كتب : حلمي موسى
يبدو أن الاتفاق الأميركي - الروسي على تجريد سوريا من سلاحها الكيميائي دخل مرحلة التبخر في أعقاب عدد من التصريحات الروسية والسورية التي تعبر، في رأي الإسرائيليين، عن استشعار الطرفين بتراجع قوة أميركا العالمية. وهكذا بعد تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد عن تكلفة مهمة نزع السلاح الكيميائي السوري والفترة التي تحتاج اليها للتنفيذ، جاءت تلميحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الربط بين نزع السلاح السوري والترسانة النووية الإسرائيلية.
وكان الرئيس الروسي قد ألمح في الماضي القريب إلى أن السلاح الكيميائي السوري لم يوجد إلا بسبب وجود أسلحة دمار شامل إسرائيلية نووية وكيميائية، وبقصد امتلاك ردع متبادل. لكنه في مؤتمر «فلداي» السنوي، الذي انعقد قبل يومين في شمال موسكو بمشاركة خبراء من روسيا ومن العالم، أشار إلى المصاعب المنتظرة في مهمة تجريد سوريا من سلاحها الكيميائي، وتحدث عن إحداث مساواة بين السلاح غير التقليدي، الذي تمتلكه إسرائيل وبين السلاح الكيميائي في سوريا والبرنامج النووي الايراني.
وبديهي أنه بوسع مثل هذا الربط أن يشعل المصابيح الحمراء ليس فقط في إسرائيل، وإنما في العالم الغربي بأسره. فقد بنت أميركا والغرب مواقفها بشأن أسلحة الدمار الشامل على التمييز بين «الدول الديموقراطية» والدول غير الديموقراطية». ولذلك صوبت حملاتها تجاه الدول غير المنضوية في النطاق الغربي مثل كوريا الشمالية وسوريا وإيران، وأغفلت دولاً مثل إسرائيل. وهذا ما يبدو أن روسيا تحتج عليه.
وقال بوتين أمام مؤتمر «فلداي» ان «سوريا تزودت بالسلاح الكيميائي كرد على السلاح النووي الاسرائيلي... إسرائيل سبقت بوقت طويل دولا اخرى في المجال النووي، وسلاحها النووي يثقل عليها». وكرر الرئيس الروسي ثلاث مرات الإشارة إلى قصة الخبير النووي الإسرائيلي مردخاي فعنونو، الذي اختطف واعتقل بتهمة كشف أسرار مفاعل ديمونا من دون أن يذكر اسمه. وقال ملمحاً لفعنونو إن «في اسرائيل يوجد أيضاً من يعارض النووي. برغم أنه ليس معادياً لإسرائيل وظل على موقفه حتى بعد سجنه لسنوات طويلة».
وقال بوتين للصحافيين، وفق صحيفة «يديعوت» ان «السلاح الكيميائي السوري هو بديل ورد على السلاح النووي الإسرائيلي»، مشدداً على أن لا حاجة لإسرائيل أبداً للسلاح النووي.
واعتبرت «هآرتس» أن الرئيس الروسي ضم إلى لعبة البوكر، التي يلعبها مع الإدارة الأميركية، السلاح النووي الإسرائيلي. وذكرت أن بوتين تحدث أمام مؤتمر «فلداي» السنوي عن أن «التفوق التكنولوجي الإسرائيلي لا يفرض عليها امتلاك سلاح نووي. فالسلاح النووي يجعل منها هدفا».
من جهتها، أشارت «معاريف» إلى أنه بعد الخطاب اكد بوتين في حديث جانبي مع أحد مشاركي المؤتمر أن حديثه لم يكن مصادفة، وأوضح أنه ينتظر من إسرائيل أن تنزع سلاحها النووي. وعندما سئل لماذا لا تنزع روسيا أيضاً سلاحها النووي، أجاب بأن «روسيا هي عضو في النادي، اما إسرائيل فليست عضواً فيه». وأوضحت «معاريف» أن كلام بوتين يعني أن الاتفاق الروسي - الأميركي محكوم بالفشل بعدما شرع الروس في محاولة إدخال تعديلات عليه والحديث عن تدمير قسم من السلاح الكيميائي السوري وليس كله.
وتنظر إسرائيل بخطورة إلى تصريحات بوتين الأخيرة هذه وترى فيها ظاهرة جديدة. وقال السفير الاسرائيلي السابق في موسكو إيلي مغين، الذي يعمل اليوم باحثاً في معهد بحوث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إنه «حتى الآن تحدث الروس بلطف وايجابية عن اسرائيل. وهذا تحول في سياستهم. هذه ليست زلة لسان بل رسالة واضحة نقلت على مدى ثلاثة أيام من محافل حاكمة مختلفة في مؤتمر فلداي».
وأضاف مغين، الذي يشارك في المؤتمر، أنه يبدو أن الروس قرروا جر الموضوع الاسرائيلي الى مسألة التسوية السورية من جهة والايرانية من جهة اخرى، كرافعة ضغط ضد الأميركيين. وفي كل ما يتعلق بايران، فإن التفسير المحتمل لذلك كفيل بأن يكون مرتبطاً بالتطورات الايجابية الجديدة في علاقاتها مع الغرب. وأشار إلى أن «الروس يخشون من أن الايرانيين، المتعلقين بهم اليوم، يعتزمون عقد صفقات مع الأميركيين. وهم يحاولون الآن التلميح أن بوسعهم الحرص على مصالحهم بالشكل الذي لا يمكن للأميركيين أن يفعلوه». وشدد على أنه «اذا لم يكن الحديث يدور عن فصل عابر، فهذه صفحة جديدة وغير ايجابية في العلاقات مع روسيا».
لكن عضو الأكاديمية الروسية للعلوم فيتالي ناومكين يقول إن بوتين لم يسع إلى خلق ارتباط بين السلاح الكيميائي السوري والسلاح النووي الإسرائيلي. وفي نظره «قال بوتين إنه يفضل تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. وهذه فكرة تدعمها روسيا منذ سنوات طويلة، وهي السبيل الأنجع في نظر روسيا لضمان السلم والاستقرار في الشرق الأوسط». وشدد ناومكين على أن بوتين لم يشترط نزع سلاح سوريا الكيميائي بنزع سلاح إسرائيل النووي، «فالسلاح الكيميائي السوري، سينزع من دون أي شروط».