خبر يُبحر على ايقاعه الخاص.. يديعوت

الساعة 10:50 ص|30 أغسطس 2013

بقلم: أورلي أزولاي

(المضمون: صاغ الرئيس اوباما قرار الهجوم على سوريا بطريقته المعتادة: مُتحيرا مُقدرا مستمعا لكل أحد فاحصا عن جميع التأثيرات. ضباط كبار يُحذرون من أن استعمال الصواريخ البحرية خطوة ليّنة جدا لكنهم في واشنطن يؤمنون بأن الأمر قد ينتهي الى فرار الاسد للنجاة بنفسه - المصدر).

كان اولاد صغار محمرو الأعين مُلقين على البلاط في أروقة المستشفى بالقرب من دمشق، وكان نفسهم قد أخذ يضعف. وبدا الاطفال الصغار كأنما صُنعوا من الشمع. فقد كانت جلودهم بيضاء تكاد تكون شفافة وعيونهم لا تعبير فيها. إن غاز الأعصاب قد شل مجاري نفسهم واحتضروا احتضارا أخيرا قبل أن لُفوا بأثواب بيضاء. وصعب على الاطباء أنفسهم وعلى الممرضات الذين عالجوهم، وعلى عمال المستشفى الذين وثقوا بكاميرات الفيديو هذا العمل الفظيع، أن يتنفسوا بعد ذلك، فقد خرجوا وتقيأوا.

وتغلغل الرعب الذي ظهر من عيون الآباء والأمهات الذين جاءوا بأبنائهم المصابين، وبآبائهم الشيوخ وبالموتى الذين ماتوا في الشوارع، الى كل صالون في الولايات المتحدة في يوم الاربعاء الماضي في ساعات الصباح. فقد استيقظت امريكا على هذه الصور الفظيعة وبثتها محطات التلفاز من الساحل الى الساحل مرة بعد اخرى، وسارع اوباما الى أن جمع على أثرها مستشاري الامن القومي في غرفة بحث الوضع تحت الغرفة البيضوية. ومرت ساعات قليلة فقط منذ اللحظة التي اتضحت فيها أبعاد المذبحة الى أن طلب الرئيس أن يفهم ما الذي حدث بالضبط في تلك الليلة الفظيعة.

وضع ممثل وزارة الدفاع الذي شارك في اللقاء على الطاولة ما اعتُبر في الاستخبارات والمستويات المختصة "مسدسا مدخنا". وكان ذلك تسجيلا لمكالمة هاتفية بين مسؤول رفيع المستوى جدا في قصر الرئيس بشار الاسد وبين رئيس وحدة السلاح الكيميائي في الجيش السوري. وقد تم توثيق المسؤول الكبير في المكالمة التي اعترضتها الاستخبارات الامريكية وسُجلت بأقمار تجسس الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، وهو يصرخ في السماعة على نحو وصفه محللو الاستخبارات الامريكية بأنه "اصوات ذعر". وقد سُمع هناك وهو يوبخ الضابط لأنه استعمل هذه الكمية من السلاح الكيميائي على معارضي النظام في حين أن كل ما طلبوه منه أن يُقدر الامور تقديرها بحيث يصيب ولا يُحدث مذبحة جماعية.

لم يكن يمكن أن يُفهم من المكالمة أأخذ القائد الميداني لنفسه حرية في أن يزيد في قوة هجوم الصواريخ الكيميائية من تلقاء نفسه، أم نفذ الأوامر التي صدرت إليه. وكان يصعب ايضا أن نستنتج أخرج اطلاق الصواريخ عن السيطرة أم عظمّت الحالة الجوية الضرر. كان التقدير الامريكي أن شيئا ما قد تشوش تشوشا كبيرا لكن شيئا واحدا كان واضحا تماما وهو أن الأمر صدر عن رجال الاسد. وقد كشفت المكالمات المسجلة عن أن الادارة السورية هي المسؤولة عن الهجوم غير التقليدي على مواطنين أبرياء لا قوات المعارضة كما حاول ناس الرئيس في دمشق أن يزعموا. ولم يُخفوا في الجماعة الاستخبارية الامريكية تأثرهم بأنه قد تم بعد سنتين ونصف تقريبا من الحرب الأهلية الحصول على برهان قاطع على أن الاسد اخطأ الخطيئة الكيميائية.

