خبر الديمقراطية لمن وكيف؟!. علي عقلة عرسان

الساعة 09:29 ص|13 سبتمبر 2013

قضيتان هامتان في سؤالين كبيرين، بدأ اندياح دوائرهما يمتدّ وإلحاحهما يشتد، بعد أن انتفخت أوداج  باللجوء إلى العنف الدامي والتدمير الشامل وصولاً للإنصاف الذي يتسربل بالسراب؟! واحمرت أنوف وأعراف وهي تنادي باستباحة دم من  يلجأ إلى العنف في مجتمعه ويهدد الديمقراطية والتعددية والناس.. وكانت النتيجة تزييف الديمقراطية وقتل الناس.

ويزداد ارتفاع حرارة كل من المناخين المتناقضين في بعض الساحات العربية، ويوغل كل فريق من الفريقين في الخصومة ولددها، ويرتفع في فضاء الوطن، باسم ذلك كله، سيف وينفتح وريداً ، فيمتزج الدم والحقد وتتدحرج منهما كرة تكبر كتلتها كلما ازداد تدحرجها، فتلوث الساحة العربية، وتلطخ الأحياء والقرى، في أكثر أقطار الوطن العربي كثافة سكاناً، تلوثها بالدم والقار والعار.

إذ.. من يقتل من؟! وفي أي زمن ولأي غرض، وفي ظلال أية أوضاع، وأية سياسات، وأي دين وأي خلق وأية قيم يمكن أن تسمح بذلك؟!.. من يقتل من والمخططات الغربية- الصهيونية سافرات تتقدم وتنتصر، وعار الكارثة في أكثر من بلد عربي ما يزل  يندلق  قروحاً وحروقاً وصدبداً ومهلاً، ويتبدى في وجوه وقلوب وأنفس وضمائر، وسخامه يعرّش في سمائنا ويتشمرخ في ساحاتنا، وينشر ظلامه وآلامه فوق شعبنا؟!.

من يقتل من.. ولأي غرض..؟ وفي أي زمن؟! لقد اتضح الجواب لمن كانوا يششكون بكل شيء حتى في المعطيات المحسوسة والأدلة الملوسة، الحرب باسم الديمقراطية والإصلاح، وأزهار " الربيع العربي" الملون بالدم والفوضى، كانت لمصلحة إسرائيل، ولتمرير حل لقضية فلسطين عل حساب العدل والفلسطينيين والعرب، والمقاومة يراد لها أن تدمر، وأن ينتهي دور سورية مهما كانت خياراتها وتوجهاتها وأسس الدولة التي تقيمها..؟! إسرائيل تنتصر، و"إسرائيل" تعربد من شمال ما احتلته من أرضنا إلى جنوبه، ومن دار سياسية عربية إلى أخرى، فتزوبع الدم والأزمات والفوضى والسياسات المريضة، وتعيد جمعها في نسق جديد، بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية التي تسخر كل ما لديها لخدمة هذه الدولة المسخ وعنصريتها واحتلالها وإرهابها الممنهج، وتمهد لوجودها " الشرعي" القهار، ولاستمرارها قوتها النووية وجعلها نافذة الرأي والقرار في هذه الديار.. بإضعاف سواها من دول العرب المعنية بالشأن الفلسطيني وسلبها مقومات قوتها وأمنها وأسلحتها الاستراتيجية.. وهاهي سورية تفعل ما يريدون في هذا المجال رداً للشر والدمار وحقناً لأرواح سوريين مهددة بالعدوان الأميركي والتحالف الذي يقف وراءه.. هاهي سورية تقف بالصف بعد العراق وليبيا معلنة وضع أسلحتها النووية تحت الرقابة الدولية وقيد التدمير، منضمة إلى معاهدة منع هذه الأسلحة في حين تبقى إسرائيل نووية وغير منضمة للوكالة الدولية للطاقة النووية، وتلاحق غيرها بفجور لا مثيل له متهمة ومهددة ومتوعدة، تحت غطاء غربي كثيف وحماية تجعلها فوق القانون، وتساندها في رفض أن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.

