خبر تحت سطح الجبل ... اسرائيل اليوم

الساعة 11:00 ص|17 مايو 2013

بقلم: نداف شرغاي

(المضمون: وقع الاردن والسلطة الفلسطينية بصمت وهدوء وبتشجيع اسرائيلي على اتفاق يقوي مكانة الاردن في المسجد الأقصى، أما وزارة الاديان الاسرائيلية في المقابل فتريد أن تُقر تعليمات تُمكّن من صلاة اليهود في داخل المسجد الأقصى - المصدر).

توجد أمور خفية في جبل الهيكل ولا يُحتاج الى عبقري كبير لفهم ذلك. فقد كان يكفي النظر الى لغة أجسام مندوبي الحكومة الذين جاءوا في الاسبوع الماضي الى اللجنة الداخلية التابعة للكنيست، كي ندرك أنه تتم تحت السطح اجراءات من المريح للدولة ألا تكون مكشوفة للناظر.

بادرت عضو الكنيست ميري ريغف رئيسة اللجنة الى تباحث في "حق اليهود في الصلاة في جبل الهيكل" بمحاولة ساذجة شيئا ما لصدع حظر الصلاة هناك سنين كثيرة. وقد أرسلت الدولة الى هذه اللجنة أفضل "قواتها" لحماية الوضع الراهن في الجبل ولتُبين أن كل تغيير قد يجلب علينا دماً وناراً وأعمدة دخان وحروباً دينية جديدة – قديمة. وقد وصف الباحثون عن الجبل من قبلهم الظلم وتحدثوا عن الشعور بالذل وعن الحقوق والقوانين الأساسية التي تُداس بالأقدام، بيد أن هذا اللقاء شبه العادي انحرف فجأة عن مساره المعروف وتلاحقت المفاجآت واحدة بعد اخرى ولم يتأخر مجيء الانكار ايضا.

مرت تسعون ثانية فقط منذ اللحظة التي ألقى فيها المدير العام لوزارة الأديان الحنان غلات "قنبلة" وأدى الى اعضاء اللجنة الداخلية التابعة للكنيست "برأي من نائب وزير الأديان الحاخام إيلي بن دهان"، أن وزارته ترى ان تصوغ تعليمات تنظم صلاة اليهود في جبل الهيكل وتقدمها لتوافق عليها الحكومة، الى أن تم إنكار أقواله المجلجلة بسرعة الضوء تقريبا بتدخل ديوان رئيس الوزراء كما يبدو.

ما الذي حدث بالضبط هناك وراء الستار؟ اليكم تفسيرا ممكنا: إن المسؤول عن غلات، نائب وزير الأديان إيلي بن دهان، يريد ان يغير الواقع في جبل الهيكل. وقد شارك دهان قبل ان يُنتخب لعمله في نشاط واحدة من منظمات الجبل. وهو يحاول ان يغير الآن بصفته نائب وزير الأديان والمسؤول عن الوزارة. ويحاول ذلك ايضا غلات الذي كان يعمل الى الفترة الاخيرة مديرا عاما لمركز المعاهد الدينية بني عكيفا. ومثله ايضا رب عمله السابق رئيس المركز الحاخام حاييم دروكمان الذي أطلق مؤخرا عدة تصريحات مؤيدة تؤيد حق اليهود في الصلاة في الجبل. وليس من الممتنع ان يكون غلات قد أُرسل لاطلاق بالون تجارب وللفحص عن الردود.

بل إن رئيس الوزراء نتنياهو حينما كان في المعارضة وعد خطيا بأنه حينما يصبح رئيس وزراء سيعمل على تنظيم صلاة اليهود في جبل الهيكل. لكن تبين لنتنياهو كما حدث لرئيس وزراء آخر من الليكود هو مناحيم بيغن الذي وعد هو ايضا إذ كان معارضا بتنظيم صلاة اليهود في الجبل، تبين له حينما أصبح رئيسا للوزراء ان كل الجهات الامنية ترفض بشدة إقرار توجيهات من هذا القبيل.

كانت آخر مرة، الى الاسبوع الماضي، التي نطق فيها شخص ما بصوت مرتفع بالكلمات المحظورة التالية "تعليمات لتنظيم صلاة اليهود في جبل الهيكل" في ثمانينيات القرن الماضي. فقد برأت القاضية روت أور آنذاك مجموعة من البيتاريين صلوا على جبل الهيكل، وحاول وزير الاديان آنذاك رجل المفدال اسحق رفائيل ان يتلهى بالفكرة. وصده هو ايضا ديوان رئيس الوزراء.

