خبر سورية بين المخادعين والمبدئيين ..علي عقلة عرسان

الساعة 02:52 م|19 ابريل 2013

 

 

لا نقول إن الغموض يكتنف الموقف الأميركي ويحيط بما اتفق عليه المسؤولون الأميركيون مع مسؤولي البلدان المحيطة بسورية والمنخرطة في الأزمة السورية بالتمويل والتدريب والتسيلح، لا سيما منذ زيارة الرئيس أوباما إلى بعض دول المنطقة، وتحرك جون كيري النشط فيها تحت لافتات أوضحها الملف الفلسطيني.. بل نقول هي الخديعة التي يدمنها الأميركيون ويعملون عليها مع من يعنيهم أن يجروهم إلى ما يريدون بكل بكل الوسائل.. وهم يناورون ويدوارون ويتلونون إلى أن تكتمل لهم التحالفات والعناصر والإمكانيات والاستعدادات والأدوات المطلوبة لتنفيذ الخطة المدبرة ضد سورية. ونحن نلاحظ أن الخطاب السياسي ـ الإعلامي يستمر في المداورة والتضليل ونثر الالتباس، ونشر التصريح والتلميح والنفي والتشكيك .. بينما يتم تموضع قوات وأسلحة وبطاريات باتريوت على الأرض، واستكمال التدريب لتنفيذ الخطط الموضوعة عندما يحين وقت التنفيذ.   

هناك ثلاث جبهات يجري العمل الحثيث عليها الآن بصورة مركزة من جانب الأميركيين وهي الأردن ولبنان والعراق.. أما الجبهتان الإسرائيلية والتركية فقد غدتا جاهزتين، ولا تتساوى الظروف والمعطيات في كل من الجبهات العربية الثلاث التي يجري العمل فيها وعليها.. ففي حين يتقدم العمل بشكل حثيث على الجبهة الأردنية، بعد إنهاء مرحلة التردد التي استمرت لمدة، يبقى العمل في الجبهتين اللبنانية والعراقية صعباً من حيث استدراجهما كلياً إلى مواجهة ضد سورية في إطار التنسيق الأميركي ـ الغربي ـ العربي، أي بإضافة جهد المنخرطين من العرب في الأزمة السورية تمويلاً وتسليحاً..إلخ.. ويبدو بوضوح أن استدراج لبنان والعراقي، بكل مقومات الدولة وما فيهما من نسيج سكاني وتكوين مؤسساتي ومدني و.. يبدو بعيداً أو مستبعداً لأسباب عدة لا تتوقف عند وجود المقاومة وتقارب الخيارات السياسية والثقافية لدى شرائح اجتماعية واسعة، ووجود توجهات مشتركة كثيرة وأطراف متشابهة التكوين في كل من البلدين لما هو في سورية وما يشكل المشهد العنفي فيها.. بل تتعدى ذلك إلى قدرة أطراف مؤيدة للدولة السورية على التأثير في القرار السياسي والخيارات الاستراتيجية، الأمر الذي لا يوجد مثل له في الأردن على الرغم من التداخل الاجتماعي ووجود خيارت مشتركة مع سورية وتأييد لها من بعض الأحزاب والفئات.

