خبر الأصولية والسلفية.. علي عقلة عرسان

الساعة 09:08 ص|13 أغسطس 2013

 هَل التراث مجرد نفق مظلم يمتد بين باصرة التاريخ المعاصرة وذاكرته القاصرة، يدخله الباحث فيه أو العاشق له فيضيع في متاهاته ويزيد في تعقيد تلك المتاهات، حتى ليخال المرء ألاّ خروج منه بعد دخول فيه، وأنه ثاني المحبسين للمبصر وثالث المحابس لمن فقد البصر، وألاّ لقاء مع العصر بعد ولوج أبوابه التي تفتح سجن الماضي؟! وهل هو نوع من إعادة إنتاج الماضي واجتراره، من دون تداخل أو تفاعل يذكر مع الأداة العصرية المنتجة والمادة التي تدخل دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج وتساهم في تكوين الرؤية العصرية بصورة ما؟!

وهل هو مما يستقر في مدى بعيد عن الحاضر يشبه هوة لا ترى منها أي أفق، قد تجاوزته حاجة الناس ولم يعد نافعاً ولا ضرورياً، ولا مما يستحق أن يُصرف فيه الجهد ويستثمَر فيه الزمن؟!

ومن وجهة نظر خاصة بنا نحن العرب يأخذ السؤال صيغة حراقة وتتفجر في ثناياه مشاعر أسى: هل تراثنا مجرد أوراق صفراء حكمتنا وتحكّمت بنا وألقتنا خارج العصر فكانت لنا قيداً وقوقعة ومنفى أكثر منها جذراً حياً وساقاً وأغصاناً تحمل أوراق كل ربيع، وتتفتح عليها براعم وأزهار تثمر في كل موسم، ومستنبَتاً غنياً، ومثابة قوية، ومستجَماً للعقل والذاكرة والروح؟ وهل يكون خلاصنا مما نحن فيه من تخلف وخلاف وتفتت وتشتت، بنبذ تلك الأوراق الصفراء التي هي ـ حسب رأي بعض أهل “معرفة ورأي” ـ مصدر كل تخلف وخلاف؟!

وهل لا يقدّم لنا تراثنا، لدى عودتنا إليه، إلا:

1 ـ متاريس "لسلفية متحجرة" ضارة، ضاربة في عمق الصحراء والماضي الرمادي والتطرف في الفهم والتصرف، وفي مدى الجهل بكل مفاتيح التقدم والمثاقفة والانفتاح، وحتى التجاهل لها؟؟!

2 ـ ومناهل للأصولية التي تتجذَّر في أصول "ما عادت هي الأصول المقبولة والمنقذة"، في زمن تعصف فيه بالناس رياح المتغيرات وعواصف عصر التَّقانة والمعلوماتية والعولمة، وغِيَرُ الأحوال وتلونها بألوان اللحظة التي تشهد في كل ثانية من ثوانيها تقدماً علمياً يرافقه أو ينتج عنه تغيير أو دفع باتجاه التغيير، حتى فيما ثبت من أصول وفروع نبتت على تلك الأصول، فضلاً عن كون تلك الأصول ـ من وجهة نظر "أهل رأي ونظر؟" ـ تنتج "إرهاباً" غير مقبول، في عصر أصبحت فيه حماية الناس من إرهاب الدولة المنظم والاحتلال الوحشي والعنصرية البغيضة وحماية الديمقراطية الانتقائية المشوشة المعايير مسؤولية دولية تساهم فيها الأحلاف وتجر إليها دول من أعناقها؟!

3 ـ عودة بالناس إلى ما وراء الزمن، وإدارة الظهر لكل ما في واقعهم وزمانهم من معطيات وحقائق ومعلومات. وجعلهم يعيشون في دوامة مقولات لا تدفع باتجاه التلاؤم مع واقع جديد يفرض نفسه على العالم، واقع لا يستطيع أن يتجاهله من يريد أن يعيش زمانه، وأن يحتل موقعاً في ذلك الزمان، ويستشرف مستقبلاً له ولأبنائه وأحفاده.؟!

4 ـ هرباً من مواجهة الواقع وأسئلته وأزماته ومشكلات أناسيّه، ونوعاً من الردود على معطيات: المكان والزمان، هنا والآن، بأقوال ووقائع ومعالجات واقتباسات واستنباطات وقياسات وفصل خطاب من: كنّا وكان، لا ينير ظلمة، ولا يرفع غمة، ولا ينقذ أمة، وهو في "نهاية المطاف" لا يدفع عنا عدواً ولا يستنقذنا من خوف وجوع، فما الذي يفيدنا رجوع إليه إذن، وما جدوى الحنين والرجوع؟!

