خبر ابتسامة روحاني تهزم تهديدات نتنياهو بضرب ايران.. عبد الباري عطوان
الساعة 06:15 م|02 أكتوبر 2013
لم يخطر ببالي في اي يوم من الايام ان يقف بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة، ويخاطب قاعة شبه حالية، باستثناء بعض الوفود العربية التي اصيبت بخيبة امل كبرى من جراء التقارب الايراني الامريكي وباتت ترى في اسرائيل حليفا مستقبليا لمواجهة العدو الايراني المشترك.
في العام الماضي اعتلى نتنياهو المنبر نفسه، في قاعة مكتظة، انسحب منها بعض الوفود، ومن بينها الوفد الايراني، عارضا رسوماته الكارتونية عن المنشآت النووية الايرانية ومحددا الخط الاحمر الذي يجب ان لا تتجاوزه طهران، ومهددا بفتح ابواب جهنم الاسرائيلية والامريكية اذا فعلت ذلك.
نتنياهو لم يقنع الا القلة التي تريد ان تقتنع، وكان في اسوأ حالاته، ولكنه رغم كل ذلك لم يتخل عن غروره، واعرب عن استعداده لضرب طهران لوحده اذا لم تستجب لشروطه بالتخلي عن طموحاتها النووية كليا، وان توقف عمليات تخصيب اليورانيوم، وتسلم كل ما لديها من يورانيوم مخصب الى الامم المتحدة او وكالة الطاقة التابعة لها.
ايران لن تخضع لمثل هذه التهديدات، ووصفتها بانها سخيفة، ومعها كل الحق في ذلك، فاذا كانت، وبسبب ما تملكه من قوة قد ركعت (بتشديد الكاف) الولايات المتحدة الامريكية القوة الاعظم في التاريخ، واجبرت رئيسها على الحوار معها بعد ثلاثين عاما من القطيعة، فهل ستخاف من نتنياهو وامثاله؟
***
فليتفضل نتنياهو وينفذ تهديداته هذه، وليرسل طائراته لضرب ايران، وتدمير مفاعلاتها النووية، دون اي دعم من الولايات المتحدة التي تعيش حالة من الافلاس وخلافات حول الميزانية وسقف الديون مع الكونغرس حالت دون سفر رئيسها في جولته الآسيوية المقررة، وعليه اي نتنياهو ان يتحمل النتائج التي يمكن ان تترتب على هذا العدوان الاحمق.
اسرائيل خسرت جميع حروبها الاخيرة ضد العرب في السنوات الاربعين الماضية، خسرت حربها الاولى في لبنان وانسحبت مهزومة، ومن جانب واحد عام 2000 من جراء ضربات المقاومة، وخسرت حربها الثانية عام 2006 وللسبب نفسه، وخسرت حربيها في قطاع غزة الصغير المحاصر، ولم تحقق اي من اهدافها في جميع هذه الحروب، وابرزها القضاء على المقاومة، فهل يمكن ان تربح اي حرب على ايران الدولة الاقليمية العظمى التي تملك مئات الالآف من الصواريخ من كافة الاحجام والابعاد؟
انتهى الزمن الذي كانت تحسم فيه الغارات الجوية الاسرائيلية الحروب، وتجبر الدول على رفع راية الاستسلام مع القذيقة الاولى، مثلما انتهى زمن الغزوات الاستعمارية للدول مثلما حدث في ليبيا والعراق وافغانستان، فالحرب الحقيقة تبدأ بعد الاحتلال وليس اثناءه.
العالم، ومثلما رأينا اثناء متابعة جلسات الجميعة العامة الاخيرة ووقائعها، بات يصدق اكثر الرئيس الايراني حسن روحاني، ليس بسبب ابتسامة وهدوئه، وانما لانه يمثل دولة قوية، تتمسك بحقها الشرعي في الدفاع عن النفس في مواجهة اي عدوان، وتقيم علاقات وثيقة مع دول عظمى صاعدة مثل روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب افريقيا كسرت وتكسر الاحتكار الامريكي للقوتين العسكرية والاقتصادية.
***
عندما يصطف وزراء خارجية امريكا واوروبا في طابور طويل للقاء الرئيس روحاني، وعندما يرفض رئيسه لقاء يتمناه ويسعى اليه زعماء اكثر من مئتي دولة، مع الرئيس الامريكي باراك اوباما، بما فيهم زعماء عرب، فان هذه رسالة واضحة لنتنياهو ورهطة مفادها ان الزمن يتغير وبسرعة في غير صالحهم، وان الدور قادم عليهم درة تاج ترسانتهم العسكرية.
مؤسف ان يجد معظم العرب، انفسهم في دائرة القلق نفسها مع اسرائيل خوفا من القوة الايرانية الصاعدة، فقد كان على هؤلاء ان يبنوا قوتهم ويحصنوا اسوارهم ويوظفوا تريليوناتهم التوظيف الاسلم في هذا الاطار، ولكنهم لم يفعلوا ووضعوا كل بيضهم في سلة امريكا التي باعتهم بابخس الاثمان لايران وغيرها.
دمروا العراق باوامر امريكية لكي تتسلمه ايران لقمة سائغة، ويدمرون سورية ويفتتون وحدتها الجغرافية، ويطمسون هويتها العربية، وحولوا ويحولون ليبيا واليمن الى دولتين فاشلتين ويتقاتلون على كيفية تكرار السيناريو نفسه في مصر، حيث يدعمون الطرفين ضد بعضهما البعض، وبما يؤدي في نهاية المطاف الى حرب اهلية.
لم افاجأ شخصيا عندما اطلعت على الخريطة الجديدة للمنطقة التي نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز″ قبل يومين، وكيف قسمت السعودية الى اربع دول (نجد، الحجاز، الاحساء، عسير) وسورية الى ثلاث (سنية، علوية، كردية) وليبيا الى ثلاث (برقة، طرابلس، فزان) واليمن الى دولتين واحدة في الشمال واخرى في الجنوب، ولا ننسى العراق الذي تقسم الى ثلاث دول، واحدة للاكراد في الشمال وثانية للسنة في الوسط وثالثة للشيعة في الجنوب.
لم افاجأ لاننا كعرب لا نتعلم مطلقا من دروس التاريخ، ونقبل دائما ان نكون اداة في يد المستعمرين الغربيين ننفذ اوامرهم، ونعتمد على قوتهم، ونضع كل بيضنا في سلتهم، ولا نفكر مطلقا في بناء قوتنا الذاتية.