
حين عاد من مصر، بدأ الحاخام العمل على المشروعَين اللذّين رفعا مكانته. كان المشروع الأول إقامة مدارس دينيّة من أجل الطلّاب الشبّان المتفوّقين المنحدرين من البلاد الإسلامية، الذين عانوا من ظلم مقارنةً باليهود الغربيين، وفقًا للحاخام. أمّا الثاني فكان نشر كتبه وفتاواه التي حظيت بتقدير كبير للتجديد الذي فيها. في بداية السبعينات، شغل منصب الحاخام الرئيسي لإسرائيل، وبقي في المنصب نحو عقد.
في بداية التسعينات، أصبح الزعيم الروحي لحزب شاس الشاب دون منافس، وهو الحزب الذي مثّل التيار الحاريدي الشرقي في إسرائيل. حوّل نجاح شاس والظروف التي أدت لكونه عنصرًا هامًّا في تأليف ائتلافات حكومية، الحاخام عوفاديا إلى مركز قوة سياسية، لم تحظَ بها أية شخصية غير سياسية في دولة إسرائيل على الإطلاق.
ألزمته مكانته الجديدة بإصدار فتاوى واتّخاذ قرارات في مجال جديد من المواضيع بعيد كل البُعد عن الفتاوى اليومية التي عمل بها حتّى صعود شاس، نظرًا للحاجة إلى رسم خطّ واضح للحزب الذي عمل وفق توجيهاته. وهذا ما قاد الحاخام يوسف إلى عدد من الفتاوى في مواضيع مثل عملية السلام، موازنة الحكومة، والعلاقة بالعلمانيين وبأجهزة السلطة. وأصدر الحاخام أحد أبرز قراراته على المستوى السياسي على الأقل إبّان معاهدات أوسلو، حين قرّر أن تخليص النفس أهم من وصية استيطان أرض إسرائيل. وبناءً على ذلك، فإنّ ثمة مبرّرًا شرعيًّا لتسليم أراضٍ في إطار اتفاقات سلام تنقذ حياة الإنسان. ومنحت هذه الفتوى دعمًا لرابين حينذاك ليواصل عملية السلام مع عرفات.
يستمرّ الوضع الصحي للحاخام يوسف بالتدهوُر منذ سنوات. لكن حتّى في هذه الفترات، من مكان سكنه لدى ابنه الصغير موشيه، أو من مكتبه، أو عبر مواعظه الأسبوعية، استمرّ الحاخام في قيادة أتباعه، وتزويد مواضيع مثيرة للجدل لدى كل مجتمَع تقريبًا، عدا المجتمع الحاريدي الشرقي. فقد أثار غضب العلمانيين بالحُكم على الجهاز التربوي لديهم، حينَ قال إنّه "لن يُرسل ابنه إلى حيث ثمةَ معلمون علمانيون لا يفقهون الشريعة. المعلمون العلمانيون ليسوا معلّمين، بل حمير". ونجح في إثارة سُخط المتدينين القوميين في المعركة الانتخابية الأخيرة بحُكمه: "هذا ليس بيتًا يهوديًّا. إنه بيت أمم، أوغاد كارهين للتوراة".
وبشكل طبيعي كمفتٍ حاريدي، جاءت أقواله عن شؤون مثل الأطباء الذين يُجرون عمليّات إجهاض بأنهم "بهائم لا يعرفون شيئًا؛ أنا أدعوهم أبالسة، أولئك الذين يقتلون النفوس"، أو عن الشاذين جنسيًّا: "مضاجعو النظير هم ملاعين حقيرون". في نهاية الأسبوع الماضية، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في إسرائيل جرّاء مقال نقدي استثنائي في لهجته ضدّ الحاخام عوفاديا، نشره الوزير السابق يوسي سريد (الذي وُجّهت إليه شخصيًّا سهام الحاخام عوفاديا المسمومة، إذ قال عنه: "ملعون وحقير، كاذب وسارق، يجب تعليقه على خشبة طولها خمسون ذراعًا"). وكتب سريد في المقالة، بين أمور أخرى: "ويلٌ لعصرٍ هذا كبيرُه... مَن ينسب له العظَمة والشريعة معًا، أشكّ في أنه قرأ صفحةً من كُتبه: كيف نسلق بيضة وُلدت في يوم عيد، وباقي الهراء... بعد موته - بعُمر مئة وعشرين سنة على الأقل - سنستصعب تطويبَه قدّيسًا. لم يكن قدّيسًا في نظرنا أثناء حياته، ولا سبب لتقديسه على فراش الموت... حين يرقد خصمنا على فراشه لا نشمت، لكننا حتمًا لا نسامح". وانطلقت في المواقع الحاريدية فورًا دعوات مناهضة لسريد (الذي لُقّب "مُكدِّر إسرائيل")، وضدّ صحيفة "هآرتس".
ومن الأحداث المثيرة للاهتمام في الماضي: حين عُيّن إيلي يشاي من حزب شاس وزيرًا للداخليّة، وقرّر العمل على إغلاق الصحيفة الناطقة بلسان الحركة الإسلامية بحجة التحريض، آثر محامو الحركة عرض سلسلة من التصريحات التحريضية للحاخام عوفاديا، الذي يعتبره الوزير يشاي زعيمه الروحي، ليُظهروا أنّ نهج الحاخام عوفاديا أكثر تحريضًا من صحيفة الحركة.
لكن رغم كلّ الخلافات، فإن القوة السياسية لحزب شاس، الذي كان شريكًا في الائتلاف لسنوات طويلة جدًّا في كلّ حكومة وصلت إلى سدّة الحُكم في إسرائيل أدّت إلى عدم فقدان الحاخام مكانته. وثمة من يقول إنّ الوضع عكسيّ - فبسبب المكانة المرموقة للحاخام، كزعيم روحيّ لشاس، حافظ الحزب على قوته السياسية.
للحاخام عوفاديا يوسف 11 ابنًا، كثيرون منهم واصلوا طريقه وهم حاخامات ذوو أهمية ويحظون بالتقدير، منهم الحاخام يتسحاق يوسف، الذي اختير مؤخرا الحاخام الشرقي الرئيسي لإسرائيل. كذلك ابنته، عادينة بار شالوم، هي شخصيّة مركزية بين الحاريديين، وقد أنشأت الكلية الحاريدية الأكاديمية الأولى. وقد تُوفي عن عُمر 93 عامًا في مستشفى هداسا في القدس، مُحاطًا بأسرته وأتباعه.