يتكلم الأميركيون عن الحل السلمي وفق مرجعية جنيف" البيان وبرنامج النقاط الست التي اقترحها عنان وأقرت"، ويتوافقون مع الروس أو يتفقون معهم على نقاط كانت موضوع خلاف بينهم، منها عدم استبعاد أي طرف في الأزمة السورية من إطار الحل السياسي الذي لا يمكن أن يتم إلا بالحوار، وكل هذا الذي تتفق عليه الدولتان العظميان ويضاف إليه اتفاق مجلس الأمن والدول الثمانية الصناعية وتكتلات دولية وأطراف عدة على الحل السياسي ورفض الحلول العسكرية، ويجعل الأمل في الحل السياسي يقترب.. يبقى هلاماً في الفضاء السياسي، لأنه في الوقت ذاته يعزز الأميركيون أنفسهم، ومعهم دول أوروبية وعربية، العسكرة والحل العسكري واستمرار الاقتتال وإراقة الدم وتدمير الدولة السورية.. بالتسليح والتدريب والتمويل والتحريض واللعب على أكثر من حبل.. ويهيئ الأميركيون مع حلفائهم وأدواتهم المناخ والمشهد العام لتفاقم الصراع وفرض مناطق آمنة بطرق ملتوية، ويعملون على التدخل العسكري المباشر من خلال واجهات سورية وعربية.. وكل ذلك يؤكد لكل ذي نظر أن الأميركي لم يخرج من طبيعته التآمرية المخادعة، وأنه يخادع ولا يصدق، وأنه يكسب الوقت ليكمل إعداده واستعداده، ويعزز استمرار إبادة كل أطراف الأزمة والداخلين في معتركها وتبديد قدراتهم وقوتهم وأموالهم، وتدمير سورية بكل ما تعنيه وما تمثله من مواقف وخصوصية وحضور، وأنه يحصل إضافة إلى ذلك على أموال عربية كثيرة تُدفع بسخاء لشراء أسلحة وتمويل القتل والتدمير وإنهاء سورية الدولة والأهداف والمواقف.. وكل ذلك فيه مصلحة متكاملة للأميركي وحليفه الصهيوني تتمثل في القضاء على قوى المقاومة والممانعة وكل من يقول لا للسياسة الأميركية والاحتلال الصهيوني، كما أن فيه قضاء على عرب ومسلمين لا يخضعون للهيمنة الأميركية ـ الصهيونية، وخلق شروخ عميقة ودائمة بين بعضهم بعضاً تبقى قضايا يحركها ويعبث بالجميع عن طريق الاستثمار فيها.. هذا إذا لم يصل بالعرب والمسلمين المعنيين إلى الخوض الكامل في الفتنة المذهبية " السنية ـ الشيعية" الشاملة التي تحرقهم بنارها، وتضع ثرواتهم وبلدانهم ومن يتبقى حياً منهم في دائرة الهيمنة والنفوذ والسلب والاستلاب.. وفي تلك المخططات الغربية ـ الصهيونية أيضاً قضاء على أحلام من يحلمون بتحرير المحتل من الأرض العربية بالمقاومة، وقضاء على جهات تمارس الإرهاب وتهدد المصالح الأميركية والإسرائيلية والأوروبية من خلال زجهم في معارك تفنيهم من دون أن يكلف ذلك الأمر الأميركيين وحلفاءهم شيئاً!!. وسياسة الوجه والقناع تلك مستمرة ويدخل فيها ما يطلق عليه " ازدواجية المعايير" فهي نفاق يتماهى مع الخديعة وخديعة تتجلى في نفاق. وهي سياسة لا تتوقف عند الأزمة السورية فقد كانت قبلها وسوف تستمر بعدها، وتدخل في حساباتها كأزمة عوامل ومصالح وقضايا عربية وإقليمية ودولية أخرى تهم من يمارسون تلك السياسة وتتصل باستراتيجياتهم الكبرى، ومنها أزمات وعلاقات واستراتيجيات قديمة ومتجددة، تتداخل بعمق وتمتد من أزمة شبه الجزيرة الكورية المزمنة بدولتيها " الجنوبية والشمالية، إلى الصين واستراتيجياتها وتطلعاتها إلى اليابان وروسيا، ولا تنتهي بالملف الفلسطيني العتيق والملف النووي الإيراني والدرع الصاروخية التي تقلق روسيا الاتحادية.. بل تصل إلى المواقف والمصالح والسياسات والاستراتيجيات في إفريقية وأميركا اللاتينية.

