(المضمون: بحث اسرائيلي جديد يصدر عن مركز يعمل في اطار مركز التراث الاستخباري يكشف عن حقائق تتعلق بالمجاهدين الذين يقاتلون الجيش السوري النظامي في سوريا من أتباع جبهة النصرة في الأساس ويُظهر خطرهم على سوريا وعلى العالم برمته وكيفية الاستعداد لمواجهتهم في المستقبل - المصدر).
في الشتاء الأخير قاد جنود منظمة جبهة النُصرة وهي الكبرى بين المنظمات الجهادية التابعة للقاعدة في سوريا، هجوما خُطط له بصورة مدهشة وقوية وعنيدة، في محافظة الرقة في شمال الدولة. ونجحوا في أن يُبعدوا من هناك الموالين لنظام بشار الاسد العلوي الذين كانوا أفضل منهم من جهة القوة البشرية والتسليح، وأن يسيطروا على منطقة تعتبر حساسة بصورة مميزة لأنه يقع فيها أكبر سد على نهر الفرات.
وبعد ذلك ببضعة أشهر مكّن المقاتلون عددا من مراسلي وكالة أنباء "رويترز" من الدخول الى المنطقة ورفع تقارير عما اعتقدوا أنه يحسن أن يعلمه العالم وهو أنه برغم أن الهجوم تم بتعاون مع رجال الجيش السوري الحر، فان رجال القاعدة هم الذين يسيطرون على المنطقة. وهم الذين يُشغلون السد ويمدون السكان بالكهرباء والماء. وهم الذين يحرسون مستودعات الغلال ويضمنون إمداد المخابز بصورة دائمة. وهم الذين أعادوا الى العمل ايضا اجهزة الشرطة وتطبيق القانون التي انهارت، وجددوا عمل المحاكم، وأعادوا الجامعة المحلية الى الحياة. لقد "انشأوا" كما يقول الدكتور رؤوبين إيرليخ "دولة في داخل دولة".
إن الكشف عن أن رجال القاعدة أسسوا في سوريا دولة خاصة بهم لم يفاجيء في الحقيقة مجموعة الباحثين في مركز المعلومات للاستخبارات والارهاب المسمى باسم اللواء مئير عميت، فهذه هي طريقة عمل هذه المنظمة في العالم. لكن الذي أدهشهم سرعة حدوث ذلك تحت نظام تركيزي وعنيف دون تسامح ألبتة مع التمرد. "إن الايقاع والسعة كانا المفاجأة الكبرى"، يقول الدكتور إيرليخ محددا كلامه وهو الذي يرأس المركز الذي يعمل في اطار المركز للتراث الاستخباري. "إن القصد هو الى ايقاع ازدياد قوتهم ومقدار الحصول على السلاح والمعدات، وايقاع وسعة الاستيلاء على بنى تحتية استراتيجية. فقد نجحوا في غضون سنة ونيف في أن يفعلوا في سوريا ما احتاجوا الى عشر سنوات لفعله في افغانستان".
خصص اربعة باحثين من المركز عشرة أشهر – اذا لم نحسب فترة جمع المعلومات التي تمت قبل ذلك بأشهر في اطار العمل الجاري – لمتابعة نشاط القاعدة في سوريا. وأفضى العمل النشيط الى اصدار وثيقة تُنشر الاشياء الأساسية فيها هنا لأول مرة وهي تشمل 150 صفحة تعتمد على مصادر مكشوفة واخرى أقل انكشافا. وهي تشتمل على عشرات الصور، وعلى سلسلة طويلة من المعطيات، و"على القليل جدا من التقديرات، إن وجدت أصلا"، كما يؤكد الدكتور إيرليخ الذي نظم المواد. وتُنشر الوثيقة اليوم ايضا في موقع مركز المعلومات للاستخبارات والارهاب، الذي يعمل بثماني لغات مع متوسط 200 ألف تصفح كل شهر.
