خبر « فلسطين اليوم » في سجن غزة تحاور « مدمني المخدرات »!

الساعة 01:11 م|19 يونيو 2013

غزة

 فاقت الجرأة في استهداف أهالي قطاع غزة كل الحدود، من جهات عدة أبرزها الاحتلال وأعوانه، لتتخطى النيل من الذات الشخصية، إلى الإضرار بعموم المواطنين عبر "الترويج وتجارة المخدرات"، بل وتعزيز "ثقافة الإدمان" عند البعض عبر قنوات عدة، والهادفة للنيل من عزيمة المواطن في غزة.

تجار المخدرات الذين فقدوا جميع الصلات الدينية والوطنية تجاه أوطانهم، عبر قنوات الاحتلال تحولوا للعبة في يد المحتل الإسرائيلي بطريقة أو بأخرى، من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون، حتى بلغ بهم الحد للإيقاع والنيل من أقربائهم، وجيرانهم، في صورة تتنافى وآدمية الإنسان.

وحسب إفادات أمنية واجتماعية فإن "تجار المخدرات ومدمنوها"  نشئوا في بيئة مفككة أسرياً، ومنحلة أخلاقياً، ما دعاهم للهرولة في هذا الاتجاه "المنبوذ"، والذين بات "مصيرهم محتوم" خلف قضبان سجون الأمن في قطاع غزة، في عِقاب "لما جنته أيديهم" من جرائم بحق مواطني قطاع غزة، ومن وقع في شراكهم.

 

رفقاء السوء

"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية" دخلت احد أقسام السجون التابعة  لوزارة الداخلية بغزة، وحاورت احد تجار المخدرات، للوقوف على حقائق ومعلومات ممن ارتكبت أيديهم خطيئة توزيع الموت في غزة.

تاجر المخدرات (م. ع) 40 عاماً والملقب بـ"الصقر"- لكن ذلك اللقب لم يكن يمت بصلة لـ(ع) أو أخلاق ذلك الطائر"كريم النفس عفيف الشرف"-, ويعتبر (ع) من أصحاب السوابق والجرائم بقطاع غزة، وتهمته الأخيرة ضبطه وبحوزته مادة "الحشيش" المخدرة. 

"الصقر" كما لقبه تجار المخدرات، يقول:"بدأت قصتي مع تعاطي المخدرات عندما كنت صغيراً وتعرضت لتعذيب كبير على يد أبي وأشقائي وجدي، بسبب التدخين، ومن ثَم الانحدار إلى كارثة رفقاء السوء الذين هم نواة التعاطي".

ويضيف :"بدابة الأمر كان عندما عرض علي أحد رفقاء السوء في وقت كنت فيه بعصبية شديدة جراء مشاكل عائلة وأسرية سيجارة مليئة بالمواد المخدرة، وأخبرني أنني سأكون بخير وسعادة تامة، وتعاطيت السيجارة، وبدأ مسلسل الانحدار والتعاطي".

لم يكن (ع) يتصور أن يتدرج فيه الأمر إلى أن يصبح  أحد الموزعين الأوائل في قطاع غزة للمواد المخدرة "حسب ضابط التوقيف"، لكنه قال :"ذلك الكار وتلك الصحبة من الأشرار يجعلونك تتدحرج إلى الهاوية دون الشعور بالإثم والندم، إلا عندما تكون في خطر حقيقي كموقفي هذا".

وكانت قنوات (ع) لتجارة المخدرات وجلبها وتوزيعها عبر تجار آخرين ذو خبرة في التهريب عن طريق الأراضي المصرية وقوات الاحتلال، والذين حسب ما أفاد "حسب ضابط التوقيف" أنه سلَمهم وذكر أسمائهم وأماكنهم وجميع تفاصيلهم للعدالة في غزة.

وأشار (ع) إلى قوة الجهود الشرطية الخاصة بمكافحة المخدرات وتجفيف منابعها بغزة، مشيراً أنهم يتمتعون بحس امني وذكاء معلوماتي كبير في جميع النواحي.

 وكانت وزارة الداخلية أطلقت مؤخراً حملة وطنية لمواجهة المواد المخدّرة وحبوب "الأترامادول" بالتعاون مع القوى الوطنية والوجهاء والمؤسسات المجتمعيّة المختلفة؛ على أن تمتد لثلاثة أسابيع "توعوية وتثقيفية".