لقد اتضح اليوم من يقتل من في سورية؟!. ولأي غرض.. وفي أي زمن؟!. ومن يريد لنا كلنا كلنا في  سلة الإمبريالية الأميركية القادمة إلينا في حلة حقد أسود متجديد، وفي جوع يشتد لتنفيذ استراتيجية لم تعد خافية على أحد، ولتحقيق أهداف منها جعل الأنموذج الثقافي والسلوك الأميركي والقيم الأميركية تسود عالماً تسوطه هي بقوتها وغطرستها؟!.

من يقتل من؟!.. ولأي غرض.. وتحت أية ذريعة؟!. سؤال استقامت الأجوبة عليه، ولن ينتج عن ذلك إلا أن تدور عجلة الحقد والدم داخل كل قطر عربي، ثم عربياً- عربياً، ثم  عربياً- إسلامياً، ليصبح المناخ الذي يريده الغرب وتريده الصهيونية مهيئاً لفتكة كبرى بالأمتين العربية والإسلامية، تصنعها أكثر ما تصنعها أيدي أهلها، وينفذ الغرب من خلالهم أهدافه وسياساته وأحقاده.

- فيستنزف المال ليحل ضائقاته الاقتصادية ومشكلاته الاجتماعية ويشغل مصانعه الكبرى.

- ويسيطر على الطاقة النفطية والثروات الطبيعية ليستمر في برامجه العلمية ومشاريعه الصناعية المتقدمة، وصناعاته العسكرية، وتقدمه التقني، وتطوير أسلحة الدمار الشامل التي يرعب العالم بها وبسببها.

- ويخرب الثقافة والشخصية والقيم الأخلاقية في هذه المنطقة، ليسود  أنموذجه، وليصل إلى ما وعد بتحقيقه في هذا القرن " انهيار العروبة والإسلام".

- وينشئ مجتمع الألف دولة والألف خوف والألف حقد، والألف حرب، في ديار العرب والمسلمين، حتى لا تقوم لهم قائمة أبداً، وحتى تقام" إسرائيل التوراتية" دولة يهودية تهود فلسطين وتسيطر على المنطقة.

من يقتل من.. ولأي غرض .. وفي أي زمن .. وتحت أية ظروف في سورية التي أشبعت دماً ودماراً؟!.. كلنا يعرف الآن، ومن يتنكر لحقيقة المعرفة لا يريد أن يرى الشمس في رأد الضحى.. كلنا يراد لنا أن نكون خراف إبراهيم في عيد الأعياد المباركة.. وكل خروف يثغو وينتظر دوره أمام سكين الجزار التي تلمع أمام عينيه.. ولكن لا يمكن للأمم والشعوب الحية أن تموت.. صحيح أن الأحلام العدوانية لا يمكن أن تتحقق كلها كما نتصورها ونتوهم تحققها، ولكن المدهش المؤلم في آن معاً، أننا  نحن نتمثل قوة فريدة التحرك والانضباط تحقيق أحلام أعدائنا، بتسخير قوانا لتفتيت قوانا ولا ضعاف كياننا كله.. نتحارب باسم الديمقراطية والإصلاح والحرية والحقوق العامة ولجم الاستبداد والطغيان والفساد.. ولا تلبث أن نجد أنفسنا على ضفاف الفتن يستهدفنا عدونا لضعفنا فيفزع إليه من يستنصره على أهله وأخيه، فنخسر ويربح، ولا نلبث أن نكتشف أنه كان وراء كل ذلك الحمق الأعمى حتى نال ما يريد بسواعدنا.. وبقيت كل الشعارات شعارات لأننا لم نغرف أصلاً كيف يصل الإنسان تحت سقف الوطن والقانون إلى إصلاح ما ينبغي إصلاحه وإلى تحقيق مساوة اجتماعية ومواطَنة سليمة وصالحة.

نحن نسأل اليوم: الديمقراطية لمن؟!. والديمقراطية كيف؟! وكل مقاربات الأجوبة تريد أن يبقى السؤال والجواب لغزاً، وأن تعم فوضى المعايير والأحكام ليولد من بعد ذلك نظام على أنقاض البلد والشعب؟!.

