تقرير الترجمة من الاسرائيلية جدلية « السبق الصحفي » والمسؤولية الاجتماعية

الساعة 04:09 م|15 أغسطس 2013

خاص

على الرغم من العلم المسبق للإعلاميين الفلسطينيين والعرب أن الإعلام الإسرائيلي "يَدس السم في العسل"، ويتبع لرقابة المؤسسة العسكرية الأمنية الإسرائيلية؛ كون "إسرائيل" بكافة مكوناتها كانت ولازالت تنظر للعلاقة مع الفلسطينيين خاصة والعرب عموما من منظار "امني بحت"، إلا أن الإعلام "الإسرائيلي" بات يحتل مساحة كبرى دورية في الإعلام المحلي والعربي على اختلاف وسائله.

وتغذي وسائل الإعلام الفلسطينية العديد من زوياها بالنقل من الإعلام الإسرائيلي، عبر تخصص مترجمين من العبرية إلى العربية، ويكمن اهتمام وسائل الإعلام المحلية بالإعلام "الإسرائيلي" بحكم طبيعية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، كما ويهتم عدد من الخبراء في نقل وتحليل مضامين بعض الأخبار والتصريحات لقادة العدو "الإسرائيلي".

وظهرت في الآونة الأخيرة بالوسط الإعلامي الفلسطيني المحلي جدلية نقل الأخبار من وسائل الإعلام "الإسرائيلي" إلى المحلي والعربي في إطار مدى المسؤولية الوطنية والمهنية والمسؤولية الاجتماعية عند حقن الإعلام المحلي الفلسطيني بالأخبار "الإسرائيلية" على إطلاقها ونشر كل ما يقع تحت أيديهم من الأخبار "حلوها ومرِها"، لتحقيق ما تعتبره بعض الوسائل الإعلامية "سبق صحفي"، لكن آراء أخرى اعتبرت ذلك الأمر يفتقد للمسؤولية الأخلاقية والوطنية والمهنية؛ وذلك ناتج عن حساسية الأخبار التي تترجم عن العبرية.

ويأخذ خبراء في الشأن "الإسرائيلي" وإعلاميين فلسطينيين على بعض المؤسسات الإعلامية العاملة في الأراضي الفلسطينية والمنطقة العربية نشرهم لجميع ما يَرد في الإعلام "الإسرائيلي" دون التريث في التأكد من الخبر عبر مصادره المتعددة، ودون تحليل مضمونها ونشرها على تجريدها، وتغليبهم "السبق الصحفي" ونقل الخبر "الإسرائيلي" لنظيره المحلي على المصلحة الوطنية والمهنية العليا.

ونُقلت مؤخراً في الساحة الإعلامية المحلية والعربية أخبار "إسرائيلية" تبث روح الفرقة والبلبلة في أوساط الشعوب، وأضفت مزيداً من الاحتقان والتوتر، وهي كما يقول خبراء آتية من وراء الترسانة الرقابية "الإسرائيلية" على الإعلام، وسعيه الحثيث في إيصال تلك الأخبار "الشيطانية" إلى الساحات العربية مستغلة بذلك مراهقة بعض المؤسسات الإعلامية في الحصول على "السبق الترجمي عن الإعلام الإسرائيلي".

وحتى تتضح صورة الرقابة الأمنية الإسرائيلية على المؤسسة الإعلامية الإسرائيلية نورد مقولة توضح النظرة الإستراتجية الإعلامية الأمنية لمؤسس الصهيونية، ثيورد هرتزل "يجب على الصحيفة أن تكون درعًا للشعب اليهودي، وسلاحًا ضد أعداء الشعب وأن تخرج من خوذة الجنود". 

 

 

الوطنية جزء من المهنية

رئيس تحرير وكالة فلسطين اليوم الإخبارية صالح المصري يرى أن المسؤولية الاجتماعية والوطنية هي جزء من المهنية التي يجب أن يتحلى بها الصحفي الفلسطيني، فليس كل ما يقع تحت يد الصحفي قابل للنشر خاصة في ظل الحالة الفلسطينية التي تعيش تحت ظروف الاحتلال والحصار.

ويوضح الإعلامي المصري لـ"فلسطين اليوم" ان على الصحفيين فهم أن الإعلام الإسرائيلي يزور الحقائق و"يدس السم في العسل" وينشر أخبار مفبركة تخدم المؤسسة الأمنية العسكرية، ويكون في غالبها موجه ويخدم مخططات "إسرائيلية" ويستجلب ردود فعل المقاومة، داعياً الجسم الإعلامي الفلسطيني للتنبه جيدا في التعامل مع ما ينشر في الإعلام الإسرائيلي.