إتخذ الباحثون قرار كتابة الوثيقة حينما تبين لهم أن القاعدة تزداد زخما في فرعها السوري. "تبين لنا أن ما ظهر هنا وهناك في وسائل الاعلام لا يُقدم الصورة الكاملة الى هذه اللحظة عن انتشار المنظمة في الدولة"، يُبين إيرليخ. "لم يتم الكلام بقدر كاف عن ظروف انشائها وعن بنيتها وتراتُبيتها وعن خصائص عملها وعن الايديولوجية التي توجه نشاطها وتجعلها واحدة من أخطر المنظمات الارهابية في العالم إن لم تكن هي الأخطر. وكلما تقدمنا في العمل، أدركنا مبلغ قلة ما نعرفه في الحقيقة عن القاعدة.
"خرجت هذه المنظمة من صحارى افغانستان البعيدة ونجحت في السيطرة على اراض واسعة في مركز الشرق الاوسط، على حدود اسرائيل من جهة، وعلى حدود الاردن وتركيا من جهة اخرى، مع منفذ سهل الى الغرب. ويثير وجودها هنا سلسلة اسئلة حرجة أصبحت كلها عناوين رئيسة في البحث الذي كتبناه. فلم تعد هذه مجموعة متطرفين مع أحزمة ناسفة يبحثون عن برج ليفجروا أنفسهم فيه، بل هي منظمة تسيطر على مفترقات مركزية، وعلى آبار نفط وعلى مناطق مأهولة. وهي منظمة ترعى ايديولوجية قاسية قاتلة لا تسامح فيها، تُعرض سلام العالم للخطر. وليس الحديث فقط عن سلام اسرائيل أو سلام الامريكيين بل عن سلام العالم كله. وكل هذا قبل أن نقول كلمة واحدة عن امكانية أن يستقر رأي شخص ما على تفجير هذا السد الذي احتلوه على نهر الفرات".
وباء مع جراثيم عنيفة
جاء أوائل مجاهدي القاعدة الى سوريا في مطلع الألفية الثالثة في ذروة الحرب في العراق. وقد كانت دولة الاسد شبه محطة مرور، وقاعدة إرسال لمتطوعين صبوا فيها من العالم الاسلامي خاصة ومن العالم الغربي ايضا. وجُند النشطاء ليقاتلوا جنودا امريكيين وليقاتلوا بعد ذلك الفصائل الشيعية والكردية في العراق. "لكن الحرب الأهلية في سوريا غيّرت اتجاه الحركة"، يقول د. إيرليخ. "كانت العراق في هذه المرة هي التي صدرت أول نشطاء الجهاد. وقد اختصوا بحرب العصابات واستغلوا الهرج والمرج الذي نشأ هناك للتسلل الى الداخل".
إن ما بدأ مثل تيار معتدل من المتطوعين تحول الى طوفان بعد ذلك. "كلما عمّقنا متابعتهم، ولا سيما عن طريق مواقع انترنت المتطرفين الاسلاميين، ظهرت لنا ظاهرة تتجاوز كل ما كان معلوما لنا"، يقول إيرليخ. "نشروا في هذه المواقع قوائم طويلة جدا لشهداء ماتوا في المعارك. ووجدنا وصية لمتطوع نفذ عملية انتحارية هي في الحقيقة العلامة التي تميز القاعدة، في معسكر للجيش السوري في منطقة القصير. وقد طلب الى رفاقه ألا يتخلوا عن جهادهم الى أن يُطبق شرع الله في الارض. ودعا نشيط من غزة قُتل اسمه محمد احمد قنيطة، دعا هو ايضا الى الاستمرار في القتال. وخلّف نشطاء اردنيون قصائد مدح وثناء على حركة طالبان وابن لادن. وصور نشيط آخر من القاعدة نفسه بفيديو وقال إنه بعد أن ينتهي الجهاد في سوريا سيتجهون الى فلسطين، وظهرت في موقع المنظمة على الانترنت صورة قبة الصخرة في القدس ترتفع فوقها راية جبهة النُصرة".