وقد أدركوا في المحيط القريب حول الرئيس أنه لن يستطيع أن يتجاهل هذا بعد الآن. وكانت الأوامر التي صدرت الى الجيش من الغرفة واضحة وهي الاستعداد فورا، وأن يكونوا مستعدين لهجوم في اللحظة التي يصدر فيها الأمر. لكن لا أحد تحدث هناك عن موعد توجيه الضربة، ولم يكن ذلك عرضاً. فالبيت الابيض تحت إمرة اوباما لا يعمل بطريقة الضربة الخاطفة السريعة. في مطلع الاسبوع – حتى بعد أن رأوا الصور واستمعوا للرسائل وحصلوا على شهادات من اطباء – طلب رؤساء الادارة الامريكية الى الجهات الاستخبارية أن تفحص عن الحقائق مرة اخرى. فقد أرادوا الحصول على عينات دم وتربة كي يصادقوا بصورة نهائية أنه قد كان هجوم كيميائي.

وفي واشنطن أخذوا في الحسبان أنهم في العالم سيلصقون باوباما مرة اخرى صفة "الليّن"، لكن ذلك كان من وجهة نظرهم مخاطرة محسوبة. ووجد في البيت الابيض ايضا من أشاروا على الرئيس أن يتمهل قليلا وأن ينتظر نتائج الفحوصات التي قام بها مراقبو الامم المتحدة لاتخاذ قرار نهائي. بل طلب رئيس هيئة الاركان العامة، الجنرال مارتن دامبسي، إبطاء عجلات الحرب حينما أرسل الى مجلس النواب رسالة مترددة قال فيها إن الولايات المتحدة ستخرج في هجوم بشرط أن يخدم الامر مصلحتها. وبدأ العد التنازلي بصورة رسمية قبل ثلاثة ايام فقط حينما أعلن وزير الدفاع تشاك هيغل في التلفاز: "نحن مستعدون للتنفيذ فورا".

قبضة حديدية في قفاز حرير

تُشبه الادارة الامريكية حاملة طائرات ثقيلة الوزن، لا في السياق السوري فقط. فهي تحتاج الى وقت طويل لتغيير اتجاهها ولادارة المقود. والرئيس الذي يوجهها وهو الكابتن اوباما معروف بين مستشاريه بأنه لا يترك حجرا لا يقلبه قبل أن يتخذ قرارا، وبأنه ذو ميل الى الاصغاء في صبر وتمهل لكل نصيحة، وللفحص عن كل تفصيلة استخبارية وكل معطى. وهو على عكس جورج بوش الابن ليس رئيسا يستل مسدسه سريعا وهو على عكسه ايضا لا يحب الدراما.

حينما كان معمر القذافي يذبح مواطني ليبيا، استفرغ اوباما وقتا طويلا الى أن وافق على عملية امريكية. وقد فعل ذلك في تلك المرة ايضا في آخر لحظة فقط حينما كان الموالون للحاكم في طريقهم الى بنغازي منطلقين سريعا لذبح معارضي النظام. وقد نسبوا في أنحاء العالم الى الرئيس آنذاك صفات التردد ووجد من نعتوه بأنه ساذج وحالم  ومُهادن. وقد رأوه باعتباره زعيم العالم الحر الذي يجب أن يقود الركب في عالم متوحش، رأوه انسانا غير قوي بقدر كاف بل اتهمه معارضوه في مجلس النواب بأنه يدع الاوروبيين يقودون الهجوم في ليبيا متكفيا بـ "قيادة من الخلف"، وبذلك يُخزي امريكا العظيمة. وماذا عن اوباما؟ لقد صد الانتقاد وافتخر آخر الامر بأنه نجح في أن يوقف المذبحة في بنغازي وأفضى الى سقوط القذافي وكل ذلك دون أن يرسل جنديا امريكيا واحدا الى الارض الليبية.

ومرت سنتان ونصف، وينقض الرئيس مرة اخرى في هجوم في الشرق الاوسط بلا شهوة. فسفن الصواريخ والغواصات والقاذفات التي تُزين صورها الآن كل صحيفة وكل شاشة بعيدة عن أن تثير حماسته. ولا يبارك الامريكيون أنفسهم ايضا الحرب الجديدة. في استطلاعات للرأي تمت في الايام الاخيرة أجاب 60 في المائة منهم بأنهم يعارضون عملية عسكرية للولايات المتحدة في سوريا.