سرّان للاردن

كانت المفاجأة الثانية التي انتظرت اعضاء اللجنة الداخلية التابعة للكنيست قد جاءت هي ايضا من مستوى موظفين من نائبة قسم الاردن في الوزارة، فريدة يوفال. وقد سألت ريغف يوفال من السيد في الجبل وأجابت يوفال بلا تردد أن السيد الفعلي في جبل الهيكل ليس دولة اسرائيل بل المملكة الاردنية، وستجري الامور بحسب ذلك هناك. وفي هذه الحال ايضا لم يكن يُحتاج الى أكثر من دقيقة ليُسرع قائد شرطة القدس يوسي فراينتي الذي جلس الى جانب فريدة يوفال بالتصحيح قائلا: إن دولة اسرائيل هي السيدة في الجبل لا الاردن.

بيد أنه تختفي وراء الكلام غير الدقيق للموظفة يوفال، برغم كل شيء، منظومة تفاهمات رسمية وغير رسمية مع الاردن. إن المادة التاسعة من اتفاق السلام مع المملكة الهاشمية لا يصادر من اسرائيل السيادة على الجبل لكنها تمنح الاردن المكانة التي اكتسبها لنفسه في الجبل منذ 1967 وهي السيطرة على جهاز الأوقاف الاردني الذي يتبع وزارة الأوقاف الاردنية التي تدير في واقع الامر الشؤون الدينية هناك منذ 46 سنة. وقد وعدت اسرائيل الاردن ايضا في المادة التاسعة بأن تعترف بأفضلية الاردن بين الجهات العربية في جبل الهيكل اذا حدثت تسوية دائمة مع الدول العربية.

وبرغم تأخر مجيء التسوية الدائمة استبقت اسرائيل المتأخر وأصبحت تفعل كل شيء تقريبا لرفع مكانة الاردن في جبل الهيكل اليوم لا صدورا عن "حب مردخاي". ويفترضون في اسرائيل ان طريقة مواجهة شعبية الجهات المتطرفة كالحركة الاسلامية الاسرائيلية والاخوان المسلمين في جبل الهيكل وتأثيرهم الزائد تمر بالمسار الاردني وأنه اذا أصبح الاردن قويا في الجبل فستكون الجهات الاخرى ضعيفة هناك.

وهكذا أصبح الاردن يقطف ثمار اتفاق السلام الذي وقع عليه مع اسرائيل ومكان الأفضلية الذي وُعد به هناك بين الدول العربية برغم عدم وجود تسوية دائمة. وقد كان شارون قبل سنوات حينما كان رئيس الوزراء هو الذي فوض الى الاردن ترميم حائطي جبل الهيكل اللذين تضعضعا – الجنوبي والشرقي.

كان نتنياهو قبل بضع سنوات هو الذي استجاب لطلب الاردن تجميد بناء الجسر الثابت المعد ليحل محل كومة التراب التي انهارت عند باب المغاربة. وأصبحت اسرائيل والاردن الآن بعيدا عن النظر العام شريكتين فاعلتين (مع الولايات المتحدة) في انشاء اتفاقين تم التوقيع عليهما في الاشهر الاخيرة.

أما الاتفاق الاول فهو اتفاق بين الاردن والسلطة الفلسطينية. وكانت هاتان الجهتان تتنازعان سنين على المكانة والسيطرة. وفي ذات مرة في ذروة تلك المنازعة رمى ناس السلطة بالمفتي (الاردني) من مكتبه في جبل الهيكل وعينوا مفتي من قبلهم في مكانه. وجرى ماء سيء كثير منذ ذلك الحين بين المتنافسين في الأسبقية في جبل الهيكل. وجاء مفتي وذهب مفتي، ويتولى الامور اليوم هناك مفتي "اردني" مرة اخرى.

تم انشاء الاتفاق الذي ولد الآن بين الخصمين على أثر اعتراف الامم المتحدة بالسلطة الفلسطينية دولة مراقبة. وقد زعم الفلسطينيون أنهم هم الذين يمثلون في اليونسكو الاماكن المقدسة الاسلامية في القدس. وزعم الاردن أن هذا الدور محفوظ له. والاتفاق بين الطرفين مصالحة يستفيد منها طرف ولا يغيب عنها طرف: فالاتفاق يُثبت الوضع الراهن الموجود في الجبل اليوم. ويقضي بأن يبقى عبد الله ملك الاردن حامي الاماكن المقدسة الاسلامية في القدس وأن يبقى مراقبا لمؤسسة الأوقاف وأملاكها بحسب القوانين الاردنية، وأن الفلسطينيين يعترفون بذلك. ويقضي الاتفاق من جهة ثانية بأن "حكومة دولة فلسطين باعتبارها تعبر عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني – تتمتع بالسيادة على كل اراضيها ومنها القدس".