تلك أسئلة محمولة على نعوش ألسنة وعقول، تجول في فضاء الوقت والإعلام، وتغزل شرانق من كلام حول شرائح بشرية، وتدفعها أفواه مدججة بالاتهام في وجوه من يأخذون من تراث أمتهم بقبس، ويهتمون بالتواصل معه وبتصاعد تأثيره ليبقيَ شروش النسغ موصولة وممتلئة بمقومات الحياة، فيها غذاء سائغ وغني وتروح وتجيء فيه قوافل "الجينات" محملة بقيم ومقومات هوية تصل ما بين حبيبات الجذور المنتشرة في عمق تربة الثقافة، وبين براعم تتشكل في نهايات الأغصان الدقيقة من شجرة الأمة، إبّان تشكلها وتفتحها، في آخر دقيقة من فجر كل يوم نحياه مع تدفق الحياة من حولنا وتدفقها في دمنا.

وتلك الأسئلة التي تلهجّ بها ألسنة تقطر ذلقاً أسود اللون، لا ينفع معها تجاهل لها ولا إغضاء عنها، لأن أصحابها يظنون عندئذ أنهم حبسوا الآخرين في سجون منطقهم، وأن حججهم أتت على كل الحجج، تلقفها لقفاً فعل عصا موسى بسحر سحرة فرعون حين ألقيت وأخذت تكشف ما يأفكون.. وما ذلك بصحيح من جهة ولا هو جائز من جهة أخرى، ولا هو مما يمكن أن تُشق له الطرق وتُقدم له الحجج ليستقر في النفوس وينمو في شعابها بأمان واطمئنان ويبني بنياناً راسخاً.

فالتراث ليس نفقاً مظلماً يضيع فيه الهداة، بل هو ـ من بعض الوجوه ـ النور الذي تجده في نهاية نفق مظلم وضعك فيه الجهل أو العُداة الأعداء، وغيبك فيه عن نور الحياة من بعض الوجوه. ولا بد من الإشارة بوضح تام إلى أنني لا أدخل القرآن الكريم في أنساق التراث، فهو كتاب العقيدة والإيمان والروح والهدي، نؤمن بما جاء فيه، ونحاول فهمه وتفسيره وتدبره في اجتهاد لا يغيره ولا يخرجه عن نصه ومدلوله في ظاهر أو باطن.

ولا يكون التراث متاهة إلا لمن يغرق في شبر ماء ويضل عن رؤية الحق وحقائق الأرض والسماء، ويبحث عن سفاسف الأمور التي يغص بها كل عصر من العصور وكل ثقافة من الثقافات. ولا يكون من الهداة من لا يملك بصراً أو بصيرة، ومن لا يعرف الفرق بين شخصه والحصيرة، إنما يكون ذلك من صنف الأدعياء، ويكون "هدْيه" نوعاً من التوكؤ على عصا من توهّم تنغرس في مهاوي الضلال والضباب وما ينتجه الغلو والجهل من خراب.

والتراث العربي، سواء أطال عمره وامتد إلى عهد سومر وآكد والعموريين والآراميين والسريان وصولاً إلى العرب الجاهليين، أم انطلق ـ عند بعض ذوي الآراء والرؤى ـ من رسالة الإسلام وما جاءت به من هدي وأقرته من عادات الجاهلية وتداولته من آداب أهلها، وما سجلته الأقلام والعقول بعد ذلك من أصول متينة وآراء صائبة واجتهادات وإبداع وابتداع، فهو جزء من شخصية الأمة وفي صلب العمود الفقري من جسمها الثقافي، وهو الرئة التي يلتقي في حويصلاتها الدقيقة قديم بجديد، وتحدث فيها التنقية الخلاقة من خلال تفاعل حيوي يخدم الحياة ويؤدي إلى استمرارها بقوة.

وسواء أكتب على حجر أو طين أو قصب أو رَقٍ أو ورق، ووصل إلينا مصفرّاً أو مخضراً فهو جزء من تكويننا الذي لا يعيبنا بل يشرفنا، ولا يعوقنا عن التقدم إلا بمقدار ما نكون معوقين أصلاً عن المتابعة والفهم والتفسير والتأويل، وغير قادرين على امتلاك الرؤية والمنطق والقدرة العقلية التي تغربل الآراء والأفكار والأقوال وفق منطق نقدي بناء، وتفصل القمح عن الزؤان بدراية واقتدار وحرص فتأخذ ما ينفع الناس لتبذره من جديد في حقول نفوس خصبة وتلقي الغَلَث بعيداً عن دروبهم، وتشق لهم نيّرات الدروب.

