خبر الى أين اختفت امريكا- معاريف

الساعة 08:42 ص|05 مايو 2013

 

الى أين اختفت امريكا- معاريف

بقلم: نداف ايال

        (المضمون: الفراغ الكبير الذي تخلفه الولايات المتحدة تحاول القدس ان تملأه. هذه محاولة محملة بالمخاطر ولكنها على ما يبدو ضرورية، ولا سيما في فترة يتساءل فيها المزيد فالمزيد من المحافل الاقليمية الى أين اختفت الولايات المتحدة - المصدر).

        جدال حاد ومثير للاهتمام يدور هذه الايام في الولايات المتحدة وموضوعه احتمال أن يكون براك اوباما تحول قبل أوانه ليصبح أوزة عرجاء. فالاداء الفاتر للرئيس الامريكي منذ اعيد انتخابه، وكذا التصريحات البائسة لزملائه الديمقراطيين ("حادثة قطار" في سياق الاصلاح الصحي لحزبه) أعطت مفعولا للزعم الحاد بان اوباما بدأ ينزلق في طريق لا عودة فيه.

        الموضوع هو أنه بينما في السياسة الداخلية اعتبر اوباما دوما موضع خلاف، حظيت سياسته الخارجية بالثناء اجمالا – من الجمهوريين ايضا (بشفاه مضمومة ودون حماسة، بالطبع). هذا ايضا انتهى. فالوضع في كوريا الشمالية كشف النقاب مرة اخرى عن قيود القوة الامريكية. في افغانستان يواصل الامريكيون النزف في الطريق الى الانسحاب (سبعة قتلى امريكيين أمس فقط). وفي ايران يواصل النظام توسيع بنية اجهزة الطرد المركزي لديه ونهج المفاوضات الجديد لدى واشنطن يصطدم في هذه الاثناء بطهران مصممة اكثر من أي وقت مضى. وسوريا؟ سوريا تصبح احدى لوائح الاتهام الاكثر حدة ضد نظام اوباما.

        يوجد الموضوع الاخلاقي وحده. في الايام الاخيرة صدرت صور الفظاعة عن مدينة بانياس – المنطقة الساحلية التي يحاول الاسد فيها تنفيذ تطهير عرقي حقيقي في صالح العلويين. وتكشف الحرب الاهلية السورية بقوة نذالة الليبرالية الغربية. فخلافا للروس والصينيين، الذين يقولون عمليا ان الحرب الاهلية هي شأن داخلي في الدولة، فان لدى الغرب ادعاءات. فهو يدعي محاولة الحفاظ على مبادىء الكونية الاساس ولا يكف عن الشجب والشتم لنظام الاسد. ويعرف زعماء اوروبا والولايات المتحدة بان عليهم أن يحافظوا على توازن دقيق بين الخطاب الذي يوجهوه نحو جمهورهم، خطاب النبذ والاستنكال للفظائع وبين قيود الواقعية السياسية. والواقعية السياسية هي مثلا، صواريخ SA التي يمكنها اسقاط كل طائرة قتالية غربية تقريبا. وقد صمم اوباما لنفسه فكرا واقعيا في السياسة الخارجية، ولكن اساسها في التقارير الليبرالية التي ترى في التدخل الانساني شأنا ضروريا في الاسرة الدولية. فقد حصلت سمانتا باور، رمز اوباما في هذه الامور، على جائزة بوليتسر على "مشكلة من الجحيم"، لائحة الاتهام الحادة ضد تجاهل امريكا لقتل الشعب – سواء كان هذا في المحرقة أم في احداث لاحقة. لقد تجاوزت الوحشية في سوريا منذ زمن بعيد حدود المواجهة السياسية الداخلية العنيفة؛ وهي في مستوى الجرائم ضد الانسانية. ولكن المستوى الاخلاقي هو عنصر واحد فقط. أما الموضوع الثاني فيتعلق بالاستراتيجية الاقليمية. فقد وضعت الولايات المتحدة خطا أحمر، وهو استخدام السلاح الكيميائي. وقد تم استخدام لهذا السلاح بالذات، وليس لمرة واحدة. ويعيش الامريكيون حرجا عميقا؛ فقد حاولوا ان يدقوا الرأس عميقا في التراب، عميقا حقا، ولكن هذا لم ينجح. كلمة اوباما انكشفت هنا، حاليا، كفارغة حقا. اذا لم يكن السلاح الكيميائي يهم الولايات المتحدة – فالرصاص يقتل أكثر بالمناسبة – وبالتالي لماذا عرض اوباما الخط الاحمر؟ واذا ما اجتيز الخط الاحمر، فلماذا تتلعثم امريكا؟

        امريكا ليست أمة اخرى. فهي بكلمات مادلين اولبرايت: "الامة التي لا يمكن استبدالها". اعداد واصدقاء يتطلعون الى واشنطن ويرون ان الخط الاحمر ليس خطا أحمر.

        لقد قال اوباما أمس ان لاسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. المشكلة هي انه حيال الولايات المتحدة، تلمع اسرائيل بصفتها نموذجا للثبات. لقد كان انتقاد لاذع على عرض الخط الاحمر من جانب رئيس الوزراء نتنياهو في الامم المتحدة؛ في نظرة الى الوراء، قد يكون لاذعا اكثر مما ينبغي. فطهران تطيع حاليا الخط الاحمر للقدس وهكذا تمنع – حاليا – المواجهة. لقد ظهرت سياسة اوباما كناجعة، أما سياسة اوباما فتبينت اساسا كغير واضحة.

        الخط الاحمر، بكلمات اخرى، يمكن أن ينجح. اذا كان يقف خلفه بعد من التهديد العسكري المصداق. كما أن اسرائيل قالت انها ستمنع نقل السلاح محطم التوازن الى حزب الله، وقد فعلت ذلك، حسب منشورات اجنبية، مرتين على الاقل.

        ان الفراغ الكبير الذي تخلفه الولايات المتحدة تحاول القدس ان تملأه. هذه محاولة محملة بالمخاطر ولكنها على ما يبدو ضرورية، ولا سيما في فترة يتساءل فيها المزيد فالمزيد من المحافل الاقليمية الى أين اختفت الولايات المتحدة.