تحليل تهديدات كيري المبطنة والرغبة الاسرائيلية

الساعة 03:03 م|22 ابريل 2013

غزة

مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية

تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أمام لجنة الخارجية والأمن في الأسبوع الماضي والتي وضع فيها اطاراً زمنياً لمهمته في تحقيق "حل الدولتين" بحد أقصى مدته سنتين، وانه في حال فشله في تحقيق تسوية فان الإدارة الأمريكية ستتوقف عن التزاماتها بقضية التسوية، وتنتقل الى معالجة مسائل أخرى.

هذه التصريحات تبدو في ظاهرها كما لو تحمل تهديداً للأطراف، السلطة الفلسطينية واسرائيل بضرورة التجاوب مع المساعي الأمريكية، وإلا فإن أمريكا ستترككم وشأنكم. لكنّ التأمل الدقيق يظهر انه إن كان ثمة تهديد فهو موجه إلى الطرف الفلسطيني أكثر منه للجانب الاسرائيلي. فمن خلال قراءة السياسة التي ينتهجها اليمين في اسرائيل يتضح أنه لن يكون مبالياً بمثل هذه التهديدات، بل إن هذا بالضبط ما تسعى اليه الحكومة الاسرائيلية ومعسكر اليمين الذي أخذ على عاتقه في الأصل تقويض اتفاق اوسلو، والحيلولة دون التمكين لإقامة دولة فلسطينية؛ بل إن اليمين في اسرائيل بذل جهوداً للتشكيك في أسس النظرية التي تعتمد عليها الإدارات الأمريكية لمحاولة حل الصراع عن طريق إقامة دولة فلسطينية، وقد وجد الاعلام الاسرائيلي ضالته في الواقع الجديد الذي تشهده المنطقة بعد ما وصف بـ "ثورات الربيع العربي والعالم" ليطعن في النظرية التي ترى أن حل المسالة الفلسطينية هو الركيزة؛ بل ومفتاح السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وسائل اعلام اسرائيلية محسوبة على اليمين الحاكم دأبت في ضرب أسس هذه النظرية ودعت الى عدم الربط بين المسالة الفلسطينية والصراعات التي تشهدها المنطقة.

حكومة اسرائيل معنية بإفشال مساعي كيري مثلما أفشلت مساعي كل من سبقوه، وتفيد التسريبات بأنه رغم نجاح كيري بجلب موافقة الطرف الفلسطيني على أن تبدأ المفاوضات ببند الأمن والحدود بدلاً من إصرار الفلسطينيين على الحدود والأمن - بمعنى أن يتم ترسيم الحدود وفق حاجات اسرائيل الأمنية - إلا أن الطرف الاسرائيلي يرفض ذلك، ويشترط الاعتراف بـ "يهودية الدولة"، وبحث مسألة اللاجئين أولاً، أي تنازل الفلسطينيين عن حقوق اللاجئين. إنها ألغام يتفنن اليمين الاسرائيلي في نصبها لنسف المفاوضات قبل أن تبدأ. واللافت أن هذه المطالب لم تعد حصراً على اليمين الإسرائيلي؛ بل تكاد تجد إجماع السياسيين الإسرائيليين. فشمعون بيرس الذي دأب على تصوير نفسه بـ "حمامة سلام" في مقابلة مع موقع "واي نت" انضم الى الدعاوي المطالبة للاعتراف بـ "يهودية الدولة".

معسكر اليمين الحاكم منذ وصل إلى الحكم أخذ على عاتقه مهمة واحدة، هي نسف الأسس التي قامت عليها اتفاقية اوسلو والتنصل من كل الاستحقاقات المترتبة عليها، وضرب كل مقومات حلم قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وفقا للرؤية الصهيوتوراتية التي تنظر للضفة الغربية باعتبارها "أرض الميعاد التي وهبها الرب لبنى اسرائيل".