والاتفاق الثاني الذي لم يسمع الجمهور في اسرائيل شيئا عنه تقريبا هو تفاهم دبلوماسي بين الولايات المتحدة واسرائيل والاردن والسلطة الفلسطينية واليونسكو: فقد وافقت اليونسكو على ان تُسقط من برنامج عملها خمسة قرارات تنديد باسرائيل شديدة اللهجة بادرت اليها الدول العربية. ووافقت اسرائيل مقابل ذلك على تمكين وفد المنظمة من زيارة البلدة القديمة في القدس هذا الشهر ومراقبة اعمال الترميم والبناء المختلفة التي تجري بين الأسوار – لكن لا في جبل الهيكل.

اختلاف الحاخامين

ينشط الى جانب كل اولئك طول الوقت لاعب مركزي آخر في تشكيل الواقع في جبل الهيكل وهو حركات جبل الهيكل التي تتسع دوائرها ولا تكف عن محاولات تحقيق حق الصلاة في الجبل برغم الحظر الحكومي. ويكون الحديث احيانا عن شباب يتحدثون في ظاهر الامر بهواتفهم المحمولة لكنهم يرددون صلاة ويكونون احيانا من قدماء الجبل الذين "يختلسون" سجدة، ويظهر احيانا على الجبل يهود يرفعون رؤوسهم الى السماء ويسكتون سكوتا عظيم المعنى ويُبينون ذلك قائلين "نحن نصلي بقلوبنا".

اعتُقل في الاشهر الاخيرة فقط في الجبل الدكتور مناحيم بن – يشار ابن السابعة والثمانين الذي حاول ان يصلي في ذلك المكان؛ واليشيف شارلو ابن الحاخام يوفال شارلو؛ ويهودا ليبمان، وهو قائد كتيبة احتياط. وكان يهودا غليك رئيس مقر عمل حركات جبل الهيكل ممنوعا من دخول الجبل شهورا طويلة ومنعت الشرطة ابنته ايضا من دخول الجبل في يوم عرسها برغم ضغط وزراء كبار. ويصعد غليك اليوم مرة اخرى الى الجبل بصفة مرشد سياح لكنه يقوم في خلفية المحاولات الكثيرة لتحقيق الحق في الصلاة في الجبل جدل شرعي كبير بين الحاخامين الذين يُحللون دخول جبل الهيكل في ايامنا وبين من يُحرمون ذلك.

واليكم شيئا من التمهيد الضروري: بعد حرب الايام الستة وُجد اجماع شبه مطلق بين الحاخامين الحريديين والحاخامين المتدينين – القوميين على حظر دخول اليهود الى الجبل. بل إن الحاخامية الرئيسة نصبت عند مدخل الجبل لافتة تُحذر اليهود من دخول أبوابه وتُحذر من عقوبة "الاجتثاث" (موت من السماء) لمن يعتدي على هذا الحظر.

وقد مهد للحظر كون اليهود في عصرنا من جهة شرعية متنجسي الأموات؛ وعدم وجود البقرة الحمراء التي كان يُستعمل رمادها على عهد الهيكل لتطهير المتنجسين بالموتى. لكن كان عدم العلم بالمكان الدقيق للهيكل وقدس الأقداس هو السبب في ذلك، فقد خشي الحاخامون المُحرمون من ان يطأ يهود يدخلون جبل الهيكل الاماكن المقدسة والمُحرمة.

وزعموا انه لا يمكن ان نميز اليوم بين المناطق التي يجوز ان يدخلها اليهود (زيادات هورودوس) وبين المناطق التي يحرم دخول اليهود اليها (باحة الهيكل)، ولهذا حرموا دخول المنطقة كلها. واعتقد الحاخامون المحللون انهم يستطيعون ان يحددوا الاماكن المباحة، بل ان يراقبوا ألا يتعداها الجمهور الذي يدخل الى الجبل.

وقد وسّع العقدان الاخيران جدا دوائر الحاخامين الصهاينة المتدينين الذين يحللون دخول الجبل مع الخضوع لعدد من القواعد الشرعية. وكان الذي أسهم في ذلك هو التطرف القومي الاسلامي والاضرار بآثار جبل الهيكل وإنكار المسلمين الكامل لوجود الهيكل والصلة اليهودية بالجبل.

