خبر الفلسطينيون لا يريدون العودة لمفاوضة اسرائيل -هآرتس

الساعة 08:32 ص|07 يوليو 2013

الفلسطينيون لا يريدون العودة لمفاوضة اسرائيل -هآرتس

بقلم: عميره هاس

        (المضمون: إن محمود عباس الذي يميل الى العودة لتجديد المحادثات مع اسرائيل بحسب مخطط كيري يسمع للولايات المتحدة أكثر مما يسمع لجمهوره الذي يعارض أكثره المحادثات كما يُظهر استطلاع جديد للرأي - المصدر).

        يعارضون لكنهم غير مهتمين حقا – هذا بجملة موجزة موقف الفلسطينيين من العودة لمفاوضة اسرائيل بحسب خطة حددها وزير الخارجية الامريكي جون كيري. لكن يبدو ان رئيس م.ت.ف محمود عباس يحتسب في جملة تقديراته الغضب الامريكي المتوقع أكثر من احتساب الموقف السائد وصورته في نظر الجمهور. ويميل عباس كما يقولون في دوائر م.ت.ف الى العودة للمحادثات بشروط تختلف عن الشروط التي اشترطها أولا.

        إن الثورة المستمرة في مصر – وقبل ذلك فوز محمد عساف بـ "محبوب العرب" – شغلا ويشغلان الجمهور الفلسطيني أكثر من رحلات كيري. لكن في الوقت نفسه حينما يُسأل غير المهتمين عن رأيهم في تجديد المحادثات مع حكومة اسرائيل يُعبرون عن معارضتهم. ولعدم الاهتمام والمعارضة مصادر مشتركة: أولها الاستنتاج العام الجازم أن حكومة اسرائيل سعت أكثر من مرة الى إخضاع الفلسطينيين حينما كانت تتحدث عن اتفاق، ولذلك فان الافتراض أن كل مفاوضة لها محكوم عليها سلفا بفشل أو بأزمة وطنية. والثاني عدم الثقة بالقيادة الفلسطينية وتشخيص أنها أضعف وأعجز مما كانت قط.

        حصل الانطباع العام عن معارضة واسعة للمحادثات على تقوية في استطلاع للرأي العام أُجري في منتصف حزيران بين فلسطينيين في الضفة الغربية (ويشمل ذلك القدس الشرقية) وفي قطاع غزة ونشر هذا الاسبوع. يقول استطلاع الرأي عن المعهد الفلسطيني لبحث السياسة واستطلاعات الرأي ان 56 في المائة من الفلسطينيين يعارضون في مقابل 38 في المائة يؤيدون تجديد التفاوض الذي أسسه هي: دون شروط مسبقة، وحصر الاهتمام في الحدود والأمن وخطة "مارشال" اقتصادية في المناطق المحتلة. ويقول مدير المعهد الدكتور خليل الشقاقي إن أكثر الفلسطينيين (نحوا من 54 في المائة) ما زالوا يتمسكون بخطة فتح الوطنية وهي تحقيق السيادة وحق تقرير المصير في دولة في حدود 1967 الى جانب اسرائيل، وإن كان أكثرهم يعتقدون ان احتمالات ذلك ضعيفة الى غير موجودة. ان هذا الاستنتاج لا يزيد في عدد مؤيدي حل الدولة الواحدة (30 في المائة بحسب استطلاع الرأي الاخير) في مقابل 69 في المائة معارضين.

        قالت نشيطة نسوية وعضو في منظمة نساء ذات صلة بـ م.ت.ف لصحيفة "هآرتس" إن معارضتها هي وكثيرين من الرجال والنساء الذين تتحدث اليهم بفضل عملها تقوم على عدة مستويات. "إن اللغة حول التفاوض وتجديده تقوم على الخطاب الاسرائيلي وتنبع من الهيمنة الاسرائيلية"، تقول. و"تعريفات" "الأمن" و"العنف" و"الدولة" و"الارهاب" هي من وجهة نظر اسرائيلية بصورة مسبقة. "فالأمن هو أمن اسرائيل دائما، والعنف والارهاب هما للفلسطينيين على الاسرائيليين، واسرائيل هي الدولة التي يُطلب إلينا ان نعترف بها حتى وهي لم تحدد حدودها".

