خبر ثورة الاتراك والشباب -يديعوت

الساعة 07:30 ص|05 يونيو 2013

بقلم: ناحوم برنياع

(المضمون: الاحتجاج في تركيا هو بالاساس نتيجة النفور من طغيان الاغلبية الذي يحاول اردوغان فرضه على تركيا استنادا الى نجاح اقتصادي لامع وحكم ناجع وشعبية هائلة في المحافظات القروية – المصدر).

جادة عصمت اينونو تنزل من ميدان تقسيم، الميدان المركزي في اسطنبول الى البوسفور. في الايام العادية تبث هدوء بهيا، اوروبيا. جادة روتشيلد للاغنياء. السفارات تقام على طولها، ومقابلها قصور من العهد العثماني وفنادق. أما امس فكان الشارع ساحة معركة.

متظاهرون شبان تحصنوا في الشارع وتزودوا بنظارات السباحة وبكمامات الجراحين واندفعوا الى الشارع. اما الشرطة فردوا باطلاق الغاز المسيل للدموع. المتظاهرون تراجعوا الى الوراء، بفزع كبير، الى المتاريس التي بنوها على طول الجادة، وعادوا لينزلوا اليها ويرشقوا الحجارة. وأخرج عاملو الفنادق والمطاعم على طول الجادة أوعية مليئة بقشور الليمون لترطيب العيون وأوانٍ من المياه المعدنية. هذا هو أقل ما يمكن لهم أن يفعلوه.

ليس هذه هي المرة الاولى التي اصاب فيها بغاز مسيل للدموع، ولكنها المرة التي اصاب فيها بغاز مسيل للدموع تركي. ليس لطيفا. وافكر بالمظاهرات التي جرت في اسطنبول بعد اجتياح الكوماندو البحري لسفينة مرمرة. في حينه كانت اسرائيل هي العدو، واردوغان هو البطل القومي. ولا يدور الحديث بالطبع عن ذات المتظاهرين. يدور الحديث عن اعدائهم.

حي بشكيتاش، في أسفل الشارع، على شاطىء البوسفور، معروف في اسرائيل بسبب فريقه لكرة القدم الذي يحمل بفخار اسم الحي. ويعتبر مؤيدو بشكيتاش الاشجع والاعنف بين متظاهري موجة الاحتجاج الحالية. فهم يهاجمون الشرطة دون خوف. واليهم ينضم فوضويون باعلامهم السوداء، اكراد باعلامهم الحمراء، وجملة اخرى من الجماعات المتطرفة من اليسار ومن اليمين ممن ليس بينهم قاسم مشترك غير شيء واحد: احساس النفور من استمرار حكم اردوغان.

الاغلبية العظمى من المحتجين يفضلون الاحتجاج الهادىء عديم العنف. وقد تجمعوا أمس في ميدان تقسيم الهائل في اجواء ايجابية، احتفالية، تشبه المظاهرات الكبرى لصيف 2011 في اسرائيل.

المقارنة واجبة. احتجاج اسطنبول ولد الاسبوع الماضي بمبادرة أربعة شبان ارادوا الاحتجاج على القرار باقتلاع اشجار في حديقة غازي المجاورة للميدان، واقامة مبنى تجاري مكانها يستعيد مبنى عثماني. وقد ضروا الخيام ونظموا دروس يوغا ومحاضرات، وجاء فنانون للعزف. وعندما جاء الشرطة وهجموا عليهم واحرقوا الخيام انبت الاحتجاج اجنحة.

يوجد وجه شبه آخر يفقأ العين: هذا احتجاج الشباب من الطبقة الوسطى، من ابناء النخبة التركية القديمة والعلمانية. فهم يشعرون، وعن حق على ما يبدو، بان اردوغان وحزب الحرية والتنمية الاسلامي برئاسته لا يأبهون بهم. "يا طيب ارحل"، يهتفون. مثلما هتف الشباب في تل أبيب في 2011 "يا بيبي ارحل". وهم يتغذون بالفيسبوك والتويتر ويوثقون أنفسهم كل الوقت بالكاميرات الرقمية وبالالواح الالكترونية تماما مثلما في روتشيلد.

النقطة الاكثر تشويقا هي المشاركة العالية للنساء. يخيل أن عددهن لا يقل عن نصف المتظاهرين وربما أكثر. ويدور الحديث عن طالبات، نساء شابات، ذوات مهن حرة، فتيات. وأمس وصل الى الميدان الاف المحامين الشباب، وهم يلبسون عباءاتهم السوداء، التي توشح هنا بالذهب. والكثيرون منهم كانوا نساء. صورتهن، في دولة يحكمها حزب اسلامي هي اعلان. اردوغان يحاول أن يعيدهن الى المطبخ وان يغطيهم من اخمص أقدامهن وحتى الرأس. هو ينفي، ولكنهم مقتنعات بان القمع على الابواب.

بعد عشر سنوات من حكم اسلامي الاحساس هو ان الحكم صعد لاردوغان الى الرأس. وهو يخطط لان يخلد حكمه الشخصي من خلال انتخابيه رئيسا. ليس له خصم حقيقي وليس له معارضة. وهو مغرور: الديمقراطية في نظره هي طغيان الاغلبية. وهو كاسح. هؤلاء الشباب يشعرون تجاهه ما يشعر به الاسرائيليون تجاهه في كل مرة يفتح فيها فمه.

وجه الشبه باسرائيل يتوقف في هذه النقطة. لتركيا يوجد تاريخ خاص بها. وسلسلة من الطغاة التاريخيين لمواجهة إرثهم. أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة، كان علمانيا بلا مساومة. اردوغان يسعى الى تدمير ارثه بالتدريج. وهو يعتمد على النجاح الاقتصادي اللامع، على حكم ناجع واقل فسادا من اسلافه، وعلى شعبيته الهائلة في المحافظات القروية. ليس فقط علمانيون ضد متدينين – بل وايضا المدينة ضد القرية، والغرب ضد الشرق. ولا غرو أنهم في البسطات في الميدان باعوا أمس قمصانا باكمام قصيرة مع صورة أتاتورك.