قبل عشر سنوات فقط بعد أحداث الحادي عشر من ايلول فورا، هتف مواطنو الولايات المتحدة للرئيس بوش حينما أعلن حربا على منظمة القاعدة في العراق. كانت امريكا المحاطة بمحيطين عن جانبيها تؤمن دائما بأنه لا مصلحة لها في التدخل تدخلا عميقا فيما يجري في العالم. لكن الصدمة والاهانة فعلا فعلهما في 2001. بل إن 80 في المائة من المستطلعة آراؤهم في الاستطلاعات لم يعرفوا أن يشيروا الى مكان العراق على الخريطة – وهذا معطى غير مفاجيء اذا أخذنا في الحسبان أن 75 في المائة من الامريكيين ليس لهم جواز سفر ألبتة – لكن تأييد الحرب وراء البحار كان واسعا. وماذا يعني أن يكون الرئيس قد خدع الجمهور ولم يكن لصدام حسين وناسه أية صلة بعملية التوائم.

إنطلق بوش سريعا الى العراق وعلى عكس أبيه لم يقف قبل بغداد بل استقر رأيه على احتلالها. وبعد شهرين من بدء العملية أعلن الرئيس السابق أن "المهمة تمت" ولم توجد أكذوبة أكبر من هذه. فقد استمرت المعركة سنين طويلة وجبت حياة آلاف الجنود الامريكيين وعشرات آلاف العراقيين وبلغت نهايتها فقط باستقرار رأي اوباما فقط على الانسحاب من العراق. وسيضع الرئيس في السنة القادمة ايضا حدا للحرب في افغانستان حينما سيخرج آخر المقاتلين من الدولة.

وبازاء الوضع المتدهور في سوريا أُثير في الجدل العام في الولايات المتحدة من جديد سؤال هل يُحافظ على امريكا قوية معزولة تهتم بمصالحها فقط، أم تصبح حاضنة العالم التي تتدخل في ازمات مشتعلة تحدث في طرف آخر من أطراف العالم. ولما كان اوباما نفسه هو الذي حدد لسوريا خطوطا حمراء تحجزها عن استعمال السلاح الكيميائي، فانه لم يكن له مفر في هذه المرة في الحقيقة. تطلع العالم إليه كي يرى هل يفي بكلمته، وأراد أن يراه يرفع قبضة القوة الامريكية في نجاعة وسرعة بضربة تُسقط الاسد محطما. وقد نُقشت الصور القاسية من سوريا باعتبارها حادثة تأسيسية لا يمكن تجاوزها في صمت.

إن اوباما على عكس التصور عنه لا ينفر من استعمال القوة. ففي سنوات الرئيس الامريكي الاربع والنصف في البيت الابيض أصبح أكبر مستعمل لسياسة الاغتيالات وراء خطوط العدو. وقد أرسل من الطائرات بلا طيارين اربعة أضعاف ما أرسله الرئيس بوش ليضرب أهدافا في افغانستان واليمن. وقتلت تلك الضربات مخربين لكنها قتلت ايضا مواطنين أبرياء فيهم نساء واولاد. ويجب أن يُضاف الى هذا السجل الحربي بالطبع اغتيال اسامة بن لادن وما زالت اليد مبسوطة. قال مسؤول رفيع المستوى في واشنطن في هذا الاسبوع إنه يأمل معجزة تُخفي الاسد دون أن يُطلق صاروخ بحري واحد على دمشق، لكن اوباما واقعي ولا يؤمن بالمعجزات. وحينما لا يوجد مفر آخر فانه يفضل القبضة الحديدية حتى لو كانت ملفوفة في قفاز حريري. "أنا لا أعارض كل الحروب"، بيّن قبل أن انتُخب للرئاسة، "أنا أعارض فقط حروبا غير عادلة".

الجنرال ونصف الحَمْل

إن الحربين اللتين ورثهما اوباما هدمتا اقتصاد القوة العظمى في الغرب، ومطتا قوتها العسكرية الى أقصى حدود القدرة وجعلتاها تخاصم نصف العالم. وهذا هو السبب الذي يدعو الرئيس الى أن يكون معنيا بأن تكون الضربة العسكرية لسوريا محدودة وبعيدة دون وجود على الارض. ويؤيد اعضاء من مجلس النواب ولا سيما جمهوريين ذوي خلفية أمنية مثل جون مكين هذا التوجه، لكن مسؤولين كبارا سابقين في الجيش الامريكي يُحذرون من أن ضربة قصيرة قد تُسبب ضررا على الخصوص. "إن هجوم عقاب لا يُغير بصورة واضحة توازن القوى ولا يفضي الى حسم اسوأ من ألا يُفعل شيء"، قال هذا الاسبوع كريستوفر هامر الذي كان في الماضي رئيس قسم التخطيط في الاسطول الامريكي. "بل إن هذا الهجوم قد يُقوي الاسد ويجعله يوحد القوى بزعم أنه يجب محاربة الأعداء الخارجيين".

