خبر يتنبأون وبعدها يفكرون -معاريف

الساعة 08:31 ص|07 يوليو 2013

يتنبأون وبعدها يفكرون -معاريف

بقلم: تشيلو روزنبرغ

        (المضمون: مصر غير قابلة للتقدير العقلي لان الفوضى هي التي تسيطر وستبقى تسيطر لزمن طويل آخر. دون مساعدة من الخارج لن تقوم قائمة لمصر - المصدر).

        في أوقات الازمة يتسابق المحللون والخبراء باختلاف أنواعهم على من سيتنبأ أولا بما سيأتي. والمرة تلو الاخرى، بثبات لا يوجد أقوى منه، يتبين بان اولئك الانبياء الذين يقولون لمن اعطيت النبوءة بعد خراب البيت ولكنهم يتصرفون بشكل معاكس تماما، مرة اخرى يتنبأون بالوضع في مصر بل ويقررون بانه من المؤكد سيكون الحال افضل مما كان حتى الان، منذ صعود مرسي.

        لو كان هؤلاء يتحدثون كالناس العاديين، لكان الصحفيون الذين يجرون المقابلات معهم سينبشون في ملفاتهم الاعلامية، ويفحصون توقعاتهم ويحللون تحليلاتهم الفهيمة ليصلوا الى الاستنتاج بانه بين ما تنبأوا به والواقع توجد هوة كبيرة. واحتراما لهم، لن نذكر هنا اسماء، ولكننا بسهولة يمكن أن نجد في أقوالهم ما يثير السخرية.

        الوضع الثوري لا يكون ابدا قابلا للتوقع الدقيق. فمن يستطيع مثلا ان يتوقع هل النظام الذي سيقوم في مصر بعد نهاية الثورة افضل؟ هل الثورة حقا بدأت كردة للاصولية الاسلامية ومحاولة مرسي فرض دستور ديني؟ لا يقين. والدليل هو أن مرسي انتخب بشكل ديمقراطي من اغلبية كبيرة من المواطنين. فهل الذين انتخبوه لم يعرفوا ما هي عقيدته السياسية؟ بالتأكيد عرفوا ومع ذلك انتخبوه.

        وهاكم اقتباسا من مقال لاحد المحللين المعتبرين، من الخبراء في الشؤون العربية الذين ينالون التقدير وله علاقات مع العالم العربي: "من الصعب ان نتواسى بهذا بالطبع، ولكن من الافضل ان تكون شخصيات علمانية في قمة النظام الجديد في القاهرة، تحت تأثير قوي للقوات المسلحة، من متزمتي الدين. نظام يستعين بالسعودية افضل من نظام يستعين بقطر. نظام يركز على الازمات الداخلية في بلاد النيل افضل من نظام له رؤيا عموم اسلامية". ظاهرا، أقوال معقولة. غير أنه كان يجدر وضع تحفظ كبير على هذه الاقوال. متزمتو الدين في العالم العربي والاسلامي هم حقيقة قائمة. والدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة واسرائيل أدارت، ولا تزال تدير، شبكات علاقات ممتازة مع هذه الانظمة. ومن جهة اخرى، لدينا غير قليل من النماذج لانظمة عربية علمانية أوقعت مصيبة على شعوبها وعلى محيطها.

        ناصر لم يكن اصوليا اسلاميا؛ والسادات بالتأكيد لم يكن؛ زعماء المملكة الهاشمية لم يكونوا ال علمانيين واضحين؛ الاسد الاب والابن لم يسكنا كل حياتهما في المساجد واتبعا الشريعة؛ صدام حسين والقذافي لم يكونا متزمتين دينيا. وهناك نماذج كثيرة. كما لا توجد فروقات جوهرية بين الرغبة في انتهاج سياسة عموم اسلامية وبين ارادة القيادة العموم عربية مثل ناصر. هذه نذلة وتلك جيفة.

        وعليه فان القول ماذا سيكون في المستقبل أفضل، هو تخمين جيد مثل كل تخمين في اليانصيب. مصر مبارك كانت مستقرة، ظاهرا. من ناحية اسرائيل، شكل مبارك ضمانة لمواصلة اتفاقات السلام والهدوء النسبي على الحدود. هذا كثير جدا. محلل عسكري محترم يقول: "من ناحية اسرائيل هذا تطور جيد. صحيح أن في عهد مرسي العلاقات مع مصر كانت جيدة، ولكن حماس في غزة تلقت ريح اسناد من مرسي والاخوان المسلمين. اما الان فلديها عصي في الدواليب. تهديد الارهاب من سيناء من غير المتوقع أن يكون اسوأ مما عليه اليوم. وفي عهد مرسي وعهد مبارك على حد سواء لم تكن لمصر سيطرة كاملة في سيناء، ولهذا فان الوضع لا يتغير". هذا تفاؤل جدير بالاشارة، ولكن على ماذا يستند؟ ربما على خريطة النجوم. مصر توجد في وضع فظيع من ناحية اجتماعية واقتصادية. ليس مرسي ولا اي زعيم آخر سيأتي سيكون قادرا على حل أزمات مصر في سنة أو سنتين. لم يعد للشعب المصري صبر، ومثلما خرج الملايين الى الشوارع ضد مرسي، هكذا سيحصل لاحقا ايضا. مصر غير قابلة للتقدير العقلي لان الفوضى هي التي تسيطر وستبقى تسيطر لزمن طويل آخر. دون مساعدة من الخارج لن تقوم قائمة لمصر. ومثل هذه المساعدة لا تلوح في الافق. ولهذا فان الاستنتاج هو أن الوضع قد يتدهور الى فوضى مطلقة. فهل عندها أيضا سيكون هذا جيدا؟