خلاصة الأمر؛ أن اليمين الاسرائيلي لن يكترث كثيراً للتهديد الأمريكي بالعزوف عن البحث عن حل للصراع، اليمين الاسرائيلي له تصوره الخاص لحل المشكلة مع الفلسطينيين، وقد وجدت تعبيراتها كثيراً في مواقف وتصريحات قادة هذا التيار، وليس آخرها ما نشرته صحيفة "يديعوت احرنوت" في 19 من الشهر الجاري بأن رئيس البيت اليهودي نفتالي بينيت وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة نتنياهو يعكف على إعداد خطة بديلة من حل الدولتين لتسوية المسألة الفلسطينية، وأنه يؤكد أن احتمال اقامة دولة فلسطينية بات ضئيلاً للغاية، وأنه حان الوقت لأن تجهز اسرائيل خياراً آخر، وهذا الخيار يقوم على منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً في مناطق "أ" و "ب" في "يهودا والسامرة" بحيث يتمتعون بسلطة كاملة باستثناء إنشاء جيش، وضم المنطقة "ج" الى دولة اسرائيل، ومنح الفلسطينيين المقيمين بها هوية اسرائيلية، وبرأي بينيت كما تقول مراسلة الصحيفة للشؤون الحزبية  سيما كديمون أن الصراع الطويل أدى الى استنزاف الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، وانه باتت تظهر إشارات تسليم بأنه لا بد من اعتماد وسيلة أخرى غير مقاربة حل الدولتين. وعندما سئل بينيت هل سيعرض الخطة على وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أجاب قائلاً: "ان كيري شأن الزعماء الأمريكيين مستمر في السير في الطريق التقليدي بدلاً من أن يقر بأنه لا جدوى من سيره هذا، وبأن عليه التفكير بطريقة مغايره كليا".

هذا التصور يلقى رواجاً كبيراً في أوساط التفكير الاسرائيلي السائد اليوم، وتعكسه كتابات كثيرة لرموز مهمة في حلبة السياسة وصناعة القرار، فضلاً عن الممارسات على الأرض. موشيه ارنس وزير الدفاع السابق كان قد دعا إلى تغيير شامل فيما يتعلق بالمفاوضات مع الفلسطينيين، والتفاوض على دولة واحدة للشعبين، وقد لقيت هذه الدعوى دعماً واسعاً من المستوطنين وصفوف اليمين.

وجوهر الفكرة التي عرضها ارنس في محاضرة بجامعة تل أبيب أن يتم ضم كامل الضفة الغربية، وهدم الجدار، واقامة دولة واحدة للشعبين الاسرائيلي والفلسطيني بدون قطاع غزة، شريطة أن يعترف الفلسطينيون بـ "يهودية الدولة".

يقول موشى ارنس: "لا تبدو المفاوضات مع الرئيس محمود عباس مجدية، والرئيس أوباما بالتأكيد يفكر بطريقة أخرى، وعباس يكاد لا يتحدث باسم نصف الفلسطينيين، ولو كانت الأردن على استعداد لاستيعاب أراض وسكان آخرين لكان ذلك أسهل، ولكن الأردن لا يوافق، ولذلك يمكن التوجه نحو إمكانية أخرى، وهي أن يسري القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية، وأن يتم منح المواطنة الإسرائيلية لمليون ونصف المليون فلسطيني".

ويضيف: "أنا لا أخشى أن تتحول هذه الدولة إلى دولة "ثنائية القومية"، فإسرائيل باتت اليوم ثنائية القومية، وفيها اليوم 20% أقليات، ولكن عند الحديث عن دولة واحدة، فانا لا أريدها دولة أبرتهايد، بل "دولة سيادة يهودية في واقع مركب، تكون ديمقراطية بلا احتلال وبلا حواجز، يستطيع اليهودي فيها أن يعيش في الخليل ويصلي في الحرم الإبراهيمي، كما يستطيع أن يكون الفلسطيني ابن رام الله سفيراً أو وزيراً، وأن يعيش في تل أبيب أو يلعق البوظة على شاطئها". وبحسب صحيفة "هآرتس" فإن هذا الموقف يحظى بدعم من عدة شخصيات يمينية من البيت اليهودي ورئيس الكنيست السابق.

خلاصة الموقف أن حكومة الاحتلال - كعادتها - تراهن على الوقت بأن تفرض على الفلسطينيين والولايات المتحدة والمجتمع الدولي بالتكيف لإرادتها، وتقبل حل المسالة الفلسطينية بالطريقة التي تتواءم مع الرؤية اليمينية.