خبر حرب الكل على الكل.. علي عقلة عرسان

الساعة 05:59 م|04 أكتوبر 2013

 

 

طالما تحدثنا سابقاً وفي هذا المنبر العربي المتميز الذي لا يأخذ ما يستحق من اهتمام مَن تعنيهم قضايا الأمة بحق والموقف منها بوعي وصدق.. طالما تكلمنا عن حرب الكل ضد الكل في سورية، وها نحن اليوم نصل إليها وننتقل إلى ميادينها الأوسع والأشمل والأبشع، حيث يستمر الاقتتال الوحشي ويحقق الصهاينة والأميركيون وحلفاؤهم ما هدفوا إلى تحقيقه منذ بداية التخطيط للأزمة السورية وتفعيلها بأدوات وأموال ومحركات وعصبيات عربية وإسلامية!!.. فسورية اليوم بعد ثلاثين شهراً من الحرب المدمرة صامدة ومتصدية ومتماسكة ولكنها ليست كما كانت، فهي: ضعيفة، وبلا سلاح رادع حتى وإن كان مما لا يستخدم إلا في الرمق الأخير حيث علي وعلى أعدائي، وبُناها مدمرة، ونصف شعبها يعاني من التشرد في الداخل والخارج، وكثير من صغارها بحاجة للغذاء الواقي من الداء وخارج المدارس في عصر المعرفة، وخسائرها البشرية كبيرة وتفاعلات أزمتها مبرحة وخطيرة وبعضها مقيم ويعسّ من تحت الرماد، وخسائرها الأخرى البنيوية والحيوية كبيرة وكثيرة ومنها مادية تبلغ مليارت الدولارات، هذا عدا الخسائر الاجتماعية والروحية والمعنوية التي أصابت قطاعات من البشر وتحتاج إلى سنوات وسنوات من العلاج ليبرأ المصابون بها من أوجاعها وعقابيلها.. ومن يقاتلون سورية في أرضها ويقتتلون فيها ممن يقولون إنهم يناصبون الصهاينة والأميركيين العداء، ويتصدون لهم منذ احتلال أفغانستان إلى تدمير العراق، ومعظمهم ممن ينتمون إلى القاعدة وأذرعها وفروعها ومشابهاتها يواجهون مقتلة في سورية ويقتلون عرباً ومسلمين فيها لينتصر من على من يا ترى.؟! الكل ضد الكل اليوم كما توقعنا وقلنا وحذرنا منذ سنة ونيف، وهو مطلب صهيوني ـ غربي معلن، وشرط من شروط التسليح والتمويل والدعم بأشكاله والتعويم السياسي والإعلامي بأنواعه وألوانه، ولكنه مندرج في الخطة لا يظهر إلا في حينه.. والأهداف المتحققة حتى الآن من السراع هي أهداف في صالح أعداء سورية والأمة العربية، وفي صالح الكيان الصهيوني وحليفه الأميركي بالدرجة الأولى، ومن يدفع تكاليف تحققها من دم ودمار ومال عربٌ تبعٌ يقودهم الصهاينة والغربيون إلى حيث يشاؤون ويجعلونهم يعادون ويصادقون حسب الطلب والتكليف والإيحاء.. ومصداق ذلك يقرأ في معظم صراعات وحوادث وتحالفات وحروب عربية عربية وعربية إسلامية في النصف الثاني من القرن العشرين وهذه السنوات الثلاث عشرة العجاف من القرن الحادي والعشرين.