كان الأولون هم مئات من حاخامي "يشع" لكن جاء بعدهم حاخامون مثل يوفال شارلو (من بيتح تكفا)، وتسفنيا دروري (من كريات شمونة) والحاخام حاييم دروكمان (رئيس معاهد دينية بناع) والحاخام يعقوب مدان (من ألون شفوت). ويتمسك بالحظر في مقابل هؤلاء حاخامون مركزيون آخرون كالحاخام دافيد ستاف أو الحاخام شلومو أفنير. وكان أحد المعطيات المختلف فيها بين الحاخامين مسألة موقف الحاخام تسفي يهودا كوك، حاخام واستاذ ناس غوش ايمونيم الذي توفي قبل أكثر من ثلاثين سنة. وراج الى المدة الاخيرة رأي ان هذا الحاخام حظر على اليهود حظرا شديدا دخول الجبل في ايامنا. إن كثيرين من اولئك الذين يمنعون أنفسهم من دخول الجبل يفعلون ذلك اعتمادا على هذا الفرض الأساسي. بيد ان الحاخام شآر يشوف كوهين، حاخام حيفا السابق وعضو مجلس الحاخامية الرئيس، كتب قبل اسبوعين رسالة أدى فيها اشياء مختلفة. فقد شهد بأن الحاخام تسفي يهودا كوك قال له في عدة احاديث كانت له مع الحاخام إنه يؤيد صلاة اليهود على جبل الهيكل في ايامنا بشرط ان تكون الحاخامية الرئيسة هي التي تُحلل ذلك.

الشرطة هي اللاعبة المركزية

إن هذه التطورات الثلاثة الاخيرة – مبادرة وزارة الاديان لاقرار تعليمات تُمكن من الصلاة في الجبل؛ والاتفاقات والتفاهمات التي تقوي مكانة الاردن في الجبل؛ والمحاولات المتزايدة من حركات جبل الهيكل لتحقيق حق الصلاة في جبل الهيكل والتي يتسع "ظهرها" الحاخامي – أفضت بالتوترات في جبل الهيكل الى ذروة جديدة. ففي الاسبوع الماضي اعتقلت الشرطة للتحقيق مفتي القدس الشيخ محمد حسين بشبهة أنه كان مشاركا في أحداث الشغب التي بادر اليها مسلمون في الجبل. وفي المقابل يُعتقل طول الوقت شباب يهود يحاولون الصلاة في الجبل.

إن الاردن الذي منحته اسرائيل وعودا رسمية وغير رسمية تتعلق بمكانته في الجبل لا يهدأ ولا يقر بازاء ما يجري. فقد أجاز مجلس النواب الاردني في الاسبوع الماضي بأكثرية كبيرة قرار طرد السفير الاسرائيلي في عمان واعادة السفير الاردني من رمات غان وسبب ذلك الخطوات التي خطتها اسرائيل في ظاهر الامر في جبل الهيكل و"المستوطنون الذين يدخلون كل يوم الى المسجد الاقصى". وليس هذا القرار قابلا للتنفيذ لأن الملك عبد الله لا يتوقع ان يمضيه لكنه يعبر عن ضغط في الاردن بسبب نضال حركات جبل الهيكل والخشية من ان تنجح في تغيير الوضع الراهن في الجبل.

هل هناك احتمال لأن يغير ضغط من هذا القبيل الواقع في الجبل حقا؟ إن كل شيء متعلق بموقف اللاعبة المركزية وهي شرطة اسرائيل. أعلن قائد شرطة القدس في الاسبوع الماضي أنه ينفذ السياسة في الجبل فقط، بيد ان هذه "نصف الحقيقة" فقط لأنه أضاف في نفس الوقت أنه سعيد لأن توصياته تُقبل. ولن يتجرأ أي مستوى سياسي في اسرائيل على ان يأمر الشرطة بفتح جبل الهيكل ليصلي فيه اليهود حينما تكون التوصية الاختصاصية لـ "الزرق" (الشرطة) عكسية.

وفي مقابل ذلك فان احتمال التغيير كامن في تحقيق ترتيبات زيارة اليهود للجبل، التي تحد الشرطة منها ايضا. ويقولون في الشرطة إن الامر متعلق في استعداد طالبي جبل الهيكل لقبول قواعد اللعب المعمول بها في الجبل والاكتفاء بالزيارة هناك والتخلي عن الصلاة في داخله. ومن الصحيح الى الآن أن هذا التفاهم بين الشرطة وطالبي الجبل لا يبدو قريبا في الأفق.