الحديث كما يقول الدكتور إيرليخ عن آلاف المتطوعين الذين أصبح معدل وصولهم الى سوريا اذا اعتمدنا على كلام نائب رئيس وكالة الاستخبارات المركزية التارك عمله، مايكل موريل، أعلى مما كان في ذروة القتال في العراق. ويُجند عدد منهم في مواقع على الانترنت انشأها المقاتلون بواسطة زر "أنشيء اتصالا". "منذ نشبت المعارك، أدت منظمة حقوق الانسان في الدولة تقريرا عن 2219 قتيلا اجنبيا بين المتمردين"، يقول إيرليخ. "ونقلت سوريا نفسها الى الامم المتحدة قائمة أسماء 142 منهم وهي تشمل اشخاصا جاءوا من افغانستان واذربيجان وتشاد وليبيا والعراق والكويت ولبنان وباكستان والسعودية والشيشان وفلسطين".
وتعطي صور في اليو تيوب والشبكات الاجتماعية هؤلاء القتلى وجوها. يظهر هناك مثلا حسن محمد يونس من ليبيا وهو خريج معهد طب قُتل في صفوف جبهة النُصرة. وكان قد جُرح في الماضي في الثورة في بلده تحت حكم القذافي وعولج في الاردن وعاد الى بيته سليما تاما كي يتابع من هناك الى سوريا ويموت فيها. ويمكن أن نرى في أفلام قصيرة اخرى عبد القادر من ليبيا الذي انتحر مُرسلا من المنظمة في أيلول الماضي، ومحمد أمين من تونس الذي قُتل في كانون الثاني الاخير، وواحدا من المندوبين الفلسطينيين ايضا هو منتصر الزيتوني من رام الله الذي مات قبل سنة بالضبط. وقد كان نشيطا في حماس وقضى 18 شهرا في السجن الاسرائيلي وسُرح فانتقل الى الاردن وانضم الى القاعدة في بداية المعارك في سوريا.
ويظهر مُجندو القاعدة الذين جاؤوا الى سوريا من الغرب في صور في الانترنت. ويمكن بتصفح قصير أن نتوصل الى سام من ايرلندة، وابراهيم المزوجي من بريطانيا، ونيومان ديمولي من كوسوفو الذي كان يرأس وحدة صاعقة تابعة للقاعدة وقُتل في آب قبل سنة. وتظهر الى جانبهم صور عبد المالك من الدانمارك الذي قُتل في نيسان الاخير، وأبو كمال من السويد، ورفائيل غاندرون من فرنسا، واريك هارون من الولايات المتحدة الذي عاد الى وطنه واعتُقل هناك، ومحارب مجهول ايضا من ألبانيا ترك وراءه بحسب الصورة ولدين صغيرين متعلقين بعنقه ويبتسمان ابتسامة عريضة.
وبلغت روح التطوع الى اسرائيل: ففي كراسة مركز التراث الاستخباري التي تعتمد على نشرات في موقع "الشباك"، ذُكرت حالتان لشابين من سكان الطيبة أصبحا بحسب الشبهة نشيطين جهاديين في الجارة الشمالية. وفي آذار من هذه السنة على أثر معلومة جاءت من "الشباك"، اعتقلت الشرطة حكمت عثمان حسين، في التاسعة والعشرين من عمره، الذي خرج الى سوريا للانضمام الى قوات المتمردين. وجرت عليه سلسلة تدريبات عسكرية وطُلب اليه أن ينفذ عملية انتحارية فرفض كما يقول. وزعم بعد عودته أنه لم يوافق على تنفيذ عملية كهذه في اسرائيل. وفي تموز من هذه السنة اعتقل عبد القادر عفيف، في السادسة والعشرين من عمره، المشتبه فيه أنه خرج لدراسة الصيدلة في الاردن وانضم الى المنظمات السلفية الجهادية وجُند لجبهة النصرة.
يقول تقدير نشرته شركة "جينس" هذا الاسبوع إن نصف المتمردين في سوريا الذين يبلغ عددهم العام نحوا من 100 ألف، هم متطوعون جهاديون. ويقول إيرليخ: "يبدو لي هذا مبالغا فيه شيئا ما. إن القاعدة خبيرة عالمية بتشويه المعلومات التي تأتي دائما مع دعاية نفسية. ومن مصلحتها أن تزيد في الأعداد فهي لا تعطي معطيات دقيقة. والسوريون من جهتهم يتابعون هذا الخط ويزعمون أن عشرات آلاف المتمردين ينتمون الى منظمات جهادية ترعاها القاعدة لأنهم في دمشق يعرفون الخوف العالمي من المتطرفين الاسلاميين. والشيء الواضح هو أن الحديث عن أهم منظمة بين المتمردين لها أكبر تأثير في سير المعارك.