اليوم، وكما طلب رؤساء دول وحكومات ووزراء خارجية أميركيون وأوربيون بألسنتهم، تتبدل التحالفات والخنادق وتنتقل البنادق من كتف إلى كتف ليتم إنجاز الفصل الحالي من الأزمة السورية الكارثة.. ففي الفصل الراهن من فصول الأزمة: كل المسلحين من كل التبعيات والألوان والأطياف والبلدان ضد الجيش العربي السوري وهو ضد كل من يحمل السلاح على وطنه سورية.. وهذا فرع من فروع الحرب مستمر، وفي المشهد اليوم: "داعش" ضد "الحر" الذي يتشظى ويلتحق بعضه بالنصرة أو بداعش أو تتكون من أتباعه ألوية جديدة خارجة عليه وضد الجيش العربي السوري والنصرة وداعشو.. النصرة ضد داعش والدم بينهما يسيل، وكذلك الحال بشأن ما تبقى من الحر وما تشكل من ألوية وتحالفات تحت مسميات جديدة.. والسلاح الغربي المتطور الذي سلم للحر على ألا يصل إلى النصرة وداعش والمتطرفين الآخرين وصل إليهم وأكثر، وبدأت حرب الكل على الكل في مناطق كثيرة من أبرزها إعزاز والرقة ودير الزور وريف حمص و.. إلخ كما أسلفنا.. والصوت المرتفع هنا وهناك في معسكرات المصلحين أنهم ضد جنيف2 وضد النظام في سورية وضد إيران وحزب الله وروسيا الاتحادية وضد ما لا نعرف مما قد يستجد من دول وأهداف وأعداء.. وما ذلك في حقيقته وخلفياته سوى جيشان دم في التيه وتوطئة لا بد منها لكي تبقى الحرب مشتعلة حتى تأتي على الكل وتتحقق للصهاينة والغربيين أهداف لم تتحقق بعد، على الرغم من تحقق أهداف كثيرة وكبيرة ذات أهمية استراتيجية قصوى في مقدمتها انتزاع ورقة السلاح الكيمياوي من اليد السورية من دون مقابل، درءاً للتهديد الأميركي بالعدوان على سورية.

لا يوجد حسم عسكري للحرب المدمرة في سورية كما ردد ساسة وعسكريون ومثقفون وحكماء مراراً وتكراراً، والحل السياسي هو في نهاية المطاف هو المخرج الملائم من الأزمة لكل الغارقين فيها وللبلد والشعب الذي عانى الأمرين وما زال يعاني من جرائها، وعلى الرغم من ذلك تستمر الحرب ويستمر صب الزيت على نارها، ويستمر زعماء الفنادق من السوريين المحترفين لفن المعارضة المربح والمزاودة القبيح في رفض جنيف2 التي "لن يذهبوا إليها حتى لو قطعوا رقابهم" كما قال أحدهم؟! إلا إذا.. ويعرف المعارضون المسلحون وغير المسلحين جيداً معنى " إلا إذا.." ودلالاتها و..؟! فما هو مدلول ذلك كله وهدفه سوى أن تستوعب المصيدة المنصوبة/ أو الفخ المنصوب كما قلنا سابقاً/ كل من هدف ناصبوها إلى أن تستهدفهم ممن بقي خارج دائرتها المميتة.؟!

لقد رجَّح مجلس الأمن الدولي، بإجماع أعضائه وللمرة الأولى منذ بداية الأزمة السورية، رجَّح التوجه نحو جنيف2 دعماً للحل السياسي بالقرار رقم 2118 الذي اختص بتدمير السلاح الكيمياوي السوري ولكنه مهد للحل السياسي للأزمة في سورية، وذاك فيما قيل أمرٌ ملزم لكل الدول في العالم، لا سيما تلك المعنية بالأزمة السورية التي تدعم المسلحين وتستمر في ترجيح الخيار العسكري لحسم الصراع في سورية.. ولكن يبدو أن من يديرون دفة الحرب في الخنادق الخلفية والجبهات الخفية يتابعون عملهم وكأن القرار العتيد لم يصدر أو أنه لا يعنيهم، فتلك الأجهزة الخفية التي تدير الجبهات تعمل وفق أوامر الوجه بصرف النظر عن نوع القناع الذي يضعه الرؤساء والمسؤولون الكبار على وجوههم وعن لونه وتعابيره ودلالاته.. وقرارات مجلس الأمن الدولي كما نعرف "لناس وعلى ناس"، فقد تكون أحياناً ملزمة لبعض الأطراف وتُحشد من أجل تنفيذها الأساطيل، حتى لو لم تصدر استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وتكون في أحايين أخرى غير ملزمة لمعنيين حصررين بها وتقف خلف رفضها ورافضيها أساطيل وجيوش ودبلوماسية معلنة وخفية وإعلام كفيف مخيف، وخير أنموذجين صارخين نشير إليهما في هذا المجال هما: القرار 242 لعام 1973 الذي ما زالت إسرائيل ترفض تنفيذه، والقرار 2118 لعام 2013 الذي مازال القادة العسكريون الأميركيون يهددون بتوجيه ضربة عسكرية إلى سورية إن هي تلكأت في تنفيذه مع أن تنفيذه بدأ؟! فتأمل عدالة المجتمع الدولي يا رعاك الله، واقرأ في ضوء ذلك لماذا يستمر الاقتتال والتحريض على القتل واستمرار الصراع الدامي في سورية، ويستمر رفض الحل السياسي السلمي الذي يمكن أن يحقن الدم ويضع حداً لمعاناة ملايين السوريين. ولماذا ولماذا ولماذا..؟!

