خبر دولة في وسواس قهري ..بقلم: يوئيل ماركوس

الساعة 08:41 ص|13 سبتمبر 2013

          (المضمون: وصف للشعور الاسرائيلي العام منذ كانت حرب الايام الستة الى اليوم وتبدل هذا الشعور بين ارتفاع وانخفاض منذ ذلك الوقت - المصدر).

          هل أنتم سعداء هناك في اسرائيل؟ سألني أحد الاقارب في هذا الاسبوع. فأجبت أن ذلك متعلق بالوجهة التي ننظر إليها، هل ننظر الى المطارات المكتظة بالعائلات الخارجة الى خارج البلاد أو ننظر الى الآلاف الذين احتشدوا في الحرارة الفظيعة وهم يعرقون ساعات طويلة في الصفوف للحصول على الأقنعة الواقية. وكما قال صحفي أجنبي: "إن لكم دولة ذات قطبين، فأنتم من جهة تموتون خوفا ومن جهة اخرى تحيون حياة مجنونة". قيل هذا الكلام في واحد من مئات مقاهي ومطاعم يافا التي تمتليء في كل ليلة بآلاف الزوار. أجل إن الامر كذلك، ففي الصباح ينصبون القبة الحديدية في الشمال وفي المساء يحتفلون.

          لا يكاد يوجد اسرائيلي في سن البلوغ لم تمر عليه في حياته 7 – 8 حروب وانتفاضات. وخرج سليما في جسمه ونفسه وهو يحيا من يوم ذكرى الى يوم ذكرى. وعندنا بخلاف الولايات المتحدة التي يوجد فيها يوم ذكرى واحد في السنة لضحايا كل الحروب، وهو يوم عطلة للشراء في الأساس، كل يوم تقريبا هو يوم ذكرى عندنا. فهناك يوم ذكرى الدولة، ويوم ذكرى اللواء، ويوم ذكرى الوحدة، ويوم ذكرى ضحايا حروب اسرائيل الذين يُجهل مكان دفنهم، ويوم ذكرى المحرقة والبطولة. ويُضاف إليها ايام الصوم، فهناك صوم غيداليا تذكارا لقتل غيداليا بن أحيكام، زعيم بقايا اللجوء؛ والعاشر من شباط العبري وهو بدء حصار القدس؛ وصوم إستر تذكارا لأحكام هامان القاسية؛ و17 تموز العبري تذكارا لسقوط أسوار القدس، والتاسع من آب تذكارا لخراب الهيكلين الاول والثاني. ولن نذكر الايام الفظيعة الاخرى، وهي "ايام الحساب" وايام التوبة بين رأس السنة ويوم الغفران.

          إن الأمزجة المتغيرة لقادة الدولة على اختلاف أجيالهم هي التي حولتنا من وضع جيد الى وضع سيء أو بالعكس. وقد سبقت حرب الايام الستة فترة انتظار قاسية على أثر اغلاق المصريين لمضيق تيران وإدخال جيش الى سيناء. وقد جندت القيادة آنذاك قوات احتياط كبيرة مكثت وقتا طويلا تحت الشمس الحارقة. وقد هدد قادة الجماعة الحاكمة في مصر في كل محطات المذياع في العالم بأنهم سيُعيدون الاسرائيليين جميعا الى البلدان التي جاؤوا منها وسيذبحون من لا يريدون ذلك. وقد بكيت إذ كنت مراسلا لصحيفة "هآرتس" في باريس في ذلك الوقت مع عشرات الآلاف من المتظاهرين اليهود الذين بكوا حول مبنى السفارة. لم نؤمن نحن ولا العالم أنه في غضون سبعة ايام وبرغم تحذير ديغول لنا بقوله "لا تطلقوا الطلقة الاولى" – بأن اسرائيل ستحسم المعركة عند الفجر بقضائها على أكثر سلاح الجو المصري على الارض. واحتلت كذلك "المناطق" دون أن تعلم البكاء الطويل الذي ستدخل إليه.

          اختفى سُكر الحواس والشعور بأننا لا نُهزم مع اخفاق يوم الغفران. وقد أراد الشعب الذي لم يقل احتفالا عن قادته أن يحاسبهم، وبحق. كان موشيه ديان نفسه المعبود الامني دهشا جدا بحيث عرّف ما يحدث بأنه "خراب الهيكل الثالث". لكن منذ كان "خراب الهيكل" في عقل ديان الى أن كان "حصار الجيش الثالث" مرت ثلاثة اسابيع فقط. ومكّن ذلك المسار آخر الامر من السلام مع مصر في كامب ديفيد. ووجد هنا "ارتفاع وانخفاض" بين العقدين وبين الايام الستة ويوم الغفران.

          إن السلام الذي قالوا إنه لن يصمد، صامد حي اليوم ايضا في وقت توجد فيه في مصر فوضى، لكنها ما زالت أعظم دولة في منطقتنا في نظر الولايات المتحدة. فمن المهم عندها أن تُجند مصر لا اسرائيل فقط لمحاربة الاسلام المتطرف. لا يمكن أن نقول إننا لسنا شعبا حكيما لكن عندنا ميل الى أن نكون حكماء في الليل. إن اسرائيل التي أوجدت الضربة الخاطفة التي لم تنته بصورة جيدة دائما أرادت هجوما امريكيا على سوريا لكنها أيدت ايضا عدم الهجوم. هل اسرائيل مهتمة حقا بأن يسقط الاسد ويأتي حزب الله والقاعدة بدلا منه؟ من يعلم، ربما تكون التسوية التي ستُحرز منطبقة على ايران ايضا وتحررنا من عقدة أن الجميع يريدون القضاء علينا. بل إن بيبي ترك نغمته الحماسية وبدأ يدرك مبلغ أهمية أن نكون جزيرة استقرار في واحدة من أكثر المناطق تعقيدا وخطرا في العالم.