إن سورية التي يترصدها ويستهدفها التدبير الأميركي ـ الصهيوني الحالي، ويعاني شعبها مما لا يمكن احتماله من واقع مر ومشكلات متداخلة ومتراكمة ويمر بظروف غاية في السوء، تصد وتتفاءل وتتطلع إلى النجاة مما يدبر لها.. وما يدبر لها كبير وخطير وما يفرضه عليها وضعها الجغرافي وواقعها الراهن يجعلها تقاتل وتتألم وتنزف من الجراح وتتطلع بحذر شديد إلى القادم وما يرتبه من متطلبات واستعدادات في ظل التهديد الغربي الذي يدق أبوابها.. فالحدود البرية السورية مع الجوار العربي والتركي طويلة وهشة الآن، وهي تقارب 2300 كم طولي، وينتظر أن يأتي من معظمها خطر ما على الدولة السورية التي يخوض جيشها معارك متواصلة في داخل البلاد بما يشكل مسافات طولية تزيد في امتدادها وتشعبها على طول الحدود البرية، وهذا الأمر الذي يلقي عبئاً كبيراً على الجيش العربي السوري ويجعل مدى المواجهة واسعاً وساحاتها متعددة وتكاليفها باهظة.. وعندما يضاف إلى المواجهة الدائرة الآن على الأرض احتمالات التدخل العسكري عبر حدود البلدان المجاورة وربما في الجو وما ينبغي توقعه من جهة الحدود البحرية.. يصبح المشهد مأساوياً بالمقاييس الواقعية على كل مستوى وصعيد.. لكن الإرادة السورية موجودة وما زالت قوية على الرغم مما مر من مواجهات إدت إلى تخريب وخسائر في كل اتجاه.

ليس لسورية إلا أن تواجه قدرها وتدافع عن نفسها وتصمد وتتفاءل.. وأن تبحث في الوقت ذاته عن مخارج داخلية من الأزمة بتقديم مبادرات خلافة من شأنها أن تجمع أكبر قدر ممكن من السوريين على وفاق ولقاء ومشترك راسخ قوي، بمن فيهم من يحملون السلاح من أبنائها، وأن تفتح أبواباً على تفاهم وتعاون يضع حداً للعنف الدامي والاستنزاف الشامل والتشرذم المقيت، وأن تبحث عما يعزز قدرة الشعب على الاحتمال، لا سيما في مجالات أمنه وقوته وأسباب معيشته ووضع حدٍ لكل شكل من أشكال استغلاله والاتجار به في لقمة عيشه ممن يعرفون بتجار الأزمات وأصحاب الدكاكين السياسية والإعلامية ومفرزاتها، وليس لها إلا العمل بكل الوسائل لاستعادة السوريين المهجَّرين والنازحين والمقيمين في دول الجوار وغيرها، ممن اضطرتهم الأزمة وتبعاتها ومناخها وإفرازاتها إلى الخروج من سورية، وعادتهم إلى الوطن لكي يقيموا في أرضه بين أهلهم ومواطنيهم، فهناك أرض واسعة في أماكن آمنة يمكن أن يقيموا فيها بكرامة وكفاية من دون أن يتاجر بهم أحد أو يستغل ظروفهم المستغلون ويعتدي على أعراضهم الفاسقون الفاجرون، ومن دون أن تبيعهم وتشتري بهم جهة أو جماعة أو دولة وينتفع على ظهورهم فاسدون. ومن خلال كل ذلك العمل الوطني الاجتماعي الإنساني المتكامل وغيره مما يمكن أن تبدعه الشخصية السورية المخلصة للوطن والإنسان، يمكن أن تتكوَّن جبهة داخلية متماسكة، تُسند الجيش العربي السوري وتمده بما تستطيع أن تمده به من أسباب القوة ومقومات الصمود والتصدي والدفاع عن الأرض والشعب والدولة، ما دياً ومعنوياً. إن الوطن أكبر والشعب أبقى وهما مَن يجدر بكل ذي قدرة وكفاءة ومروءة وريادة وقيادة أن يقدم لهما الخدمات ويضحي على مذبحهما الطاهر بالتضحيات.. فالكل في خدمة الوطن وليس الوطن في خدمة شخص أو حزب أو فئة مهما كانت.. وعلى سورية الرسمية أن تبقيَ بابها وخطابها وقلبها مفتوحاً على مَن مِن المعارضين السوريين يؤول إلى مرجعية الوطن بكل ما تعنيه تلك المرجعية، ليساهم في بنية الدولة وبناء الوطن، وليكون له دور في وضع دستور البلاد واختيار نظام الحكم، وشكل الدولة المستقبلية في سورية الجديدة والمتجددة، ويساهم في رسم السياسة واستنقاذ ما ينبغي استنقاذه في هذه الظروف العصيبة التي تتطلب من كل وطني حق أن يرفع الوطن فوق ذاته وعنجهياته ونزواته ومصالحه وكرامته وسياساته وموقعه، أياً كان هو وأياً كان موقعه، لكي يكون الوطن هو الوجود والكرامة والعدل والحرية والهدف والمصلحة العليا والقيم السامية التي تحيي الإنسان ويحيى بها الإنسان.. وعلى كل من تَعني له سورية شيئاً أن يسمو ويتسامى في هذه الظروف وبمواجهة الأحداث وما ينتظرنا وينتظر وطننا من تطورات. ليس الانتقام والعناد والمكابرة وتصفية الحسابات وتسجيل " الغَلبَة" والانتصارت الهزائمية على الذات وعلى سورية وكل ما تمثله من معطيات تاريخية وقومية وحضارية وإنسانية.. هو طريق القادة والبُناة والمفكرين والمبدعين في خدمة شعوبهم وأوطانهم، لا سيما في الأزمات التي تمر بها، وهو طريق من هم في خدمة العدل والحرية والقيم والشعوب في كل الأوقات.. وليس لسورية في هذه الظروف والمواقف إلا أن تستند إلى أبنائها وكل مواطن مخلص من مواطنيها، ومن ثمة فلا غنى لها في هذه الأوقات العصيبة عمَّن يقف معها بإخلاص من أشقائها، ولا غنى لها عن أصدقائها وحلفائها المبدئيين الشرفاء ومن ترى فيهم استعداداً وقدرة على الوقوف إلى جانبها ومساندتها، سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً، ومدها باحتياجاتها من أسباب القوة الصمود لتبقى وتدافع عن نفسها ضد من يستهدِف وجودها كما استهدف آخرين عبر تاريخه الإجرامي البيِّن.. إذا ما وقع التدخل الخارجي والعدوان الذي يدبره من أدمنوا العدوان على الآخرين، ولكي تخرج من الأزمة ـ الكارثة التي هي واقعٌ وسببٌ وذريعة ومأساة خانقة، وشكلٌ من أشكال التدمير الذاتي والاستنزاف المستمر.