"قبل سنوات كثيرة جدا، حينما كنت ضابط بحث في "أمان" "، يقول العقيد (احتياط) إيرليخ، "التقيت في لبنان شخصا درزيا رفيع المستوى جدا. وقال لي إنهم يريدون أن يؤدوا دورا مركزيا في الحكومة التي ستنشأ هناك. قلت له: أنتم 3 أو 4 في المائة من السكان. فكيف تريد أن تكون عاملا مركزيا في السلطة؟. فأجابني: لأنك تحسب بحسب الرؤوس. لكن يجب الحساب في لبنان بحسب الخصى، والمعذرة عن هذا التعبير". وينطبق هذا على القاعدة ايضا فليس الحديث عن عدد الرؤوس بل عن الايديولوجية والايمان الذي لا هوادة فيه الذي يأتي مع استعداد للتضحية لا حد له".
ويُعرف الدكتور إيرليخ هذا التشدد بأنه وباء. "وهذه مسألة حاسمة لأن عملاءها سينشرون ذلك في أنحاء العالم. إن كل واحد من هؤلاء تجري عليه سلسلة التدريبات والاعداد القلبي في سوريا، اذا لم يُقتل هناك وعاد الى بيته، يكون خطرا كبيرا على دولته الأم: مصر أو بريطانيا، وليبيا أو جمهورية الشيشان واسرائيل أو كندا. وكل عميل اذا أردنا أن نصوغ العبارة بصورة فظة، يحمل جراثيم عنيفة بصورة مميزة".
يجب على البيت الابيض أن يكون قلقا جدا من سيطرة القاعدة على سوريا. لكن ما الذي يُخيف موسكو؟
"يوجد عند الامريكيين ولا سيما بعد كارثة التوائم سبب جيد يدعو الى أن يكونوا قلقين. فسيطرة المجاهدين على سوريا تعني أن الولايات المتحدة خسرت كل قدرة على التأثير تملكها، والقدرة على استعمال التوازنات والكوابح هناك. ويفهم الروس ايضا ذلك ويخشى هؤلاء واولئك تصدير هذه الأجندة الى بلديهما أو الى بلدان مجاورة. وإن احتمال سيطرة المجاهدين على جمهورية الشيشان يقلق موسكو جدا. هذه مسيرة أفغنة: فهناك نشطاء يكتسبون مهارات قتالية في مكان في العالم ويطبقونها في مكان آخر. وهؤلاء الاشخاص يحملون جراثيم وباء ذي مرحلتين: المرحلة الخفية التي يأكل فيها الجسم من الداخل دون أن يعلم المريض أن هذا ما يحدث، والمرحلة الظاهرة التي يخرج فيها الى الخارج لكنه يكون قد اصبح في كامل قوته".
رايات نصر فوق القدس
كان يعيش في سوريا 22 مليون ساكن قُبيل الحرب الأهلية. 87 في المائة منهم مسلمون، و10 في المائة مسيحيون و3 في المائة من الدروز. وإن 74 في المائة من عامة المسلمين سنيون و11 في المائة علويون و2 في المائة فقط شيعة. ويُدافع مقاتلو حزب الله عن هذين الاثنين في المائة برعاية ايران ودعمها الكثيف. يدافعون عنهم وعن قبر الست زينب.
إن الست زينب هي إبنة الامام علي بن أبي طالب، مؤسس الشيعة، وهي حفيدة النبي محمد. وقبرها هو الأقدس عند الشيعة في سوريا وهو مركز حج من العالم كله يزوره نحو من 4 ملايين انسان كل سنة. وتدور في الاشهر الاخيرة حول هذا الموقع معارك قوية، فنشطاء جبهة النصرة يحاولون مرة بعد اخرى هدمه. وقد قصفوه وأرسلوا اليه سيارات مفخخة ودراجة هوائية مفخخة بعد ذلك ايضا، وكل ذلك دون نجاح بازاء قوات حزب الله. "إنه مكان مقدس جدا للشيعة"، يقول الدكتور إيرليخ، "ويتطرق حسن نصر الله في كل مرة يحتاج فيها الى أن يُفسر لماذا يؤيد حزب الله النظام السوري، الى مسألة القبر. وهو يُبين أن ما تفعله منظمته هناك ليس دعما للحاكم بشار الاسد بل حماية لقبر الست زينب. ويؤكد نصر الله هذه المسألة بازاء حقيقة أن جبهة النصرة مع الجيش السوري الحر قد هدما قبر امرأة مقدسة شيعية اخرى، وهذا هو التعليل الذي يأتي به ايضا حينما يتناول عدد قتلى حزب الله الذين بلغوا نحوا من 200 شخص حتى الآن، وهذا معطى مرتفع جدا بالنسبة لمنظمة في حجم حزب الله".