        وتقول: "في نفس الوقت الذي يضغطون فيه علينا للعودة الى محادثات مع اسرائيل، تقوى فقط هجمات المستوطنين والجيش على سكان الضفة الغربية. وقد أضعفت هذه الظواهر التي تحمينا اجهزة السلطة منها في نظرنا السلطة الفلسطينية وعباس أكثر. أي تفاوض جدي يمكن ان يجريه في وضع ضعيف جدا كهذا؟"، أضافت.

        إن عدم قدرة السلطة على حماية مواطنيها من هجمات المستوطنين يُثار في أحاديث كثيرة. وقد يكون هذا هو السبب بحسب استطلاع الرأي الذي يجعل نسبة المزارعين الفلسطينيين الذين يعارضون تجديد الاتصالات هي العليا، وهي 74 في المائة.

        ويؤكد هاني المصري، مدير "مسارات"، وهو مركز بحوث ونقاشات استراتيجية مقره في رام الله، يؤكد هو ايضا ضعف الموقف الفلسطيني الذي لا ينبع كما يقول فقط من الانقسام بين حماس وفتح بل من اختلاف في الرأي ايضا في داخل السلطة الفلسطينية وفي داخل فتح. وبسبب كل ذلك، يقول، مع الازمة الاقتصادية – الاجتماعية التي دُفع اليها المجتمع الفلسطيني، ليس عند الجمهور الفلسطيني ثقة بقيادته وبقدرتها على تحسين الحال. "إن قيادتنا تصدر عنها معلومات متناقضة، فهي تقول من جهة انه لم تكن مفاوضات، وتعترف من جهة اخرى بأنه أُجري في السنتين الاخيرتين عشرات اللقاءات السرية بين الطرفين لم تُحرز أي تقدم. ويقول متحدثون مختلفون كلاما مناقضا عن نية الفلسطينيين التخلي عن شروطهم والعودة الى المحادثات، ويزيد هذا في عدم الثقة". ويقول ايضا "توجد معارضة للاتصالات أكبر مما كانت في الماضي ولا سيما بسبب تصريحات اعضاء كنيست اسرائيليين مثل داني دنون ونفتالي بينيت".

        ويضيف المصري ايضا ان جميع خيارات تعزيز الموقف الفلسطيني كالنضال الشعبي واستمرار مسار القبول لمؤسسات الامم المتحدة والمصالحة بين فتح وحماس قد تبنتها السلطة الفلسطينية باعتبارها تكتيكا مؤقتا فقط وذلك كي تفضي الى تجديد المحادثات وتكسب وقتا في الحكم لا باعتبارها استراتيجية جدية.

        ويقول نشيط في احدى مجموعات الشباب أُنشئت في السنتين الاخيرتين لغرض تغيير الاستراتيجية الفلسطينية "نحن معارضون كل المسيرة التي تسمى مسيرة السلام ولا نعارض فقط العودة الى التفاوض". وقال: "إن التفاوض يعطي اسرائيل ورقة تين للاستمرار في مسارها الاستعماري، وبسبب الحديث في ذلك تم وقف الاجراءات الفلسطينية في الامم المتحدة ووقف مسار المصالحة مع حماس. والحديث في التفاوض يوقف خطوات اوروبية في مواجهة المستوطنات ايضا. يقولون لنا إنه يجب انتظار مبادرة كيري ومنحه فرصة وهكذا نخسر وقتا مرة اخرى".

        ومع كل ذلك فان توزع نتائج الاستطلاع الأخير يُبين ان نسبة الشباب الذين يعارضون العودة الى الاتصالات ليست أكبر من نسبة مجموعات اخرى، بل انها أقل بين أبناء 18 – 28: فـ 43 في المائة منهم يؤيدون في مقابل 51 في المائة يعارضون. والى سن الـ 50 فان التأييد والمعارضة يشبهانهما عند سائر السكان، أما عند أبناء الـ 50 فما فوقها على الخصوص فان نسبة معارضة العودة للتفاوض هي 64 في المائة (في مقابل 30 في المائة مؤيدين).