لست مع/ ولا ممن يقولون إن سورية إلى تفتّت وتفكّك وزوال تحت هذا الظرف أو ذاك، هذا الحكم أو ذاك، وإذا ما غاب هذا وحضر ذاك.. لأن سورية شعبها وهويتها وأهدافها ورسوخها العريق في هذه الأرض وفي أبعاد العروبة والثقافة والحضارة يجعلها منيعة على التفكك والزوال.. ولأنني اعتقد جازماً بأن سورية باقية، وأنها ليست حالة دولية أو شعبية أو حضارية عابرة لكي تزوبعها الظروف والأزمات وتبعثرها العاديات.. وهي باقية لأن فيها وعيٌ وشعبٌ واجه هذه الكارثة المستمرة منذ سنتين ونيف وبقي حيوياً متمسكاً بأرضه وهويته ووطنه وقيمه وأهدافه وآماله وأعماله، ومتفائلاً بإمكانية أن تزول الغمة، وأن يعود الوعيُ إلى الأمة على الرغم مما جنته وارتكبته من خطايا. سورية ستبقى والحاقدون عليها وعلى دورها العربي والإسلامي سيبقون، هي تصمد وتقاوم وتبني وتعمل لتحقق ذاتها وأهدافها وتصون قيمها، وهم يعملون ليحققوا أهدافهم ومصالحهم.. ولكن شتان بين من يعمل على أرضية الخير ليبقى هو ولينموَ الخير وينتشر، وبين من يعمل على أرضية الشر ليمحوَ غيره بالخديعة والهدوان والغدر لكي يكبر الشر وينتشر..؟!! وسورية في جانب الخير وضد كل لون من ألوان الشر.. هكذا نريدها وهكذا يمكن أن تكون بوعي أبنائها وتصالحهم وتعاونهم وإبداع المبدعين منهم في كل مجال من مجالات الحياة.

والله ولي كل توفيق.