يشير اسم "جبهة النصرة"، واسمها الكامل "جبهة النصرة لأهل الشام" الى طموح المنظمة بقدر غير قليل. والقصد على نحو عام كما يُبين إيرليخ الى الاردن ولبنان واسرائيل والضفة الغربية ايضا. قبل ثلاثة أشهر قال زعيم القاعدة أيمن الظواهري إن المنظمة الشابة – وعمرها سنة ونصف في الحاصل العام – هي مُرسلته الرسمية في سوريا. وتعمل جبهة النصرة الآن بحسب اسلوب القاعدة تماما، فالتراتب فيها ديني وعملياتي ايضا، ويرأسها أمير يخضع لسلطته هيئة استشارية تسمى مجلس الشورى، وتعمل تحتهما أذرع مختصة لجمع الاموال وشراء الوسائل القتالية والدعاية الدينية بل للاعلام والعلاقات الخارجية.
حينما انتهى إيرليخ ورفاقه من كتابة البحث أتموا رسم خريطة للأخطار التي تترصد العالم من قبل المنظمة في سوريا. "كان أكبر خطر حددناه هو سيطرة القاعدة على الدولة ومخزونات السلاح الكيميائي فيها، وليس هذا خطرا محتملا بل هو خطر يمكن أن نراه بالعين. وليس صدفة أن جند الجميع أنفسهم ليدفعوا قدما بالاقتراح الروسي للقضاء على السلاح الكيميائي مقابل الغاء الهجوم الامريكي. نحن نعتقد أن الحديث عن تسوية مطلوبة، وحقيقة أنها قُبلت هي خبر جيد لاسرائيل والولايات المتحدة والغرب كله ولسوريا ايضا.
"نحن لا نرى اليوم في الحقيقة أن المتمردين سيسيطرون على سوريا في الغد، لكننا لا نراهم يغادرون ايضا. فهم موجودون هناك للبقاء وللاستمرار في كسب التأثير. وسيبقون هناك لتشجيع الفوضى التي هي برنامج العمل المثالي لتطورهم والحفاظ على سوريا مركز فوضى نازفا في الشرق الاوسط ليس حيا ولا ميتا. في لقاء صحفي أجراه نائب رئيس وكالة الاستخبارات المركزية موريل لصحيفة "وول ستريت جورنال"، عرّف ما يحدث في سوريا بأنه أكبر تهديد تواجهه الولايات المتحدة اليوم. وقال هناك إن سوريا قد تصبح مأوى آمنا لرجال الجهاد العالمي يحل محل المأوى الباكستاني. وتحدث بصراحة عن تهديد أعلى".
ربما يتبين من كلامك أن بقاء الاسد في الحكم أفضل.
"الجواب مركب، فهذا اختيار بين الطاعون والكوليرا. وهذا نظام يعمل قاعدة لايران وحزب الله وهو جزء من محور الشر يُدبر سياسة استبداد في سوريا. وهذا الوضع يميز الشرق الاوسط جدا ولا يُمكّن من الاختيار بين أخيار وأشرار بل بين أشرار وأكثر شرا منهم".
أهذا يجعل سؤال لماذا لا يساعد الامريكيون الاسد، لا داعي له؟
"لا. فهو سؤال ذو صلة تماما، لكن الجواب في هذه الحالة ايضا مركب، ولهذا فان ما يفعله الامريكيون هو علاج نقطي مع إبطال الأخطار مثل القضاء على السلاح الكيميائي، لكن هذا لا يوجه ضربة قاتلة الى النظام ولا يقضي على قدرات المتمردين".