 

حالة استهداف

أما الهدف الرئيسي من وراء نشر المخدرات بالقطاع فأوضح التاجر (ع) أن التجار بالإضافة إلى ابتغاء الربح وتحقيق الثروة الفائضة يهدفون إلى إهدار كرامة الشباب الفلسطيني، ونشر الرزيلة والفساد، والجريمة بالمدينة، وابرز الفئات المستهدفة (حسبه) الأسر المفككة والشاب الملتزم للنيل من عزيمته، والعاطلين عن العمل.

"تاجر المخدرات لا يعنيه من يدمن أو لا، فقط يعنيه أن يكسب المال، ويهدر الكرامة" هذا ما قاله التاجر (ع).

وذكر أن 90% من مدمني الكحول والمخدرات هم من فئة الشباب، وهو ما يدلل صحة التقارير الأمنية التي أوضحت أن الاحتلال يستهدف تلك الفئة على وجه الخصوص.

وتابع (ع) وعلامات الندم والتأسي على مصيره مناشداً الشباب الفلسطيني بضرورة الابتعاد عن التعاطي، وإدمان الكحول والمخدرات، نظراً لتدميرها جلَ مكونات المجتمع والذات الشخصية.

ويؤكد (ع) أن اعتقاد سلبي يسود عموم المدمنين على المخدرات، أنه يجلب لهم السعادة، والتركيز، والتنبه، لكنه أشار أن ذلك الاعتقاد خاطئ بل يؤدي إلى أضرار صحية وطبية متنوعة وجسيمة، أقلها الإصابة بمرض التهاب الكبد الوبائي.

وتعد مشكلة المخدرات من اخطر المشاكل الصحية والاجتماعية والنفسية التي تواجه العالم أجمع وطبقا لتقديرات المؤسسات الصحية العالمية يوجد حوالي 800 مليون من البشر يتعاطون المخدرات أو يدمنونها.

والإدمان على مخدر يدفع المدمن إلى الحصول على المزيد لتعاطيه، بأي وسيلة وزيادة جرعته من آن لآخر، مع صعوبة أو استحالة الإقلاع عنه سواء للاعتماد ( الإدمان ) النفسي أو لتعود أنسجة الجسم عضويا.

وذكر مدمن المخدرات:" استحالة شفاء مدمن المخدرات، وان يعود إلى ما كان عليه قبيل الإدمان".

ودعا المدمنين إلى ضرورة توفير النقود المستخدمة في شراء المواد المخدرة بما يُصلح حالهم الاجتماعي والاقتصادي.

ويعاني التاجر والمتعاطي (ع) من امراض عدة نتيجة تعرضه للمواد المخدرة، حيث أنه مصاب بالتهاب الكبد الوبائي درجة (دي)، ضعف عام بجسده، فشل كلوي، ارق، التهابات في مختلف أنحاء جسده، بواسير، إضافة إلى الإرهاق النفسي وأبرزه الشعور بالذنب والندم. 


دمعة !

"أكثر ما يعذبني ويشعرني بالذنب والندم على ما اقترفت، نظرة المجتمع لي، ولأبنائي الذين لم يرتكبوا خطاً، وأمنيتي أن احتضن أولادي بجانبي، واعمل على تربيتهم تربية حسنة" قول (ع).

ويتابع بحرقة:"نظرة الناس في قطاع غزة وافتضاح أمري أمام العوام، هاجس أعيشه كل لحظة، وعيون الناس لي أحسبها سهام تدق في جسدي وفي لحم أولادي".

جل أمنيات (ع) أن تُخفف عنه عقوبة السجن ، وأن يعود إلى بيته برفقة عائلته، التي لم يراها منذ فترة كبيرة بطلب منه، درءاً للحرج أمام أولاده وزوجته لما آل إليه مصيره.

وأختتم حديثه بعبارات الندم حيث قال :"عاهدت الله أن لا أعود للتعاطي، واقسم بالله إني نادم، نادم، نادم.... ".

ومع الإشارة بانتهاء الوقت المعدْ لإجراء المقابلة،  ترجل (ع) عن مقعده برفقة رجل الأمن المختص بحراسة السجن، وهو يصرخ بصورة هستيرية "أريد أن أحتضن ابنتي، أريد أن أنام في بيتي".

ذهب إلى غرفة احتجازه لكنه ترك رسالة واضحة للمجتمع يحذر فيها من الإدمان على المخدرات ومخاطره، علاوة على إشارات الندم التي انتابته جراء مصيره، وتحذير لمن تسول له نفسه لتجارة المخدرات، تلك الرسائل تستدعي وقفة جادة وتضافر جميع الجهود لمكافحة تلك الآفة الخطرة، وضرورة العمل على تحجيمها أو بالأحرى إنهائها.