الديمقراطية لمن؟. والديمقراطية كيف؟ هل يمكن أن نطرح السؤال ونلتمس الجواب على بساط سداه التمييز ولحمته المخاتلة، وفي هذا الزمن العربي الرديئ، بعد أن انهار الأنموذج  الذي كان يجاهر بصلف قائلاً: "الديمقراطية لي وحدي وليست لأعدائي.. أعداء الشعوب؟!.

وبعد أن اتضح أنه كان عدواً للديمقراطية وللشعب ولنفسه ولما تريده القوميات – الشعوب، مال إلى تعويم ذاته وشعاراته ودخل سوق الكلام والتجارة بكل شيء ؟!.

بكل البساطة الممكنة: الديمقراطية للجميع، في إطار التعددية الفكرية والحزبية. والديمقراطية: حرية ومساواة في قَرَن واحد، لجميع الناس أمام القانون وتحت سقف الوطن، وليس لأحد أن يجرد أحداً من وطنيته أو إخلاصه أو حقوقه أو من دينه بذريعة ما يتوهم غريمه أنه سيكون عليه، أو بحجة أنه لن يتيح له ممارسة الديمقراطية إذا ما وصل إلى الحكم، أو بحجة أنه غير مؤتمن على الوطن والعقيدة والثقافة والناس، وهو جزء من الوطن والعقيدة والناس؟!. ولا يمكن أن تنمو ديمقراطية سليمة في الأقطار التي تسعى إلى ذلك من دون قيام ديمقراطية دولية تحترم الدول القوية القوانين التي تحمي الدول، وتضع مبدأ السيادة فوق منطق الاغتيال.

الديمقراطية للجميع إذن، الديمقراطية للوطن. والديمقراطية للعالم، تصقلها الممارسة وينضجها الوعي، ويصلح مسارها الاستسلام المطلق لصحة اختيارها كمسار للحكم ولسوس الناس.

لقد آن الأوان تماما لتسقط أقنعة كثيرة، وترفع ستر عن وجوه وشعارات وممارسات في الوطن العربي، فليس لدى الأمة ما تضيعه أكثر مما ضيعته، وليس لأبنائها أن يضيعوها في لعبة الضياع المفروضة عليهم أو لعبة التضييع التي يقودهم إليها بعض أبناء الأمة، سواء أكانوا واعين منتمين أم مندفعين تأخذهم الحماسة من شعورهم وتدفعهم إلى التهلكة.

إن العنف والعنف المضاد داخل وطن وبين أبناء أمة للوصول إلى السلطة، تحت اسم  الحق أو الديمقراطية أو التطهير والتطهرّ، هما طريقان موحلان، مفروشان بالدم والنار والعار والقار، ولن يؤثلا مجداً، ولن يصنعا قوة، ولن يؤسسا لوطن عزيز كريم. وآن لأبناء أمتنا أن يوقفوا استخدام العنف ضد بعضهم  بعضاً ليحكموا العقل والضمير والشرائع والتشريعات، وليأخذوا برأي الناس- الأكثرية الصامتة المحروقة المحرومة من الكلام- لتكون هناك طريق أكثر سلامة وأماناً، توصل الأمة إلى الصحة والعافية والقوة والتقدم والكرامة.

إن العدو يتربص بنا، ولم ينته التهديد الأميركي ـ الإسرائيلي لسورية بعد، والآتي من المرارات والشدائد أعظم، وعلى الذين يصعّدون موجات العنف أن يتوقفوا بعد الذي كان، فقد خسر الجميع وربحت إسرائيل وإسرائيل وحدها، وما زال هناك من يركبون رؤوسهم ويريدون مزيداً من البطش بالشعب والدولة.. فالله.. الله في أنفسنا وأوطاننا وقيمنا ومجتمعاتنا وديننا وثقافتنا وصِلاتنا ومستقبل أجيالنا.. وليكن وغي مرشد وحكمة منقذة وتضحية حقيقية من أجل سورية التي تستحق من أبنائها الكثير الكثير.

 

دمشق في 13/9/2013