وكان الخطر الثاني الذي حدده الباحثون أكثر محلية وهو انشاء جبهة جهاد تابعة للقاعدة على الحدود الشمالية. "إن القاعدة منظمة أهدافها العليا تشتمل ايضا على القضاء على دولة اسرائيل"، يُبين إيرليج. "وقد تحدث الظواهري في ذلك بصراحة. فقد أعلن في شباط 2012 أنه بعد اسقاط نظام الاسد فورا ستصبح سوريا قاعدة انطلاق لمقاتلي الجهاد الذين سيكون هدفهم انشاء دولة تحمي اراضي المسلمين، وتحرير الجولان والاستمرار في الجهاد الى أن تُرفع رايات النصر فوق القدس المحتلة. وماذا يعني ذلك في الصعيد العملي؟ إنه يعني أن تُثبت هذه المنظمات أقدامها على حدود اسرائيل، والخروج في عمليات ارهابية بتنسيق ما مع جهات من القاعدة موازية لها في سيناء وغزة ولبنان بل في داخل اسرائيل.
"من المقلق بصورة خاصة في هذا السياق حقيقة أنه حتى لو بقي الاسد في كرسيه، وحتى لو انتصر الجيش السوري الحر وأسقط النظام الحالي، فاننا نقول في بحثنا إنه لن يستطيع أحد منهما أن يقضي على هذه المنظمات. إن جبهة النصرة هي منظمة تبرز بقدراتها العسكرية وتتميز بجهاز قيادة وسيطرة والتزام عقائدي عميق جدا ومصمم عند النشطاء".
ما الذي يجب أن تفعله اسرائيل على الحدود الشمالية؟
"باعتبار أن كل خدمتي العسكرية كانت في "أمان" قسم البحث، واختصت بالشأن اللبناني، فان رأيي هو أنه يجب على اسرائيل أن تستمر في قلة البروز كما فعلت الى الآن. ويجب أن توجد حلول لمشكلات محددة لن أفصلها".
وماذا يجب أن يفعل العالم بازاء هذا الخطر؟
"يجب أولا أن يتابع النشطاء: بجمع المعطيات وتحليل النتائج. ويُحتاج في المرحلة التالية لأجل العمل الى تعاون دولي. ليست العلاقات بين الدول مسألة مزاج أو طيبة قلب بل تقوم العلاقات بين الدول على المصالح. والحديث في هذه الحال عن مصالح متطابقة في أكثر العالم الغربي وفي جزء كبير ايضا من الدول العربية وبخاصة تلك التي يُنظر اليها أنها موالية للغرب. إن التعاون الحقيقي والدائم والمستمر فقط سيُمكّن من القضاء على هذه المنظمات ومن تجفيف مصادر نموها".
كيف سيحدث هذا بالفعل؟
"يجب أن يُمكّننا هذا التعاون من أن نعرف من الذي يُجند المجاهد في باريس مثلا، وكيف يتصل به وأين تتم اللقاءات. ويفترض أن يكشف ذلك عن أنه هل يشارك رجال الدين النشطاء في الغرب وفي أي الأطر. نحن نعلم أن الحديث في بعض الحالات عن شباب يجتازون الحدود ببساطة من تركيا أو من الاردن وينضمون الى هذه المنظمات، لكن يوجد اشخاص هذه مهمتهم، أعني تجنيد المتطوعين ونقلهم – ويجب تحديد مواقعهم. ويجب في هذا السياق ايضا أن نرى من أين يأتي المال وكيف يتنقل بين الأيدي ومن يتوسط في الطريق.
"في طول هذا البحث كله وكلما تعمقنا فيه كان الذي أثار عجبنا حقيقة أنه برغم أن الحديث عن منظمة معروفة يبرز اسمها منذ سنوات في العناوين الصحفية وفي وثائق اجهزة الاستخبارات في العالم، فانه ما زالت المعلومات التي جُمعت عنها جزئية. بل إن هذه المعلومات غير مُحدثة في حالات كثيرة. وهذه الوثيقة التي أصدرناها الآن هي البداية فقط لعمل أكبر وأشمل يجب "القيام به" ".