خبر سورية.. والفيل يانكي ..علي عقلة عرسان

الساعة 10:51 ص|27 أغسطس 2013

لم يخطئ الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيدف الوصف حين شبه الولايات المتحدة الأميركية بفيل في معرض للكريستال، ويمكن تخيل ما يفعله الفيل مع كل حركة يقوم بها في ذلك العالم الجميل من جهة والهش من جهة أخرى. وقد عرف العالم المتحضر فعلاً، وليس هو بالضرورة الغرب الاستعماري الذي ألحق ببلدان كثيرة في العالم كوارث وويلات ورغم ذلك يدعي التحضر بل يحاول أن يحتكر هذه الصفة.. عرف العالم الكثير من نتائج دخول حيوان الغابة العملاق هذا إلى مواطن الحضارة والمدنية والتوافق الإثني والتعايش الاجتماعي في بلدان كثيرة من العالم، منها كوريا وفييتنام وأفغانستان والعراق.. إلخ

حيوان الغابة يتجه إلى اقتحام أبواب سورية، المهد الأول للحضارة مثلما مصر والعراق، والبلد الذي يعتبر بحق الموطن الثاني لكل متحضر حقيقي في العالم من حيث هو موطن الأبجدية والاستقرار البشري الأول والدخول في الحياة المدينية الأولى عبر التجمعات البشرية " المدنية" الأولى منذ عشرة آلاف سنة قبل الميلاد على الأقل في مواقع : " سهل نَطوف قرب أريحا وتل حَلَف، ثم ايبلا وماري ورأس شمرا " أوغاريت" وسواها من مواطن العمران البشري الأول. وعلى كل من تعنيه الحضارة البشرية والأثار الدالة عليها وشواهدها وما تركته للذاكرة البشرية والتاريخ أن يتذكر هذه المعطيات كافة في لحظة اقتحام الفيل الأميركي بوابات الحضارة السورية وإلا يغيب عنه ولو للحظة واحدة تذكر المشهد المأسوي الذي أصاب حضارة ما بين النهرين : " سومر وأكاد وآشور و.. و.. وصولاً إلى إنجازات الحضارة العربية ـ الإسلامية في العراق عندما دخلها منجذباً بقوة إلى وهم الأسلحة النووية والكيمياوية التي أدخلت العراق والعالم في بؤر الكذب الأميركي العريق من جديد؟!

فيل الغابة البشرية الشرس وغير المروض سيقتحم سورية بذريعة الأسلحة الكيمياوية التي يعرفها جيداً وخبرها واختبرها في فييتنام " سلاح الأورانج" والأسلحة النووية التي ما زال ينتشي بحرائقها في هيروشيما وناغازاكي اليابان، وسورية مهما ابتعدت في صلابتها وقوة إرادتها وثبات شعبها على الحق ودفاعه عن النفس وعن قطع الكريستال التاريخية الفريدة في معرضها الجميل "الهش".. لا تستطيع أن تمنع تساقط بعض تلك التحف من جراء اقتحام المكان من فيلق فيلة هائجة على رأسها "الفيل يانكي".. الحيون الأشهر في تاريخ الوحشية والتدمير في مواقع التجمع البشري التي حولها إلى غابات لا يحكمها إلا قانون القوة.

      خارج إطار مجلس الأمن الدولي وقراراته وإرادته والميثاق الذي يحكمه ويحكم هيئة الأمم المتحدة، المنظمة الدولية التي تحتكم إلى القانون الدولي وترعاه وتدعي أنه " أنه يحكم العلاقات الدولية".. خارج هذا الإطار ينوي الفيل يانكي التحرك باتجاه سورية، يقود فيلة أوروبية وتتبعه " سِخِال وجداية" عربية، تثغو وتتقافز ربما من طَربٍ في ثناياه ذعر وربما من ذعر يتقنَّع بطَرب. ولا ينتظر هذا التحرك نتائج لجنة التحقيق الدولية التي تعمل في سورية باتفاق بين الأمم المتحدة والدولة السورية للوقوف على حقيقة استخدام السلاح الكيمياوي ونوعيته ومواقع في مواقع محددة تم الاتفاق عليها، فقرار واشنطن أن الأمر تم وأن القرار اتخذ، وليكن من بعد ذلك تقرير للجنة تفتيش وحديث عن هذا التقرير في الأروقة الأممية.. فواشنطن لا تقبل بهذا الشأن أي حكم لا يتضمن الإدانة، أو كما قال اليكسي بوشكوف يوم الاثنين 27 /8/2013 إن "لندن وواشنطن تريدان حكما ضد الأسد وأي حكم آخر سيُرفض"..