وماعطاء الإسلام في ذلك التراث إلا مشكاة النور التي تهدي وتعصِم، وهو من شخصية العرب وانتمائهم القومي في الصميم من الصميم. وما إغناؤه وإشفاؤه وإرواؤه للقلب والعقل والروح، بتوازن فريد مديد بين المادة والروح، إلا من معجزاته ومميزاته التي صمدت لكل امتحان في كل زمان ومكان، وسقطت عند قدميه الادعاءات والنظريات التي تشمرَخت حتى انفجرت في هذا الزمان وبلغ الجهل والتخلف والعدوان ببعضها حد القول إن تخلف الأمة بدأ منذ نيف واربعمئة سنة، أي مع ظهور الإسلام وبمجيئه واستمراره.. تلك قحة الدخلاء والملاحدة والجهلاء والضالين المضللين. التراث العربي خيوط من وعي ومعرفة وتجربة وإبداع وانتماء وإيمان وخصوصيات بشرية وعقلية واجتماعية وتاريخية من كل لون، تداخلت مع الآخرين، أقواماً وحضارات، وتفاعلت معهم وتمايزت عنهم في كل مجالات العمل والأمل والفكر والحياة.. وهو ذاك الذي يجدل حبال التواصل عبر الزمن بين العرب منذ أن تمايزوا عن غيرهم وتكاثروا في أرضهم وامتلكوا قوامهم ومقومات حضورهم إلى يومهم هذا، بكل ما لهم وما عليهم. وهم لا يستطيعون خروجاً من جلدهم ولا يريدون خروجاً من ذلك النوع، كما أنه لا يعيبهم ذلك الجلد، وعليهم أن يزيلوا كل طفْح أصابه أو ظهر عليه وكل ما علق به من درن لا يليق بهم ولا بمستقبلهم بين الأحياء.

وبمقدار ما ننفتح اليوم على العلم في تطوره ومناهجه وإنجازاته وتحديداته الدقيقة العميقة، وعلى المعلوماتية المتطورة بوسائلها وإمكاناتها وآفاق تقدمها، وعلى التقانة بقدراتها وضروراتها وتطبيقاتها وارتيادها وما تيسره لنا من صعب، ونستفيد من ذلك ونتواصل معه باحترام له واقتدار عليه ودراية في أبوابه، بمقدار ما نقدم لأمتنا ولتراثنا المتوحدين في كيان عضوي متكامل، مقومات التقدم والمعاصرة والانتصار في معركة البقاء الحديثة، فبالعلم والعمل والإيمان تبنى أسس الحضارات والأمم والشخصيات القادرة على البقاء والتأثير والريادة.

ولا تقع على التراث مسؤولية الذين يعيشون على الاجترار أو خارج دائرة المعرفة المتجددة والاقتدار والاجتهاد المتمكن، ولا يعرفون طرق الإبداع والتواصل الخلاق مع معطيات الماضي والحاضر ولا استشراف المستقبل، وتتركز فيهم جراثيم مادة تحوِّل كل من يتعامل معها إلى مجتر غير قادر على الإبداع والرؤية الجديدة المتجددة.

ومردود على القائلين قولهم إن المجتهدين الأوائل منذ عصر التدوين قيدوا الفكر وقيدوا الاجتهاد وأوقعوا كل مجتهد في حبائل سجن النص. فإغلاق باب الاجتهاد ليس فرضاً ولا سنة ولم يجيء بنص ذي قدسية من أي نوع، وإنما هو فعل بشر "يجتهدون" لدنياهم ونواياهم في أمور شرعية أو سياسية تحمي مصالحهم، أو هو أمر سلطة من سلط العرب والمسلمين رأت أن تغلق باباً تأتيها منه الريح لتريح وتستريح، بعد أن شعرت ببعض الضنك والأذى والتعب في عصر من العصور، من جراء "اجتهاد" قاحل أضر بها،  وربما كانت في بعض الاجتهاد مصلحة أناسي عصر أو قطر وكانت هناك حاجة إلى شيء من ذلك لبعض الوقت.

