اخيرا، وبعد اعتقال الرئيس المنتخب محمد مرسي، والمرشد العام محمد بديع ومعظم قيادات الصف الاول والثاني، اكتملت عمليات الخنق والتكميم بصدور حكم قضائي يحظر نشاط حركة الاخوان المسلمين عن محكمة القاهرة للامور المستعجلة اليوم الاثنين.
الحكم القضائي نص على حظر كافة انشطة تنظيم الاخوان المسلمين والجماعة المنبثقة عنه وجمعيته واي مؤسسة متفرعة عنه، او تابعة للجماعة او تتلقى اموالا منها، والتحفظ على جميع على جميع اموال الجماعة السائلة والمنقولة والعقارية ومن المؤكد ان هذا الحظر سيشمل حزب الحرية والعدالة المرخص له وخاض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الاخيرة.
لا نعرف الارضية القانونية التي استند اليها هذا الحكم القضائي، وكل ما نعرفه ان الحركة تمارس نشطاها بشكل مشروع ووفقا لحكم قضائي رسمي آخر ايضا، فايهما تصدق الحكم الاول ام الحكم الاخير وبينهما ما يقرب من العامين فقط!
ثم كيف يكون النظام القضائي المصري عادلا مستقلا ونزيها في ظل هذا التناقض بين الحكمين تجاه هذا التنظيم وتفرعاته، وهو التناقض الذي يجعلنا نشكك في معظم، او كل، الاحكام الصادرة عنه في الماضي والحاضر والمستقبل ايضا، فهو يؤكد لنا مجددا انه قضاء مسيس، يتبنى قراراته وفق معايير العدالة والنزاهة المتبعة في معظم دول العالم.
لا نقول هذا دفاعا عن العدالة والحرية والمنطق، وقيم ثورة 25 يناير المصرية وادبياتها، ومبادئ التغيير الديمقراطي التي بشرت بها، واولها القضاء العادل المستقل الذي يجب ان يكون فوق كل السلطات الاخرى، فالعدل اساس الملك.
خطأنا الرئيس مرسي عندما حاول المس بالقضاء واستقلاليته، وتغيير قضاة المحكمة الدستورية ورفض الالتزام ببعض احكامها وفتاواها، ولكننا الآن، وبعد ان شاهدنا رئيسها يقبل ان يكون رئيسا طرطورا، وواجهة لحكم العسكر، ومن ثم صدور هذا الحكم الجائر المسيس، بتنا على قناعة بان القضاء المصري يحتاج الى اصلاح جذري، لرد الهيبة والاعتبار اليه، والحفاظ على ما تبقى من استقلالية.
حركة الاخوان المسلمين لن تختف من الوجود بصدور حكم كهذا، وكل ما سيحصل ستنقل من العمل فوق الارض في وضح النهار الى النزول تحتها، وهذا في تقديري الخطر الحقيقي الذي يمكن ان يهدد استقرار مصر وامنها، لانها حركة قوية متجذرة في العمق الشعبي المصري وتملك تاريخا يمتد لاكثر من ثمانين عاما.
في عام 1954، اي بعد عامين من ثورة تموز (يوليو) صدر قرار بحل حركة الاخوان واعتقال معظم قياداتها، ومع ذلك ظلت الحركة قوية، واتسعت دائرة شعبيتها في الاوساط المصرية، والفقيرة منها على وجه الخصوص، وعندما احتكمت ثورة 25 يناير الى صناديق الاقتراع اكتسحت وحلفاؤها جميع الاحزاب الاخرى وفازت باكثر من 76 بالمئة من مقاعد البرلمان.
حل الحركة بامر قضائي الموصى به من الفريق اول عبد الفتاح السيسي الحاكم الفعلي لمصر، قد يعزز الجناح المتشدد داخلها، الذي يرفض الاعتدال والتمسك بالاساليب السلمية في المعارضة ويحرض على استخدام القوة العسكرية مثلما يطلقون عليه، كما انه قد يؤدي الى تفريخ جماعات جهادية تلجأ للعنف والاحتكام للسلاح مثلما كان الحال عليه في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
الجماعات الجهادية وسط ارتياح اسرائيلي كبير، وربما ينجح في القضاء على هذه الجماعات بسبب التفوق الكبير في العدد والعدة، ولكنه قد يكون نجاحا مؤقتا، لان هذه الجماعات سرعان ما تعيد تجميع صفوفها والبدء من المربع الاول مرة اخرى.
مصر محاطة بدول وكيانات فاشلة عديدة، حيث توجد آلاف الاطنان من الاسلحة والذخائر، فهناك ليبيا، وهناك دارفور في السودان، ومالي وتشاد اللتان يقعان على مرمى حجر قاسما مشتركا مع مصر ولا ننسى قطاع غزة، وتهريب هذه الاسلحة لمن يريدها في العمق المصري يسير طالما ان المال موجود والمهربون كثر.
خصوم الاخوان المسلمين، والليبراليين واليساريين منهم على وجه الخصوص اتهموا عهدهم القصير في الحكم الذي لا يزيد عن عام واحد باقصاء الآخرين، والديكتاتورية، وحجب الرأي الآخر، وها هم يكررون الشيء نفسه، يحتمون بالعسكر من ناحية ويصفقون لاطاحة رئيس منتخب وحل الحركة الاسلامية التي ينتمي اليها من ناحية اخرى.
يصعب علينا ان نصدق ان انقلاب تموز (يوليو) الماضي الذي اطاح بالرئيس مرسي يريد اعادة الديمقراطية الى مصر مثلما قالت خريطة الطريق التي اصدرها، فالاقصاء والديمقراطية قطبان متنافران لا يلتقيان مطلقا تحت سقف واحد.
الامن المصري استطاع اقتحام ميدان رابعة العدوية وفض الاعتصام بالقوة في مجزرة دموية ادت الى سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى، ولكنه لم يستطع السيطرة على انواع اخرى من العصيان المدني مثل تعطيل مترو الانفاق او شل فاعلية شبكة الهواتف النقالة وعرقلة السير التي لجأ اليها انصار التيار الاسلامي احتجاجا.
الحوار، ونبذ الاقصاء السياسي باشكاله كافة، والتمسك بمبدأ التعايش مع الآخر هو الطريق الامثل لاستقرا ر مصر وامنها واعادة عجلة التنمية الاقتصادية فيها الى الدوران مجددا، اما عكس ذلك فمهناه المزيد من الاضطراب وتعطل عجلة الانتاج في القطاعات كافة وتفاقم البطالة والازمة الاقتصادية.
مصر تحتاج الى حكماء يحتكمون الى العقل، ويتعلمون من دروس دول اخرى لجأت الى سياسات الاقصاء هذه ودفعت ثمنا باهظا على شكل اضطرابات وحروب اهلية دامية، ومن المؤلم ان هؤلاء قلة خاصة في وسط اهل الحكم.