لقد عبرت دول ومؤسسات وهيئات اجتماعية وأحزاب وجماعير عربية عن رفضها لهذا الأسلوب الأميركي في معالجة الأمور، وعن رفضها للعدوان.. ولكن هذه المواقف والأصوات ستبقى في الحيز الصوتي الذي يتبدد في الفضاء ما لم تكن هناك قوة تردع الفيل الهائج بالقوة.. وهذا ما لا يبدو أنه متوفر بالمعنى التنفيذي للكلمة، وهو أيضاً مما لا يمكن القبول بنتائجه الكارثية ليس في هذه المنطقة من العالم التي نكبت بالصهيونية واليانكي فحسب وإنما في العالم بأسره، لأنه حدث سينعكس مواجهات سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية تنتج عنها كوارث بشرية وعمرانية يرزح تحت وطأتها العالم الذي يعاني أصلاً من الفقر والقهر والتوحش الإمبريالي.. وفي مقدمة من سيعاني من ذلك، أو من سوف تستمر معاناته في الأحوال كافة، سورية والمقاومة ضد الاحتلال والعدوان وبلدان عربية وإسلامية ترفض أن يستمر عبث الفيل يانكي وقطيعه ببشرها ومصائرها وتحفها ومتاحفها.

ويدرك كثير من السياسيين والمعنيين والمتابعين خطورة الوضع وتوسَّع دائرة العنف إذا ما تفجر حرباً محدودة أو غير محدودة من جراء العدوان الخارجي على سورية، ويدركون في الوقت ذاته أن الطبيعة العدوانية للغرب الاستعماري عامة وللصهيونية والولايات المتحدة الأميركية خاصة لا يمكن لجمها أو إدخالها في النطاق العقلاني ـ القانوني ـ الحضاري ـ الإنساني المسؤول.. فقد اعتادت على ممارسة الجريمة بذرائع شتى، وأدمنت ازدواجية المعايير، ولم تستيقظ بعد على حقيقة التغيير الذي يطلبه العالم ويسعى إليه.. ففيل الغابة الهائج لا يكف عن التخريب، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى. وربما لهذا السبب أو لسواه مما يدخل في باب التهدئة، قال وزير خارجية روسيا الاتحادية سيرغي لافروف، بعد أن عبر في مؤتمر صحافي مفاجىء عن قلقه "إثر تصريحات صادرة من باريس ولندن تفيد بأن الحلف الأطلسي يمكن أن يتدخل لتدمير أسلحة كيميائية في سوريا من دون موافقة مجلس الأمن ."، قال: " قال "نحن (في روسيا) لا نعتزم خوض قتال مع أحد"... وهذا يصب في مجرى المسؤولية الدولية المستَشرَفة من جراء عدوان غربي تقوده الولايات المتحدة الأميركية كما فعلت مؤخراً في العراق وليبيا على الأقل.. وهو حق من حقوق السيادة الروسية من جهة وحقوق العالم على دولة كبرى مسؤولة بألا تجر العالم إلى حرب عالمية ثالثة.. ولكنه لا يعني بأية حال من الأحوال تخلي روسيا الاتحادية المواقف الدولية المتصلة بالحق والعدل وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، ولا التخلي عن سورية التي ستستمر في مدها بالسلاح والوقوف إلى جانبها سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً وإنسانياً إلى جانب دول أخرى تقف مواقف إيجابية من سورية لكن بدرجات متفاوتة من التأثير ومن تلك الدول إيران ودول مجموعة بريكس ودول في أميركا اللاتينية على رأسها فنزويلا شافس ومادورو.

وفي مقابل السياسة المسؤولة عن الأمن والسلم الدوليين والملتزمة بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، يجتمع في عمَّان ".. بدعوة من رئيس هيئة الاركان المشتركة الفريق أول الركن مشعل محمد الزبن وقائد القيادة المركزية الاميركية الجنرال لويد اوستن ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي ورؤساء هيئات الأركان في كل من المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا والمملكة المتحدة وفرنسا والمانيا وإيطاليا وكندا. ". وبقيادة اليانكي لتنسق عدوانها على سورية بذرائع " إنسانية؟! كأن لن يموت في ذلك العدوان بشر من مدنيين وسواهم، ولن تستهدف دولة هي عضو مؤسس في الأمم المتحدة، ولن تدمر البنية التحتية العسكرية السورية، و" تترك ساحة المعركة مفتوحة للمعارضة لكي تنتصر" وفي هذه الحالة لن تحسم الحرب المدمرة المستمرة منذ ما يقرب من ثلاثين شهراً، لأنه بهذا الافتراض المستَبعد، إن تم، ستتحول السلطة إلى معارضة وتستمر الحرب، وهذا  لن يضع نهاية للنزاع وإنما سيافاقم الحرب ويوسعه دوائرها لتشمل المنطقة، وسيزيد من درجات تجرع الوهم لدى الواهمين، ويجعل الكيان الصهيوني يهيمن ويهود ويفرض ما يشاء على من لديه استعداد للخضوع والخنوع.. وليس أبناء سورية البررة الأحرار من هذا الصنف ولا هم في هذا الإطار.

