خبر لحظات القُدس الصعبة ..بقلم علي بدوان

الساعة 06:28 ص|15 مايو 2013

 

انقضى قبل أيام مضت، العام السادس والأربعون على القرار الإسرائيلي الجائر بضم المناطق الشرقية من مدينة القدس والتي تم احتلالها عام 1967 إلى حدود الدولة العبرية الصهيونية وإلى مايسمى خارطة القدس الكبرى الموحدة. انقضى العام السادس والأربعون على قرار الضم الجائر فيما قامت مجموعات من المستوطنين ومن المتطرفين اليهود يوم الثامن من مايو 2013 الجاري، بالإحتفال بالمناسبة أمام باب العمود وتحت حراسة ورعاية جنود الإحتلال في تحدٍ فظ لمشاعر المواطنين الفلسطينيين الذين ردوا الصاع صاعين على جمهور المستوطنين والمتطرفين من اليهود، ودافعوا بجسارة وبأجسادهم العارية عن الأقصى والقدس وكافة المراكز العربية الإسلامية والمسيحية. لقد مرت تلك المناسبة (أي مناسبة الضم الجائر للمدينة) في ظل تصعيد عدواني خطير من قبل سلطات الإحتلال مع محاولات إقتحام عشرات المتطرفين الصهاينة للمسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس المحتلة، وفي ظل وجود تنسيق كامل وتوزيع للأدوار بين حكومة الإحتلال المعروفة بصبغتها اليمينية واليمينية المتطرفة وأجهزتها الأمنية من جهة وبين بلدية الإحتلال وجمعيات المستوطنين التي دخلت كلها في سباق مع الزمن لتسريع عمليات التهويد والتطهير العرقي والإجهاز على ما تبقى من وجود ومعالم عربية فلسطينية بما في ذلك المقدسات المسيحية والإسلامية ذات الشأن التاريخي والحضاري، ومنها ماحصل على سبيل المثال من إستهداف لمنزل تاريخي لمفتي فلسطين وأحد قادة الكفاح الفلسطيني قبل النكبة الحاج محمد أمين الحسيني الذي تحول الى فندق (شيبرد) بحي الشيخ جراح وسط المدينة المقدسة تمهيدا لبناء حي استيطاني مكانه، وذلك بعد (25) عاماً على مصادرته من يد أصحابه الحقيقيين.

خرافة الجدار الديمغرافي

إن قرار الضم الجائر الذي تم رفضه دولياً في حينه، ومازال مرفوضاً من قبل المجتمع الدولي وعموم هيئاته العليا ممثلة بالجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن حتى الآن، مازال سارياً في مفعوله من قبل سلطات الإحتلال التي نفذت عملياً وعلى الأرض مشروع الضم من خلال تغيير المعالم الديمغرافية لحال مدينة القدس طوال العقود الماضية، عبر زرع المستعمرات داخل محيطها، وقد باتت تلك المستعمرات المقامة على محيط المدينة المقدسة كتلاً ضخمة تطوق المدينة تماماً، وتمتد بها نحو الأغوار على حدود الأردن ومنطقة أريحا، خصوصاً منها كتلة مستعمرات جبعات زئيف، ومعاليه أدوميم. واستتبعت ذلك ببناء جدار الفصل العنصري على طول الحد الفاصل بين فلسطين 1948، وفلسطين 1967 مع إقتطاع أجزاء واسعة من الأرض المحتلة عام 1967 وضمها الى داخل مناطق الدولة العبرية. ولم تكن العملية ذاتها بعيدة عن تطويق منطقة القدس الكبرى (المدينة والضواحي) بالجدار الفاصل، وتحويله إلى (غلاف) يُزنّر المدينة المقدسة في ظل الضم القسري الذي جرى للقدس بعد إحتلالها الكامل. فالجدار يلتف حول المدينة مطوقاً إياها وبداخله كتل المستعمرات الكبرى، في خطوة تمتزج فيها عقلية الأمن والسياسة مع فلسفة التهويد والضم الزاحف.

وفي الوقت الحالي، تجري عملية تنفيذ (مخطط زاموش) لتهويد محيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة، في مشروع يُقام فوق الأراضي العربية المصادرة ويتضمن (حديقة تيدي الجديدة) ومشروع (قطار البراق الهوائي) و(مركز آينشتاين)، بالإضافة إلى المشاريع التي تنفذ في منطقة ساحة البراق وجواره كمشروع (بيت شطرواس) و(مطاهر الهيكل)، فضلاً عن بناء متحف التسامح على أجزاء كبيرة من مقبرة (مأمن الله) الإسلامية (لاحظوا متحف التسامح فوق مقبرة إسلامية ...!).