        على حسب استطلاع الرأي يؤيد 38 في المائة العودة الى المحادثات. فمن هم؟ في حديث الى دبلوماسيين قال مسؤول كبير في م.ت.ف انه لو جيء بهذا الشأن ليتم الاقتراع عليه في اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف لأيده في الاقتراع 6 فقط من 18. إن اللجنة في الحقيقة لم تعد حكومة الفلسطينيين الفعلية، لكن كانت هذه هي طريقة المسؤول الكبير ليشير الى أن اعضاء فتح فقط في اللجنة هم الذين سيؤيدون موقف عباس الذي يلوح في الأفق ويكون هذا فقط عن ولاء وطاعة للحزب. ويفكر المصري من جهته في الطبقة الاقتصادية الاجتماعية من طبقة وسطى عالية وأثرياء جدد تشكلت وأصبحت متعلقة بمؤسسات السلطة والمنح الدولية لها، وهي طبقة معنية بالهدوء الذي أحد علاماته هو تفاوض مستمر. إن نشيطا من المجموعات الشابة يقول بصراحة أكبر إن العودة للتفاوض تفيد في بقاء عباس. ويُقدر هو والمصري ايضا ان عباس لا يريد ان تلقي الولايات المتحدة عليه بالمسؤولية عن ازمة جديدة.

        وتشير معطيات استطلاع الرأي مع ذلك الى ان الحد بين المؤيدين والمعارضين لم يحدده الانتماء الطبقي. فعلى حسب الاستطلاع 66 في المائة من التجار و62 في المائة ممن يؤجرون أكثر من 4800 شيكل يعارضون العودة الى الاتصالات. وأقل من ذلك نسبة المعارضة بين أصحاب الأجور المنخفضة والعمال (فوق 50 في المائة بقليل). ويمكن ان نستنتج ان الخوف عندهم – من اولئك الذين ليست لهم أملاك في الخارج – كبير من عدم اليقين وزعزعة الوضع الراهن، وهم يأملون ان تصلهم مكاسب الرزمة الاقتصادية التي يعرضها كيري.

        وفي مقابلهم قال رجل اعمال فلسطيني لعالم اجتماع فلسطيني انه مستعد لمساعدة نضال شعبي مع مواجهة السلطة الاسرائيلية، لكن المستوى السياسي على الخصوص هو الذي أوحى اليه عدم الاتجاه الى هذا التوجه. ويقول المصري انه بازاء القتل في سوريا والفقر وعدم الاستقرار في مصر بدأ الناس "يقولون إن الحال عندنا أفضل". أي أنه لا ينبغي المسارعة والمعارضة. ويضيف مصدر في م.ت.ف انه لو شاء ان يُبين عباس موقفه للجمهور المؤيد لتجديد الاتصالات لقال لهم إن الكلام على نضال شعبي حسن لكن الجمهور لم يُظهر الى الآن استعدادا للانضمام بجموعه الى مظاهرات ومواجهات للجيش.

        وفي المجتمع الدولي لا تتجرأ حتى الدول التي هي أقرب الى الموقف الفلسطيني على مواجهة الولايات المتحدة وطلب ان تضغط على اسرائيل. فالدول العربية غارقة في شؤونها، أما الدول الصديقة على نحو خاص (مثل البرازيل) فتُلح على الفلسطينيين ان يعودوا الى المحادثات كي تستطيع الدفاع عن مواقفهم. وعلى حسب قول هذا المصدر من م.ت.ف يفضل حتى من يعتقدون ان احتمال الدولتين قد انقضى ان يمتنعوا الآن عن زعزعات لا داعي لها من اجل التمكين من انشاء خيارات اخرى ومبادرات اخرى وتمكين قيادات جديدة من التشكل وصياغة برنامج عمل جديد. وقد يكون هذا هو السبب الذي جعل مجموعات الشباب التي تعارض السلطة الفلسطينية لم تبادر الى أية مظاهرة على العودة للاتصالات. "لماذا نتظاهر على ما سيفشل مسبقا"، قال النشيط الشاب. "لنا ترتيب أفضليات مختلف".