وعلى ذلك فإن التراث، والنصوص الإسلامية من التراث، والنصوص المقدسة من النصوص الإسلامية على الخصوص، لم تأمر ولا تأمر بإغلاق أبواب التأمل والتفكير والتبصر والتدبر وإعمال العقل في كل الأمور، لأن ذلك يخالف جوهر الأمر الإلهي الذي تضمنه نص القرآن الكريم في أكثر من موقع وحث على التفكير والعلم والتدبر والتأمل والتبصر.. إلخ. وقال: "يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان" والسلطان هنا علم وبرهان ومنطق وحجة ووسيلة مقبولة قادرة على تجاوز كل الحجب والمعوقات لتفتح باب الارتياد والخلق والوصول إلى ما ليس قائماً في حقل ماثلاً الرؤية البشرية "العصرية" ولا هو معروف أو متجاوز.

فالتراث من هذا المنظور يحث على المجاوزة بأصول، وعلى الأخذ بكل المناهج والسبل والأدوات والوسائل التي تمكن من تحقيق تقدم وانعتاق وتجديد في إطار استثمار الجهد والمادة والزمن لصالح الإنسان والحياة.

والتراث العربي ـ الإسلامي يرتكز على أصول هي من أركانه أو في الصميم من تلك الأركان، وجوهر ما عليه "احتجاج" من أهل "معرفة ورأي" ينصب على أصول إسلامية تحيي “أصولية" تقود إلى " الإرهاب" الذي يزعج سلطاً عربية وحكومات غربية، ويؤدي إلى ممارسات غير مقبولة ولا منسجمة مع تعاليم الإسلام السمح ولا مع قيم التراث ومقومات الشخصية العربية التي نسجتها عبر العصور عادات وأعراف واعتقادات وتقاليد راسخة في جذرها الإنساني والأخلاقي.

وفي هذا المجال أحب أن نفرق تفريقاً جذرياً دقيقاً وعميقاً وحاسماً، بين جوهر الإسلام وفعل المسلمين، فليس كل فعل يقوم به مسلم هو بالضرورة من جوهر الإسلام وفي صلبه، وليس كل ما يعترض عليه الغربيون والساسة العصريون والمفكرون الماديون من فعل يقوم به متمرد على المركزية الثقافية الغربية وأهدافها أو على السياسة الرسمية ومحرماتها، أو على الإلحاد ودعاته والمادية وبناتها وهداتها وأتباعها، أو كل مؤمن بما يرون الخروج عليه من إيمان أو كل مخالف لمجموعة من المفكرين أو المثقفين أو المنظرين أو المسيسين، هو بالضرورة على خطأ ويجب أن ينصاع للأوامر الصادرة عن مراكز ذات عصمة وقداسة من نوع آخر. فذاك هو فعل "الإرهاب" الفكري الرهيب والمصادرة والقتل في الظلام، وهو فعل مريض مرفوض. وليس كل فعل يقوم به مسلم هو بالضرورة "إرهاب" إذ لا بد من معايير ومرجعيات تحكم الأفعال والأقوال والممارسات حتى لا نقع دائماً في أحابيل موازين الأقوى وازدواجية معاييره وخدمة مصالحه والأخذ بأحكامه ومصطلحاته ومفاهيمه.

وليست العودة إلى الأصول، في كل عقيدة أو مذهب أو نظرية فكرية أو فلسفية هي عودة محكوم عليها، إلا إذا ثبت على مر الزمن وبمعايير متعارف عليها أن تلك الديانة البشرية أو العقيدة أو النظرية أو الفلسفة ذات الأصول هي في جوهرها هدامة وغير إنسانية ولا تورث إلا الفتنة ولا تقدم إلا المجرمين والخارجين على الشرائع والتشريعات والقوانين والأنظمة والأعراف.