وعليه، من الواضح جداً أن مخططات الهدم والتهجير الإسرائيلية الصهيونية في مدينة القدس ومحيطها تتم بخطوات مُتسارعة من أجل تحويلها لمدينة يهودية خالصة في سياق المشاريع الإسرائيلية لإحداث الإنقلاب الديمغرافي لصالح أغلبية يهودية على حساب الوجود العربي الإسلامي والمسيحي، بل وإفراغ مدينة القدس الشرقية المحتلة تماماً من العرب حتى عام 2020، وبناء ماتسميه مصادر الإحتلال بالجدار الديمغرافي اليهودي ... ولكن أي جدار ديمغرافي مع ثبات وصمود المواطنين الفلسطينيين من أبناء المدينة بالرغم من شح مواردهم وتواضع عوامل القوة بأيديهم، وتواضع حضور عوامل الدعم والإسناد العربية والإسلامية ...؟

فعلى الرغم من عمليات التطفيش الإسرائيلية والمضايقات المتواصلة لدفع السكان العرب على مغادرة المدينة المقدسة، وبالرغم من كل العمليات الإستيطانية الإجلائية الإحلالية التوسعية التهويدية الصهيونية الجائرة في المدينة، إلا أن النمو السكاني العرب مازال هو الأعلى في المدينة وعلى حدودها الإدارية. وبحسب توقعات مؤسسة القدس للدراسات الإسرائيلية ومنذ أربعة عقود، زاد عدد السكان العرب بنسبة (257%)، في حين أن السكان اليهود عرفوا نموًا بلغ (140%).

ومع ذلك، وحتى لانُقدّم التفاؤل وحده ومعسول الكلام، نقول وبكل صراحة إن المدينة المقدسة تعيش لحظات حاسمة من تاريخها، فهي واقعة تحت سيف التهويد ومشاريع الإستيطان وتغيير البنية الديمغرافية، في ظل التبني الحكومي الإسرائيلي لكل المشاريع التهويدية، وتدفق الأموال من الولايات المتحدة والغرب عموماً، ومن الممولين اليهود لمشاريع الإستيطان والإستثمار في المدينة المقدسة، ومنهم اليهود الأميركي صاحب أندية القمار في نيويورك (أرفين موسكوفيتش) الذي يَصُبُ سنوياً نحو (150) مليون دولار لبناء وإستثمار مشاريع تهويدية داخل المدينة المقدسة وعلى محيطها.

ماذا تريد القدس والمقدسيون

وعليه، إن مهمات فلسطينية وعربية وإسلامية عاجلة تتطلب التحرك من أجل إنقاذ المدينة المقدسة. مع التدخل الفوري لوضع حد للمأساة التي تحل بمدينة القدس جراء تواصل الهجمة التهويدية الشرسة وتواصل عمليات الحفريات والهدم. كما في ضرورة تدخل منظمة المؤتمر الإسلامي والدول العربية والإسلامية بكل قوة لوقف هذا الجنون «الإسرائيلي الصهيوني» بحق الأقصى والمقدسات الإسلامية، وهو مايتطلب وضع خطة وطنية شاملة لإنقاذ المدينة المقدسة، تتضافر فيها الجهود العربية والفلسطينية والإسلامية وحتى الأممية. إضافة لضرورة تنظيم كل الجهود على المستويات العربية والإسلامية لإسناد المقدسيين بالمقومات المادية والحيوية للصمود، مع إستنفار الجهود السياسية والديبلوماسية الفلسطينية على أعلى المستويات لفضح مخططات التهويد وربط أي إستئناف محتمل لجهود التسوية أو تحريك ملف المفاوضات بوقف الإجراءات «الإسرائيلية» في القدس والوقف الكامل لعمليات الإستيطان.

إن بيانات التنديد والشجب والإستنكار والإدانة المجردة، وعلى إختلاف تضاريسها الشعاراتية، لم تُعُد للفلسطينيين شيئاً مادامت باقية عند حدودها الإعلامية، وعند حدود التعبير اللفظي دون عمل مباشر وحقيقي. فهي مواقف لم تعد تكفي على الإطلاق، بل باتت مواقف تخديرية لتهدئة الشارع والناس دون القيام بخطوات ملموسة لدعم صمود القدس والمقدسيين.