ويذكر المصري أن الإعلام الإسرائيلي كان جزء من الحرب عام 2009 وكانت المؤسسة الإعلامية على الدوام تخدم المؤسسة العسكرية الصهيونية، "لذلك يجب أن يكون الصحفي واعياً إلى ما ينشر ويجب أن يتحلى بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية ويجب أن يضع نصب عينة "أن السبق الصحفي ليس أهم من الوطن" والحفاظ على نسيجه الاجتماعي .

وأختتم الصحفي المصري رؤيته، قائلاً "الكلمة مسؤولية كبيرة ويجب وعلى الصحفي ان يمحصها  جيدا قبل النشر ويراعي ما وراء الخبر" .


حقل الغام

ويتفق الأكاديمي والخبير الإعلامي نشأت الأقطش مع سابقه من حيث خطورة الكلمة المنقولة من الإعلام الإسرائيلي لنظيره المحلي، وضرورة التنبه جيداً لما وصفه بالألغام "الإعلامية" التي يُراد لها أن تصل الجمهور العربي والمحلي الفلسطيني عبر الترجمة.

ويوضح د.الأقطش لـ"فلسطين اليوم" أن النقل عن الإعلام "الإسرائيلي" سلاح ذو حدين فهو من جانب يعزز المعلومات وينقل صورة عن شؤون العدو وهي الصورة الإيجابية التي يجب أن تتابع وأن تراقب وان تنقل، في حين يجب عدم التعامل مع ما ينشر بالإعلام "الإسرائيلي" عن الوضع الداخلي الفلسطيني، خاصة فيما يتعلق بالمقاومة وصراعات الفصائل الفلسطينية، أنه من الضروري عدم الاعتماد عليه كمصدر "موثوق" .

"المقالات الإسرائيلية التي تتحدث عن الساحة الفلسطينية وما يدور فيها من قضايا وأحداث تؤجج الأجواء وتبذر بذور الفتنة الداخلية وتعزز الانقسام الداخلي، فعلينا الحذر والتنقيح والتفويت"، قول الأقطش.

ويشير أن من "مصيبات النقل عن الإعلام الإسرائيلي" استقواء التنظيمات الفلسطينية خاصة "حماس وفتح" بالإعلام "الإسرائيلي" للنيل من الطرف الآخر، ويقول :"للأسف إعلام حماس يقتبس ما يريد ليُجَرح ويجرم الطرف الأخر لخدمة مصالح ذاتية وفتح كذلك، وهي أبشع صور الترجمة عن الإعلام "الإسرائيلي" ويجب الحذر من الوقوع في فخ الإعلام "الإسرائيلي" الذي تديره رؤوس ذات خلفيات إستخباراتية أمنية إسرائيلية تعمل في هذا المجال".

وحول الرقابة الأمنية على الإعلام الإسرائيلي، قال :"الإعلام الإسرائيلي ليس يتبع جهات رقابية أمنية واستخبارتية كما يظن البعض، والأسوأ من ذلك أن الإعلام الإسرائيلي بات يعتمد على الرقابة الشخصية في نشر الأكاذيب ونشر رسائل ذات مضمون معين ورسائل خبيثة محددة"، وبنظر الخبير الإعلامي فإن الرقابة الذاتية وانتماء الصحفيين "الإسرائيليين" ذو الخلفيات الإستخباراتية أكثر خطراً في نشر رسائلهم من المنظومة الرقابية العسكرية الأمنية على الإعلام.

ومن الأخطاء التي تقع فيها المؤسسات الإعلامية عند النقل من وسائل الإعلام "الإسرائيلية" –حسب الخبير الأقطش- نقل الخبر على تجريده ودون تفحصه وتنقيحه من ناحية تحليلية، ودون غربلته من المصطلحات "التي يراد لها أن تكون جزءاً من ثقافيتنا".

ويعزو الأقطش وقوع بعض المؤسسات الإعلامية في النقل السلبي من الإعلام "الإسرائيلي"، لتغليبهم "السبق الصحفي"، على المصلحة الوطنية والمهنية بل والأخلاقية في أحيان عدة.

ودعا الأقطش الإعلاميين الفلسطينيين ومؤسساتهم الإعلامية إلى ضرورة الوقوف عند كل خبر على حدة عند النقل من الإسرائيلي، وضرورة تنقيحه وتحليله والتأكد من مصداقيته من المصادر الفلسطينية والعربية الموثوقة وفي حين أفتقد الخبر للإسناد من مصادره الموثوقة لتفنيد الرواية "الإسرائيلية" ضرورة عدم نشره في الإعلام المحلي، خاصة فيما يتعلق بالأحداث العربية والفلسطينية على وجه الخصوص.

