خبر إما نحن وإما هم.. اسرائيل اليوم

الساعة 09:28 ص|19 ابريل 2013

بقلم: درور إيدار

(المضمون: لو أن العرب في 1948 انتصروا لذبحوا اليهود - المصدر).

1. نعود مرة اخرى الى أمر النكبة ويُعذبوننا بانشاء الدولة. قال عضو الكنيست احمد طيبي: "هذا تناقض منطقي. ففي الوقت الذي اقتُلع فيه عرب من اراضيهم، جعلوا يهودا يهاجرون الى اماكنهم برحلات بحرية من العالم كله". إننا مذنبون حقا لأننا حاربنا من اجل استقلالنا ولم ننتظر فؤوس المضطهِدين. ونحن مذنبون لأننا عدنا الى ارض آبائنا وكنا على استعداد لتقاسم ارضنا مع آباء الطيبي الذين كان ردهم اعلان حرب دامية على الاستيطان العبري.

إن منطقة طفولتي شرقي بيتح تكفاه تقع فوق ارض القرية العربية فجة، التي أُنشئت في اربعينيات القرن التاسع عشر على أيدي فلاحين مصريين. وأصل الاسم تحريف لكلمة يونانية تعني "ينابيع"، ويظهر في "المشناه" مع شواهد على سكن اليهود هناك. وجاء الفلاحون القليلون الى منطقة قفر واستولوا على اراضي المنطقة.

حينما جاء الأوائل الى بيتح تكفاه في 1878 وجدت القرية الفقيرة نعمة اقتصادية في العمل في القرية الزراعية وبيع الاراضي التي حظيت بها قبل ذلك بعشرات السنين. ولم يمنع ذلك ناس الفجة من ان يروا الحقول التي باعوها لليهود أنها حقولهم. وقد تحدثت الى أمنون ملمود الذي ترعرع في ثلاثينيات القرن الماضي في "حي القدس" الذي كان يقع شرقي الشارع 40 على اراض اشتُريت من عرب الفجة. وتحدث عن اعمال تنكيل دائمة قام بها ناس القرية في الفلاحين اليهود.

"كانوا يُدخلون قطعان الماعز والأغنام في حقولنا". ولم تُجدِ الشكاوى للشرطة البريطانية كما حدثني ملمود.

2. بدأت القرية تكبر مع دخول البريطانيين الى ارض اسرائيل فزاد عدد سكانها من 200 نسمة في مطلع عشرينيات القرن الماضي الى نحو من 1500 نسمة قُبيل انشاء الدولة ونبعت هذه الزيادة في الأساس من هجرة باحثين عن العمل. وفي مقابل ذلك ومنذ كانت أحداث 1921 خرجت خلايا منفذي عمليات من القرية فبثوا شحنات ناسفة وشاركوا في اعمال سطو وقتل في المستوطنات اليهودية. وفي نيسان 1936 بدأ التمرد العربي الكبير الذي اشتمل مع الاضرابات على اعمال سلب وقتل كثيرة. وفي آب انضم عرب الفجة الى الحفل.

وأفادت صحيفة "دفار" فقالت: "أُمطرت أطراف بيتح تكفاه بطلقات كثيرة من اتجاهات مختلفة. وهذه أول مرة في ايام الأحداث تطلق فيها قرية الفجة المحاطة بأراض يهودية النار على بيتح تكفاه. وبلغ رصاص الفجة الى طرف عين غنيم والى حي سفارديم والى كيبوتس رودغز (كفار ابراهام)".

وأفادت صحيفة "دفار" في ايلول: "في الثامنة أمس أحرق عرب آخر كوخ صفيح في حي البلغاريين على حدود القرية العربية الفجة". وقالت الصحيفة ان هذه لم تكن المحاولة الاولى. وغير ذلك كثير.

وفي أيار 1947 قتلت أم وابنتها في الحي الذي كان يحاذي الفجة من الغرب. وقد عرف القاتل العائلات من اليهود الشرقيين التي كانت تعيش في الحي وحظي بثقتها. وهذا تفسير سهولة نجاحه في الدخول الى البيت الصغير وذبح المرأتين فيه. وقادت الآثار الى قرية الفجة وزادت الخشية من زيادة الباعث عند عرب القرية مع نجاح العملية.

وألقت الهاغاناة على البلماح أن يعتقل المشاغبين، وترأس الوحدة شلومو ميلر وهو أول ابن ولد في كيبوتس "جفعات هشلوشه" (الذي كان في بيتح تكفاه آنذاك). وداهمت الوحدة مقهى القرية الذي شوهد فيه ناس العصابات المسلحة قبل ذلك. وفي المداهمة أُصيب ميلر في جبينه ونقل الى مستشفى بلنسون وتوفي متأثرا بجراحه. وفجر خبراء الألغام في البلماح المقهى الفارغ من الجالسين فيه.

