خبر جرثومة الاغتراب والهراء- معاريف

الساعة 09:12 ص|12 مايو 2013

جرثومة الاغتراب والهراء- معاريف

بقلم: حاييم آسا

مستشار استراتيجي لاسحق رابين

       (المضمون: خلقنا ربا جديدا يسمى "العقارات" وتوقفنا عن العمل لان الافضل هو بيع وشراء الشقق، مزوجين بجوازات سفر أجنبية لأننا رغم ذلك لم نؤمن بأنفسنا حتى النهاية – المصدر).

        روح شريرة تهب على الارض. هكذا بدأ ماركس وآنجلز بيانهما الشيوعي في 1848 قبل أكثر من 150 سنة. روح شريرة تحوم فوقنا، نحن الاسرائيليين، ابناء الطبقة الوسطى، واولئك الذين ليسوا من الطبقة الوسطى. كلنا، هذه الروح معلقة فوقنا كالمقصلة بينما نفضل نحن اغماض عيوننا، والتلعثم بشيء مثل "انظروا الى اليونان واسبانيا" او "تذكروا ايران" أو "بعد سنتين سيكون كل شيء أفضل". أسرتنا ديماغوجيا غير متواضعة، وقحة، كلها هراء وشر رخيص من ذوي الأنا المضخمة بفضل أبائهم وأمهاتهم أو عماتهم وخالاتهم.

        كلنا فشلنا منذ سنوات عديدة أمام كلمات هي فقاعات في الهواء ولها قوة التأثير علينا لاننا ضعفنا عقليا دون أن نعي ذلك، ملوحين بجوائز نوبل للشعب اليهودي، ملوحين بالتكنولوجيا العليا وكأن بها تعزز لنا عامودنا الفقري العليل. هراء تحول ليصبح كابوسا. كان سهلا احتلال رأسنا إذ أصبحنا جهلة وعامة، لان عامودنا الفقري الاجتماعي متهالك ومتفكك. جملة من المخلوقات المنعزلة، وكل هذا ينبع من جرثومة واحدة تحوم في داخلنا، بيننا وفوقنا – جرثومة الاغتراب. آمنا بأننا نفهم ما هي "المساواة في العبء". آمنا بـ "السياسة الجديدة"، آمنا بان اليهود الاصوليين دمروا لنا حياتنا، آمنا بان ايران هي التهديد المطلق على وجود الشعب اليهودي، آمنا بان الفلسطينيين غير معنيين بالتسويات، آمنا وخلقنا ربا جديدا يسمى "العقارات"، ومنذ زمن بعيد توقفنا عن العمل إذ من الافضل شراء وبيع الشقق، في البلاد وفي الخارج، مزودين بجوازات سفر أجنبية إذ مع ذلك لم نؤمن حتى النهاية.

        مريح لنا مع هذه الكذبة الذاتية، مثابة الرب الجديد الذي يعمل علينا بالضبط مثل كل دين آخر يقفز أمامنا ونحن نخضع له إذ أنه ظاهرا ينقذنا من أنفسنا؛ من أنفسنا لاننا مغتربين أولا وقبل كل شيء تجاه أنفسنا. وكل من هو مغترب مع نفسه مغترب مع غيره، ومع المجتمع الذي يعيش فيه، مع الدولة التي يوجد فيها. الاغتراب الذي يجد تعبيره على الطريق، في البنك، في الاعمال التجارية، في الكلمة التي ليست كلمة، في الفتيان الذي يعتدون على عجوز ابن 80 ملقى على الارضية، وبالاساس في السياسة الاسرائيلية. اغتراب الاسرائيلي عن نفسه يعشعش فيه منذ سنوات طويلة.

لقد شخصت هذه الجرثومة فور حرب يوم الغفران، حين دفن آلاف الشباب – بعضهم اصدقاء – في غالبيتهم العظمى لا تزيد أعمالهم عن 23 سنة، وهم الذين انقذوا دولة اسرائيل. لقد ركضوا نحو الدبابات وبالدبابات، دون أن ترمش لهم عين، آخذين على عاتقهم عبء الحرب. ولكن الدافع الاساس الذي حركهم كان "الرفاقية". لقد بثوا لنا المخدر في أن كل شيء على ما يرام، ونحن أقوياء، وهم لن يتجرأوا. مئات الاف الشباب النشطاء والاكفاء، "العاملين" الذين يحملون الحرب الحديثة على أكتافهم، ولكن مع فرق واحد عن 1973: اليوم يعيشون حياة اغتراب مع أنفسهم، مع التجربة التي هنا، وبين الحين والاخر يحاولون ابعاد هذه الجرثومة من خلال شعار مبسط عاجز حقا يطلقه اليهم وقح ما جاء من اللامكان.

        كل عامل في اسرائيل مغترب مع نفسه. الاغتراب يولد عندما يكون كل انسان هو منتج فاعل يتطلع الى أن "يكون نشاطه الاساس (عمله) لا يتعلق الا بوعيه وارادته الحرة". عندما يستثمر الانسان العامل كل وقته فقط في البقاء الجسدي، فانه يعلق في الاغتراب.

        يجري القضاء على الاغتراب بأعمال معاكسة لما يفعله وزير المالية الغريب هذا. الاغتراب يقضى عليه من خلال خلق مجال فرص "للاسرائيليين" لتوظيف زمن عملهم حسب وعليهم وارادتهم، أي بأن تخلق الدولة مشاريع قومية – علمية، تكنولوجية، خدماتية وكذا مشاريع وطنية (سكن عام) اجتماعية. اماكن العمل التي يخلقها بعض أرباب المال لا تعنينا، وذلك لان جرثومة الاغتراب سائدة في مطارحهم. وعليه فان "اخراج الناس الى العمل" هو شعار بائس وشرير آخر. الى أي عمل؟ هراء آخر كالمساواة في العبء؟ أولم تملوا من أن تكونوا أغبياء بهذا القدر؟ لقد بات الأمر باعثا على السأم.