واختتم الأقطش حديثه :"على الصحفي أن يكون على دراية كافية بان جهات إسرائيلية أمنية تريد أن تجعله مجرد وسيلة لنقل الشائعات والفتن وأن يعمل لصالحها دون قصد منه وبخبث منها، بل أن هناك روايات إسرائيلية تُنقل على الإعلام الفلسطيني ومن ثم تتخذ من الإعلام الفلسطيني لها مصدر لتوقعها في شراكها أمام العالم وتستشهد بها بما يضر بالمصلحة الوطنية العليا".


جبهة هجومية "إسرائيلية"

بدوره أكد الخبير في الشؤون الإسرائيلية عامر خليل أن الإعلام الإسرائيلي "موجه" ولا يقل خطورة عن الحروب التي تشنها "إسرائيل" ضد المنقطة، مشيراً إلى ضرورة النقل الحذر والتحلي بالأخلاق الوطنية والمهنية عند النقل والترجمة من الإعلام "الإسرائيلي".

وأعتبر أن خطورة الإعلام "الإسرائيلي" تكمن في اتخاذه من بعض الوكالات المحلية ووسائل الإعلام الفلسطينية والعربية مصدراً لأخبارها ومحل ثقة وتصديق عن نظيره المحلي الفلسطيني، وإيهام القارئ بمصداقية الإعلام الإسرائيلي والتشكيك في الإعلام المحلي، والنقل المجرد دون أخذ المادة بعين النظر من ناحية مهنية ووطنية والنظر للخبر على أنه سيحقق إنجازاً للوكالة الناشرة.

 ويقول الخبير خليل لـ"فلسطين اليوم" :"بعض المؤسسات الإعلامية المحلية والعربية لا تتعامل مع الخبر على أساس بناء المصالح الوطنية بل تتعامل مع الخبر من منظور شخصي وهو تحقيق عنصر السرعة في النقل لتستحوذ على السبق الصحفي وهو أكثر ما يهدد الإعلام الفلسطيني".

ويضيف خليل :"الأصل التعامل مع الأخبار الإسرائيلية وما تنشره المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية خاصة الأخبار التي تخص إدارة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بعين الريبة والحذر وسوء الظن".

وانتقد الخبير بعض المنشورات التي تعتمد في تجريحها لطرف أخر في الصراعات الإعلامية بين التنظيمات الفلسطينية على الإعلام والترجمة من الإسرائيلية، مؤكداً أن الإعلام الإسرائيلي "يلعب على وتر الفرقة الفلسطينية"، وعلى دس الأكاذيب بما يشعل حالة الاحتقان الداخلي ويؤجج مشاعر الكراهية والغضب ضد الفلسطينيين أنفسهم.

 ولفت إلى أن الأخبار "الإسرائيلية" يجب أن تخضع للمناقشة والتحليل والتعقيب، ولا يجب أن تُنقل على تجريديها، محذراً من التعامل مع المصطلحات "الإسرائيلية" عند النقل والترجمة.

وأكد أن المنظومة الإعلامية بجميع أذرعها تخضع تحت الرقابة العسكرية "الإسرائيلية" معتبراً إياها السلاح الأمضى في إدارة البطش الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، موضحاً أن الإعلام الإسرائيلي مراقباً من قبل مكتب رئيس الوزراء بالإضافة إلى المنظمات اليهودية والصهيونية العالمية.

"الإعلام الإسرائيلي يراقب كل كبيرة وكل صغيرة تنشر في الإعلام الفلسطيني ولا ينقل جل ما تتداوله وسائل إعلامنا، بل ينقل ما يعزز جبهته الداخلية وما يتفق مع مبادئ الصهيونية ويستغل الثغرات الإعلامية، على عكس بعض مؤسساتنا الإعلامية تنقل كل ما يقع من أخبار إسرائيلية دون أدنى مسؤولية وطنية أو مهنية لتحقيق إنجازات شخصية كتحقيق سبق صحفي"، حسب الخبير خليل.

وحث المسؤولين وأصحاب القرار في الجسم الإعلامي على ضرورة تنظيم ورش عمل تحذر من مخاطر النقل العشوائي الغير مخطط، والدفع في إطار إقرار مادة إعلامية في التخصصات الإعلامية في الجامعات تهتم بأخلاقيات وفنيات الترجمة من الإعلام الإسرائيلي، وتفعيل جسم تثقيفي في النقابات الإعلامية يحذر من مخاطر نقل المادة الإخبارية عن الإعلام "الإسرائيلي".