في شؤون قتال الكل ضد الكل على الأرض السورية تراودني أفكار أشبه ما تكون بالأحلام أو جرعات قتالة من الأوهام، وكم يقتلنا الوهم ونتعلق بالحلم، افكار وأحلام وأوهام أبني بعضها على ما أسمعه منذ بداية الأزمة من اتهام المسلحين والمعارضين بأنواعهم وأطيافهم للنظام بأنه متواطئ مع إسرائيل منذ قنيطرة 1967 وحتى يوم الناس هذا، وتأكيد النظام وتقديمه القرائن على أن المسلحين والمعارضين بأنواعهم، إلا من رحم ربك وهم قليل، ما هم سوى أدوات بيد إسرائيل وحلفائها، وأنهم متواطئون معها يتحركون وفق خططها لتدمير أهداف سورية تحددها لهم، وأنهم يعملون ضمن استراتيجية معادية لبلدهم أسفرت عن بلوغ أهداف لا يمكن أن تخدم سوى "إسرائيل" التي تنصرهم ولو من خلف ستار وتعالج جرحاهم في مشافيها.. إلخ.. وما أطرحه على الأطراف المتقاتلة في سورية وعليها، وهي كلها أطراف ترفع العداء لإسرائيل وتتذرع بوضع حد للتواطؤ معها، من خلال مضمون ما تتبادله من اتهامات معلنة ومدوية، ما أطرحه من أفكار أو أحلام أو أوهام تتلخص في ما يشبه امتحان على أرض الواقع لمعرفة المصداقية وكشف الخداع والتضليل، ومفاد ذلك: أنكم تقولون جميعاً بأنكم ضد الكيان الصهيوني واحتلاله وعدوانه والتحالف أو التواطؤ معه، وتتبادلون التهم في هذا المجال.. فتعالوا إلى موقف موحد ضد هذا العدو نحسم به الخلاف والاتهام ونجب ألوان الادعاء، ومن لا يأخذ بذلك يضع نفسه موضع الشبهة ويكون في تحالف وتواطؤ مكشوفين مع " إسرائيل"، وعندها يكون الكل ضده والشعب ضده وينكشف أمره بجلاء ما بعده جلاء وتبطل مصداقيته أمام الأمة كلها.. تعالوا نقيم قرى الثغور في الجولان المحتل في أماكن أخرى تقبل أن تقيم قرى ثغور بمواجهة العدو الصهيوني المحتل، ويكون في تلك القرى كل مقاتل شرس يدعي أنه " المسلم الحق" و"المجاهد الأصل" والعدو الأول لعدو الإسلام والرسل والقيم والأمة العربية وشعب فلسطين المشرد عن أرضه، أي ضد العدو الصهيوني الذي يحتل فلسطين ويهود القدس ويهدد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ولنجعل في تلك القرى الثغور أسلحة وأنفاق ومتاريس وحمايات من كل نوع للمقاتلين، ومنافع ومعايش لهم تساعدهم غليها الأمة ومن ينصر الدين، وتكون لهم أماكن أمنة لأسرهم يعيشون حياة اجتماعية كاملة وسليمة معها بدلاً من الاغتصاب والحرام وعار " جهاد النكاح" الذي لوث البعض وأساء لمسعة الإسلام وهو لا يمت للإسلام بصلة، وليكن الجيش العربي السوري في تلك الجبهة بكل قوته وبتنسيق وثيق وتكامل تام وثقة متبادلة مع الجميع، لتكون هناك جبهة للأمة ضد عدوها لا تتآمر ولا تخون ولا تتخاذل ولا تبيع ولا تشتري، وتعزز حق الأمة وقدراتها، وتقدم 10% من التضحيات التي قدمتها في الحرب المدانة ضد بعض أقطارها أو فئاتها مثلما هو الحال اليوم في سورية، تقدم 10% في مواجهات مع العدو الصهيوني وهي تضحيات كفيلة بهزيمة مشروعه ومضعفة له إلى أن يحين وقت تدميره وتحرير فلسطين، كل فلسطين العربية، أرض الوقف الإسلامي المعهودة، منه ومن براثنه ورجسه؟! ألا تعالوا جميعاً ومن دون استثناء إلى الجهاد الحق والجهاد بحق والبطولة بشرف والشجاعة بعدل ورجولة وشهامة، حيث تواجهون أعداء الأمة والدين والثقافة والهيوية والتاريخ، لا أن تتواجهوا بأمر أعدائها فيفني بعضكم بعضاً ليقوى العدو بفنائكم ويتمدد ويهيمن وينتصر!! تعالوا إلى كلمة سواء وموقف سواء وتكاتف من أجل نصرة الحق والعدل والدين.. وحين تمسحون عار الاحتلال وتتحررون من سيطرة أعداء الأمة ينكشف أمامكم العدو الداخلي انكشافاً ما بعده انكشاف، فيهزل ويضمحل وينهزم من دون قتال لأن الجبن والخيانة مقتلة لصاحبهما.

