خبر ثمن الاستبداد في مصر... هآرتس

الساعة 10:58 ص|12 يوليو 2013

بقلم: نحاميا شترسلر

(المضمون: ان الازمة الحقيقية في مصر هي ازمة اقتصادية تهدد بمصير مصر الى الافلاس والى حرب بقاء تأكل الاخضر واليابس - المصدر).

ما هو الشيء المشترك بين الاحتجاجات والتظاهرات التي حدثت في البرازيل واندونيسيا وبلغاريا وتركيا واليونان وفرنسا واسرائيل وفي مصر الآن ايضا؟ انه الوضع الاقتصادي. فمن وراء الغضب كله يكمن فرق كبير بين الحياة التي تريد ان تحياها وبين الواقع. وهذا هو المحرك لموجة الاحتجاجات العالمية. وحينما يكون الفرق في مصر بين التوقعات والواقع ضخما تكون النتائج ايضا هي الأشد سوءا.

عند الديمقراطيات اختراع خاص بالنسبة للاحتجاجات الجماعية. فقد هيأت لنفسها مرونة عجيبة تُمكن من الاستجابة للضغوط التي تنفجر من أسفل. فالسلطة الديمقراطية تعرف كيف تقف وتصغي للجموع وتلبي بعض رغباتها، وهكذا تفتح صمام الأمن وتُخرج الغضب وتُمكّن من البقاء في كرسي الحكم. ولا يوجد في النظم المستبدة صمام أمن كهذا. ففي النظام الاستبدادي يستهين المستبد بالجموع ولا يستجيب لصراخهم ودعاواهم الى أن تغلي القِدر وتنفجر وينهي المستبد حياته بمحاكمة ظاهرة أو موت مُهين. وهذا ما يحدث الآن بالضبط في مصر.

لم تكن مصر قط ديمقراطية. فقد حكمها دائما مستبد من المستبدين. كان الفراعنة هم الذين فعلوا هذا قبل آلاف السنين، وجاءت بعد ذلك أسر الملوك، وجاء منذ منتصف القرن العشرين حكام مختلفون تولوا الحكم بفضل دعم الجيش. في ثورة كانون الثاني 2011 وجد كثيرون آمنوا ان مصر تتحول في آخر الامر الى الديمقراطية لكن تبين سريعا ان الانتخابات الديمقراطية يمكن ان تأتي بمستبد جديد، أعني الاخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي.

للاخوان تصور عام اسلامي متطرف يناقض الديمقراطية. ولم يعترف مرسي بحقوق الأقلية ولا بحدود القوة، ولم يكن مستعدا لتنازلات ولا لأحلاف سياسية مع احزاب علمانية. وأجاز دستورا اسلاميا وطارد كل جهاز قوة آخر: القضاء والاكاديميا والاعلام. وأظهر النفور من العلمانيين والليبراليين ودعا النساء الى البقاء في مكانهن الطبيعي – البيت وعمل مثل كل المستبدين الذين سبقوه.

وكانت النتيجة سنة فظيعة من جهة اقتصادية، فقد انهارت السياحة وهرب المستثمرون وبدأ أثرياء مصر يُهربون اموالهم الى الخارج. وانخفض النمو وارتفعت البطالة وارتفعت الاسعار بصورة هائلة وأغلقت 5 آلاف مصنع أبوابها.

إن احتياطي مصر من العملات الاجنبية الآن في حضيض خطير يبلغ 13 مليار دولار. وتحولت مصر من دولة تصدر النفط والغاز الى دولة تعاني نقصا في الطاقة مع انقطاع الكهرباء لفترات طويلة في الحرارة الملتهبة، ومع صفوف طويلة ساعات في محطات الوقود. بل أصبح السفر في الطرق خطرا لأن البلطجية قد يوقفونك في وسط الطريق ويسرقون السيارة ويطلبون فدية من أبناء عائلتك لأنه حينما تضعف السلطة يرفع العنف رأسه وتضعف الشرطة ويسيطر القبضايات والعصابات على الشوارع.

ان الازمة الاقتصادية وتهاوي ايرادات الضرائب أوصلا الخزينة العامة الى عجز مالي ضخم بنسبة 12 في المائة في حين تبلغ البطالة نسبة 13 في المائة – بحسب المعطيات الرسمية، لكن الحقيقة أقسى لأنه يبدو ان البطالة تقف على نسبة 25 في المائة! والدين العام يتضخم والفائدة المصرفية تبلغ أعلى المستويات.

هذه مشكلات لا يمكن حلها في سنتين أو ثلاث، لكن لا صبر عند أحد لينتظر حتى سنة واحدة. لأن كل سلطة تتجرأ على تقليص الميزانية العامة أو خفض الدعم الحكومي للغذاء والوقود ستجد نفسها تواجه تظاهرات ملايين وتسقط. ومن الواضح من جهة اخرى انه لا احتمال مع هذه المقادير من العجز المالي لأن تحصل مصر على ائتمان من أي جهة دولية بحيث تخطو نحو إفلاس مؤكد.

إن الافلاس في مصر يعني 84 مليون شخص ليس عندهم (تقريبا) ما يأكلونه. وهذا وضع خطير يفضي الى حرب بقاء ستبدو المواجهات الحالية مثل ألعاب اولاد بالقياس اليها. إن مصر توشك ان تدفع ثمن الحكم الاسلامي المستبد الذي سرق ثورة 2011 وأسقط حسني مبارك، لكنه أسقط نفسه ايضا وأسقط مصر كلها.