ولم ينفذ ذلك في هذا العصر للأسف حتى بالنسبة لنظريات ثبت أنها هدامة وغير إنسانية ومدانة مثل العنصرية والصهيونية واليمين الأميركي العنصري الفاسد المفسد على الأقل. بل على العكس من ذلك، ارتفعت أسهم العنصرية الصهيونية وأتباع ذاك اليمين في حالات، وأصبحوا يتهمون الآخرين ويفتكون بهم فتكاً، ويفصلون لهم الوجوه والأثواب والتهم والمواصفات والتسميات. ليست الأصول الإسلامية في جوهر الفهم السليم الأصلي للأصول مما يعاب أو يعيب أو يؤدي إلى الانحراف، أو مما يقود إلى ممارسات إجرامية وإرهابية وفتنوية، حتى يتم ربط كل عودة لأصول الإسلام بالإرهاب ويُحكَم على الأصولية بأحكام سلبية وتصبح تهمة يحاسب عليها العرف والقانون "والفكر الحر" واجتهاد بعض المجتهدين(؟!؟) إن ما يتم في هذا المجال هو سحب المفهوم الغربي للأصولية المحافظة العدوانية على مفهوم الأصولية الإسلامية السمحة، وسحب الفهم القاصر والجهل المقيم والغلو على النصوص.. وهذا خطأ فادح.. وكذلك الأمر حين تتم مقاربة السلفية النقية النظيفة وسير وسلوك السلف الصالح. وعليه فإن ممارسة بعض “تيارات الإسلام السياسي" أو بعض الأفراد المتطرفين ليست هي بالضرورة ممارسة للأصولية الإسلامية أو عودة إلى أصول العقيدة وترجمة عملية شرعية فقهية لها بكل الدقة والأمانة والوضوح والفهم والاحتكام النهائي، وليست كلها بالضرورة "إرهاباً" أو خروجاً على القانون!! فمقاومة "إسرائيل" العنصرية المحتلة لفلسطين والجولان ومزارع شبعا، والاحتلال الأميركي لأرض العرب والمسلمين، حين يتمسك بها عرب ومسلمون ليست إرهاباً ولا عداء لأتباع ديانات إليهية وأهل كتاب يقوم على أسس دينية بل هو مقاومة مشروعة واجبة للعدوان والاحتلال والقتل والاستعمار، ودعوة إلى الدفاع عن النفس والأرض والعرض والمقدسات وممارسة جهاد يُحضّ عليه في كل الشرائع والقوانين والأعراف، وقضية إنقاذ واستنقاذ لروح الأمة ومصالحها وأرضها وأبنائها.

ومن ثم فإن هذا الجزء من التراث الإسلامي وهذا الكيان النهائي من التراث العربي الإسلامي لا ينبغي أن يؤخذ بجريرة فعل فاعلين بمجرد استنادهم إلى انتماء سياسي يقوم بفعل سياسي يدعي بدوره أنه يستند إلى الإسلام. ولا يجوز أن ينسحب ما يطلق عليهم من حكم ذي طبيعة سياسية على جوهر الشخصية العربية الإسلامية، وعلى التراث العربي الإسلامي، وعلى جوهر العقيدة الإسلامية على الخصوص.

أما "السلفية المتحجرة" التي يقول فريق من ـ أهل معرفة ورأي ـ بأنها من نتائج تعلق بالتراث، وبالتراث الإسلامي تحديداً، فهي قضية تحتاج إلى تمحيص تكون فيه استفاضة، وسأكتفي هنا بمجرد طرح بعض الأسئلة على عتبة ذلك.

 ـ هل "السلف" المنظور إليه باحترام وتقدير في كل أمة من الأمم هو بالضرورة قدوة غير صالحة تعيق تقدم الناس وتمنع رياح العصر والتقدم والحضارة من الهبوب؟!

 ـ وهل الشعوب التي تقدم رجالاً قدوة بوصفهم منارات ونماذج يقتدي الناشئة بفعلها وسلوكها وقيمها ويستفيدون من علمها ونهجها هي على ضلال في ذلك تربوياً وعلمياً وعملياً وقومياً ووطنياً؟!

 ـ وهل كل سلف تم تجاوزه من قبل الخلف حتى تصبح العودة إليه قيداً وتخلفاً، أو يصبح عدم تجاوزه عملياً قيداً من القيود أيضاً؟!

 ـ وهل نتساوى نحن العرب والمسلمين مع غيرنا في هذه النظرة، أم أنها نظرة مفصّلة لنا ومحكوم بها علينا وعلى سلفنا فقط؟!

 

 ـ وهل كل صالح من فعل أو قيمة أو شخص أو فكرة أو قول أو سلوك أو نهج هو بالضرورة قيد وسبب تخلف وصفة تحجّر وعلة لمعلول؟! أم أن ذلك ينحصر ـ بوصفه تهمة ومجموعة من السلبيات ـ  بالعرب المسلمين، ويوجه إليهم من قبل أعدائهم والمتحالفين من أبنائهم مع أولئك الأعداء، أو الواقعين تحت تأثيرهم والسامدين في ظلال تبعية سياسية وثقافية و.. سواء أعرفوا ذلك أو لم يعرفوه؟!؟.

إن هذا الأمر يحتاج، كما قلت، إلى شيء من التمحيص والتدقيق باستفاضة، ولا بد من عودة لذلك الأمر بعون الله.

 

دمشق

 

                                                                       علي عفلة عرسان