يذهب الفيل يانكي إلى الحرب، ولسان الناطقين باسمه يقول: " إن المدمرات الأميركية يمكنها تنفيذ المهام المتعلقة بسورية في الوقت ذاته الذي يمكنها توفير الحماية لإسرائيل" وهنا مناط للقول لا بد من التنبه له، فإسرائيل هي المبتدأ والخبر للأميركيين والغربيين أيتها العرب العاربة والمستعربة وليس أنتم أو من شارككم الهوية والنسب والعقيدة والمواطنة والانتساب إلى أرض العرب وتاريخهم وحضارة الإسلام العريقة.. إسرائيل هي مناط الاهتمام.. أما أنتم، نحن، أو نحن، أنتم.. فوقود النار وممول الحرب ومن يدفع ضريبة الدم والجوع والتخلف. وفي تقديرات كثيرة أن البيت الأبيض سيضرب بسرعة وسرية وخارج الأطر المعتادة لاتخاذ قرارت الحرب عبر المؤسسات الأميركية.. وقد سبق وفعل هذا.. وتبقى استحقاقات " الديمقراطية" الأميركية وطلباتها موضع اعتبار لكن في أوقات لاحقة فالبراغماتية والذرائعية والمصالح الإسرائيلية ـ الأميركية العليا مقدمة على رغبة جون بينر رئيس مجلس النواب الأميركي الذي "شدد على وجوب أن يقوم البيت الأبيض بالتشاور مع الكونغرس قبل القيام بأي رد على مزاعم استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيمياوية"، وهي مقدَّمة بطبيعة الحال على القانون الدولي والإرادة الدولية الممثلة في الهيئات والقرارات التي تصدرها الهيئات المعنية في مثل هذه الحوادث الكبيرة التي يترتب عليها الكثير مما يتعلق بالأمن والسلم الدوليين.

لا شك في أن الجيش العربي السوري يستعد لمثل هذا العدوان، وعليه أن يسعى هو ومن هم معه ممن يمكن أن يشاركوه المسعى لدفع قوة العدوان الغاشمة عن الشعب والوطن والأرض.. وما من شك في أن كل سوري شريف، في أي موقع كان وتحت أية سماء تظله، لا سيما من كان منهم في صفوف المعارضة ولكنها تعني لهم جهداً وجهاداً تحت سقف المصالح الوطنية العليا وسيادة الشعب وسلامة البلاد من الخراب والحفاظ على العباد من القتل والتشرد والفقر والقهر.. ما من شك في أن هذا النوع من الأشخاص وبهذه المواصفات العربية ـ الإسلامية السليمة والسورية الأصيلة لن يشارك في العدوان ولن يقبل به، وأنه سيدرك نتائجه وسيعنيه أمر الوطن وألا يسجل التاريخ عليه وعلى أبنائه وأحفاده من بعده مواقف تواطؤ أو خيانه أو بؤس روحي من نوع السكوت على العدوان أو التواطؤ مع المعتدين.. أما الذين باعوا الوطن والشعب والتاريخ بدولارات وببلوغ شهوات ونزوات.. فأولئك خارج حدود هذا المقصد ومن ثم خارج حدود من يعنيهم أو يمكن أن يعني لهم هذا النوع من الخطاب شيئاً.

