استطاع طائر (الفِرّ) أن يقطع مئات الأميال في هجرة تستمر لأيام عدة، ويَكسر شباك غزة المحاصرة، ليحط بعد عناء السفر في سلة "الصياد الغزي الفقير".
وهبَ ذلك الطائر جسده المتواضع لأهالي غزة ليُشَكِلَ لهم رزقاً طيباً، واكلةً دسمة، وهو ما لم يستطع بعض العرب الذي انفجروا جراء السمنة أن يقوموا فيه، أو أن يعلنوا موقفاً واضحاً وصريحاً من حصارها.
ويعتبر صيد (الفِرّ) –يعرف ايضاً بطائر السمان والسلوى- مصدر دخل متواضع لبعض العائلات في قطاع غزة، لكن ذلك الرزق مرتبط بموسم هجرة الطائر، وهي فترة النصف الثاني من شهر سبتمبر/أيلول من كل عام.
وبحسب الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" فإن (الفِرّ) طائر صغير من عائلة "فازيانيدي" وهو الوحيد من رتبة طيور الدجاجيات, وله المقدرة على الطيران والهجرة ويقضى فصل الصيف في أوروبا ويهاجر إلى أفريقيا في فصل الشتاء ثم يعود مرة أخرى إلى موطنه.
أبو محمد شملخ (52 عاماً) منذ بدأ موسم صيد الفر أخبر زوجته بضرورة إيقاظه يومياً في تمام الساعة الرابعة فجراً ليبدأ تجهيز أدوات الصيد البسيطة وهي (زوادة طعام – سلة – خيوط – إبرة خاصة).
يعتمر(أبو محمد) طقيته ويصطحب طفله ابن (14 ربيعاً) ليبدأ نهاره بتفقد شباك صيده المنصوبة طولياً على امتداد 30 متراً على شاطئ بحر غزة، ويصلح بـ"إبرته" ما أصابه من ضرر.
يبدو الصياد الخمسيني سعيداً بأداء مهنته الموسمية، ذلك بان من خلال الأهازيج التراثية التي كان يرددها والتي استطاعت ذاكرة مراسل "فلسطين اليوم" التقاط بعضاً منها؛ حيث كان ينشد.. (على دلعونا وعلى دلعونا....لأرحل واجاور سود العيونا، عشط البحر لانصب شباكي...واتصايد فر انا وياكي، وان طحتي في البحر لطيح وراكي..).
ويقول (أبو محمد) وهو يراقب شباكه عن بعد "صيد الفر اعتبره هواية ومهنة ممتعة للغاية، أمارس الصيد منذ 15 عاماً، ويامن الموسم لي فرصة بسيطة لجني المال، لكنها لا تسعف جوع عائلتي الفقيرة".
جل ما يتمناه صيادو (الفر) في غزة أن تمتلئ شباكهم في هذا الموسم، لتمكينهم من العودة إلى بيوتهم بصيد ورزق ثمين، علهم يتمكنون من سد جوع ومتطلبات عائلاتهم لفترة تكاد تكون محدودة.
في تمام الساعة الثامنة مساءاً يجمع الصياد ما قسم الله له من (الفر)، وينطلق صوب الأسواق الشعبية ومحلات بيع الدواجن ليعرض بضاعته، وغالباً ما يبيعها "بسرعة البرق"؛ نظراً لإقبال الغزيين على شرائها لطيب طعمها.
ويجمع أبو محمد في كل يوم من أيام الموسم –20 يوماً- ما يعادل (15 دولاراً)، الأمر الذي يشعره بسعادة بالغة نظرة لضائقة التي يعيشها وعائلته.
ويطالب أبو محمد الذي توقف عن مهنته الأم (البناء) الشعوب والحكومات العربية بضرورة كسر فعلي للحصار الإسرائيلي الجائر، "وعدم مشاركتهم في حصاره".
واختتم أبو محمد حديثه، قائلاً :"من الغريب أن يستطيع طائر ضعيف خرق الحصار الإسرائيلي ودخول قطاع غزة، ودول وحكومات وشعوب تمتلك المال والسياسية والإعلام والسلاح والعلاقات لا تستطيع حتى إدانة قتل أطفالنا الذين قضوا نتيجة نقص الحليب".