وأريد أن أذكر، والذكرى تنفع المؤمنين، بما كان من موقف رادع لقيصر الروم، والعرب المسلمون من شيعة وسنة على مشارف صفين يستعدون لحرب مدمرة قتل فيها بعضهم بعضاً، حيث وردت من هرقل الروم، في ذلك الخضم من العداء المعلن، رسالة لمعاوية يقول له فيها: [[علمنا بما وقع بينكم وبين علي بن أبي طالب، وإنا لنرى أنكم أحق منه بالخلافة لحنكتكم السياسية، فلو أمرتني أرسلت لك جيشاً أوله عندك وأخره عندي يأتون إليك برأس علي”...
فكتب له معاوية الرد التالي على الرقعة ذاتها في رواية من اثنتين: "أما بعد، فأنَا وعليٌّ أخوانِ، كُلٌّ منَّا يرى أن الحق له، ومهما يكن من أمرٍ فما أنت بأقربَ إليَّ من عليٍّ، فاكففْ يا هرقلُ عنَّا خُبْثَكَ وشَرَّكَ وإلا أتيتُ إليك بجيشٍ جَرَّارٍ، عليٌّ قائدُه، وأنا تحتَ إمْرَةِ عليٍّ حتى أُمَلِّكَهُ الأرضَ التي تحتَ قدميكَ!“ ويقال أن هرقل الروم أرسل نفس الرسالة لعلي بن أبي طالب فرد بمثل ما رد به معاوية من رفضٍ مطلق أن تطأ أقدام جيش الروم أرض الشام لدعمه. ]].

أعرف أنني أحلم أو أتوهم وأنها شهقات مقهور أو نفثات مصدور، وأدرك أن حرب صفين وقعت على الرغم من تلك الرسائل المواقف، ولكن الرسائل المواقف منعت العدو من التدخل في شؤون الأمة، وأعرف أن شأن الناس اليوم غير شأنهم بالأمس.. ولكن.. ماذا لنا من التاريخ سوى العبر واسعيد من اعتبر بغيره، وماذا لنا في خضم المآسي والاقتتال المشين والتبعية المقيتة سوى أن نستذكر الخير وندعو إلى مواقف فيها العقل والحكمة والشهامة واستنقاذ الأمة من التهلكة..

إن الجرح السوري بالغ مداه في العمق المميت، ويتغلغل حتى ليبلغن العظم وأكثر، وقد أصبح تهلكة، فإلى متى يبقى ينزف وننزف ويمضي به وبنا المغالون بعيداً في مسالك المهالك في حرب الكل ضد الكل.. بينما حياة الجميع مسؤولية الجميع بالتضامن والتكافل والتعاون والتفاهم.؟!

دمشق في 4/10/2013

 

                                  علي عقلة عرسان