وبين يدي الحدث المحتمَل وربما " المرتقب" الذي أرجو الله سبحانه أن يدفعه عنا بقدرته ورحمته، أتوجه إلى السوريين المعنيين بالأمر على ضفتي المواجهة الدامية، وإلى عرب ومسلمين في هذه الضفة أو تلك مقاتلين أو متعاطفين أو مراقبين أو.. أتوجه إليهم لأقول لهم: تذكروا أنكم تتحملون مسؤولية كبرى في هذا المفصل الزمني وأمام هذا الحدث، سواء أكنتم في موقف السلب أم في موقف الإيجاب من الفرقة الناجية المحكوم لها أم من الفرق المحكوم عليها، وأن بيدكم أن تحدوا من المخاطر على بلدكم وشعبكم وأمتكم بلجؤكم إلى العقل والمنطق والحكمة وبتحملكم المسؤولية الأخلاقية والوطنية والقومية والإنسانية عن بشر يموتون ويعانون بسببكم، وعن أبرياء من بين أولئك البشر يذهبون ضحية صراع أعمى وجنون مطبق وفتنة تنذر بالأشد الأشد، ولن يسفر ذلك كله إلا عن مزيد من العمى والعمَه والجنون ما لم تتداركوا أنفسكم ووطنكم وأهليكم ودينكم وهويتكم وما تبقى لكم من رموز وتاريخ مشترك وحضارة عبر التاريخ،. افعلوا ذلك قبل أن يفتك بكم عدو الأمتين العربية والإسلامية وعدو العروبة والإسلام، وعدو الإنسانية الصهيوني ـ الأميركي أو الأميركي الصهيوني.. وأنتم تدركون تاريخ تلك العداوة وأبعادها وأهدافها جيداً وتعرفون جيداً بعض ما أصابكم وما يصيبكم منها اليوم بأيدي هؤلاء المجرمين العنصريين سواء أكان ذلك في فلسطين أم في العراق أم في سورية أم.. وأن يتنازل بعضكم لبعض عن شيء فيه حقن للدم وإبعاد للعدوان وصون لما تبقى من حياة وعمران وعلاقات طيبة خير من أن تركبوا رؤوسكم ويعميكم الثار والحقد والتسميم المخابراتي والإعلامي والسياسي والفكري عن عدوكم وعن مصالحكم ومصالح شعبكم وأمتكم وبلادكم وعقيدتكم.. وعلينا جميعاً/ عليكم جميعاً أن ندركوا أنه في لحظة وقوع العدوان ستخسرون جميعاً وتتراكم خساراتكم وخسارات الوطن والأمة باستمرار العدوان واستمرار الاقتتال وتفريخ الشر للشر تحت أية شعارات وذرائع ومسببات. أطفئوا نار الفتنة المشتعلة بينكم بايديكم وأفواهكم، واسحبوا الذرائع، وحكِّموا العقل والمنطق والشرع والقانون وروح الأخوة والمواطَنة في كل ما شَجَر بينكم/ بيننا.. وستجدون أن الطريق إلى حقن الدم ووقف القتل ووضع حد لمعاناة الشعب المرة وتشريده داخل أرض سورية وخارجها، وجعله ضحية لمن يتاجرون بدمه وألمه ولقمة عيشه وكرامته وحريته وحقوقه.. ستجدون الطريق إلى وضع حدٍ لذلك كله أقصر بأكثر مما تتصورن، وأن هناك من المشترك الذي يجمعكم أكثر بكثير من ذاك الذي يفرقكم، وأن كل أسباب الخلاف والاقتتال تتضاءل وتتضاءل وتتضاءل أمام حكمة شعب يريد أن يصون دم أبنائه ويحمي بلده، وأن يعيش بحرية وكرامة وسيادة فوق أرضه التاريخية، بعيداً عن نزوات مجانين ومجرمين ومغامرين مقامرين لا تعنيهم سوى شهوة الحكم والغطرسة ومظاهر الصلف والقسوة وممارسة الافتراء والظلم والادعاء، وأولئك لا يمثلون المجتمع بل يمثلون أمراضاً مذهبية أو طائفية أو عرقية خبيثة يدفع ثمن ممارستهم لها الناس  الذين يلحقهم منها وبسببها ما يؤدي إلى الفت بهم وبقيمهم ومقومات حياتهم.. ولن ينجو من ذلك مع الزمن أولئك المجاني والمجرمين حيث سيطالهم العقاب وربما الاجتثاث بعدل وحزم، إذا ما ارتفع صوت العدل وحماه الشعب والمخلصون من أبنائه بحزم.

 ألا ثوبوا إلى رشدكم قبل فوات الأوان، فالفيل يانكي سيدمر الكريستال الجميل ويسحق تحت أقدامه ما يسحق من حيوات ورموز وآثار وتحف ومتاحف وآيات لا يقدرها، ولا يمكن أن يقدرها حق قدرها، فهو حيوان الغابة الهائج وأنتم بشر الحضارة الأول، وأبناء العروبة والإسلام.. ألا ثوبوا إلى رشدكم قبل فوات الأوان.