وبيّن الجنرال أنتوني زيني الذي كان يعمل قائدا لمنطقة الوسط وعمل بعد ذلك مبعوثا الى الشرق الاوسط، قبل بضعة ايام أن المتوقع في سوريا هو غير المتوقع في الأساس. فالجيش يعرف كيف يخرج لتوجيه ضربة محدودة لكنه لا يعلم أبدا كيف يرجع عنها. "لا يمكن أن تكون في نصف حمْل فقط"، قال، "أقصد أنه حينما تبدأ اطلاق الصواريخ البحرية فان كل شيء يمكن أن يحدث. وأنت لا تعلم ماذا سيكون رد العدو ولا تستطيع أن تعتمد على وقوع هجوم واحد وانتهاء كل شيء. في 1998 نفذ الجيش الامريكي هجوما بالصواريخ البحرية في العراق وافغانستان ايضا ولم يُغير شيء الوضع. وكذلك الحال في سوريا فلا أحد يستطيع أن يضمن أن يفضي الهجوم من بعيد الى النتيجة المرجوة".

ويؤيد دبلوماسيون الخوف الذي يعبر عنه العسكريون. فقد حذّر ريان كريكر الذي كان في الماضي سفير الولايات المتحدة في دمشق هذا الاسبوع من اليوم الذي يلي الهجوم. "إن الصواريخ البحرية لن تغير طريقة تفكير الادارة السورية"، زعم. "قد يفضي ذلك الى نتيجة عكسية، أي الى وجود قدر أكبر من المظاهرات والعنف".

إن وزارة الدفاع الامريكية والجيش الامريكي على الخصوص لا يشاركان في التنبؤات السوداء، أو هذا ما يوحيان به على الأقل. صحيح أن الولايات المتحدة قصفت في كوسوفو مدة 78 يوما كي تضع حدا للتطهير العرقي، ويخطط الآن لهجوم خاطف لا يستمر أكثر من 72 ساعة، لكنهم في واشنطن يتوقعون أن تكون هذه المدة كافية. ويؤمنون هناك بأن الاسد سيقوم باجراء تراجعي بازاء قوة القوات العسكرية لامريكا وحليفاتها، وقد يتوصل معها الى صفقة تُمكّنه هو وأبناء عائلته من مغادرة سوريا في هدوء. ويتمنون في الادارة الامريكية صورة نصر كهذه للرئيس السوري يخرج من القصر ويركب مروحية تنقله بعيدا عن دمشق. وهم في الولايات المتحدة يقولون إنهم سيكتفون بـ "عقاب الاسد"، هذا من اجل المقتبسين لكنهم يأملون من وراء الستار أن يبلغ نظامه الى نهايته بذلك.

يوجد في هذا السيناريو المتفائل مشكلة رئيسة واحدة وهي أنه يُحتاج كي يتحقق الى تعاون روسيا. بيد أن موسكو كما يقول صاغة السياسة في واشنطن تتصرف كما في فترة الحرب الباردة وتُدير ظهرها للغرب. إن اللجوء السياسي الذي منحه رئيس روسيا فلادمير بوتين لمُسرّب المعلومات الامريكي، إدوارد سنودن، قد أفضى باوباما الى الغاء لقاء خُطط له معه ومنذ ذلك الحين أصبحت العلاقات بين الاثنين أشد توترا. وإن هجوم جيش الخطوط والنجوم على سوريا سيفضي الى تدهور آخر.

حينما ينقشع الغبار عن دمشق سيتبين أي سيناريو انتصر، وهذا صحيح الى الآن على الأقل. فاذا نجح اوباما في التملص من تورط امريكي آخر في الشرق الاوسط فسيستطيع أن يتجه الى بناء التراث والتركة التي يريد كل رئيس أن يُخلفها وراءه. ويتوقع ناخبوه التقليديون منه أن يغلق موقع العار في غونتنامو وأن يُقلل من استعمال الطائرات بلا طيارين وأن يُضائل سياسة الاغتيالات وراء خطوط العدو. ويعلم اوباما أن العملية في سوريا لن تخدم تراث من حصل في أول سنة من سنوات ولايته على جائزة نوبل للسلام مقدمة – ولم ينجح منذ ذلك الحين في أن ينفذ حتى خطوة سلام عالمي واحدة.