وفي الثلاثين من تشرين الثاني 1947 بعد يوم من قرار الامم المتحدة على تقسيم البلاد وانشاء دولة يهودية هوجمت حافلتان لـ "ايغد" قرب الفجة. وربط جزء من الشهادات قاتل اليهوديتين بهذا الهجوم ايضا. وعلى كل حال أُطلقت في الفجة الطلقة الاولى لحرب الاستقلال.

3. في اثناء الحرب هرب قسم من سكان القرية، وغادر قسم وطُرد الباقون. بعد 100 سنة من وصول الفلاحين المصريين ترك أبناؤهم المنطقة. ودمرت الكيرن كييمت القرية بصورة نهائية. واحتاجت بيتح تكفاه مع أمواج الهجرة الكبيرة الى اراض تُسكن المهاجرين فيها من الفارين من البلدان العربية واوروبا. ولم تخشَ سلطة مباي ان تسمي المكان "نفيه كيبوش". فحينما يكون العدل واضحا يكون احتلال الوطن ايضا عملا عادلا. وتحولت "نفيه كيبوش" على مر السنين الى "كريات يغئال ألون".

وأُنشيء على أنقاض المقهى الذي قُتل فيه شلومو ميلر، في خمسينيات القرن الماضي مركز جماهيري اسمه "بيت شلومو". وجئت الى هناك ذات مساء ووقفت أمام المدخل وحاولت ان أستعيد في ذهني أصوات المعركة آنذاك وهذا أمر غير سهل أمام الحي الوادع. ومع كل ذلك عملت سنتين أبحث في تاريخ أحياء بيتح تكفاه الى أن أصبحت الأحداث التي قرأت عنها وجمعت شهادات عنها جزءا من ذكرياتي. وحينما عزمت على الذهاب استدرت وأصابتني صدمة فقد وقفت أمامي موجة حجارة محاطة بجدار. هذا ما بقي من الفجة. قد يكون بيت المختار وقد يكون مسجد القرية وقد تكون بقايا المقهى الذي مات فيه شلومو ميلر. ووقفت دقائق طويلة مُسمّرا في المكان ذاهلا عن نفسي. وفصلت نفسي عن المكان بصعوبة.

وتساءلت طول الليل عن معنى ردي الشعوري وفهمت حينما طلع الصباح. حينما وقفت هناك فوق موجة الحجارة الخربة في الفجة لطمني التاريخ على وجهي وأيقظني. ولم يكن الحديث عن قصص قديمة بل عن حاضر واقع يخصنا جميعا. إن الذي لطمني في ساعة المساء تلك هو العلم المخيف بأنه كان يمكن ان يقف مؤرخ عربي لو كان مسار التاريخ مختلفا قرب أنقاض ما كان ذات مرة أول قرية زراعية عبرية في ارض اسرائيل ويوثق محاولة اليهود الفاشلة التمسك بالمكان وهي محاولة نجح أبناء شعبه العرب في إفشالها بالدم والنار وأعمدة الدخان.

4. لأن هذا هو عمق قصة حرب الاستقلال: فاما نحن وإما هم ولا توجد طريق في الوسط. فلو أن عرب البلاد انتصروا ولو أن آباء احمد الطيبي قد انتصروا لذُبح سكان البلاد من اليهود لأن هذا هو ما خططت له القيادة الفلسطينية والدول العربية: التطهير العرقي بذبح شعب.

أعلن الامين العام للجامعة العربية عبد الرحمن عزام قُبيل اجتياح الدول العربية: "ستكون هذه حرب إبادة وذبح جماعي سيتم تذكرها مثل مذابح المغول والصليبيين". وقال لآباء احمد الطيبي: "سيكون الاحتلال بسيطا كنزهة عسكرية... وسيكون طرح اليهود في البحر أمرا سهلا... وننصح عرب فلسطين بأن يتركوا اراضيهم وبيوتهم ويسكنوا مؤقتا في دول شقيقة مجاورة كي لا تأتي مدافع الجيوش العربية وتحصدهم حصدا".

والمفارقة هي أنه منذ ذلك الحين الى اليوم بقي اللاجئون الفلسطينيون سلاحا في محاربتنا. في العالم كله نُقل عشرات الملايين من اللاجئين وأُسكنوا في اماكن جديدة لكن بقيت مخيمات الفلسطينيين على حالها تذكيرا بالخراب لا خرابهم بل أمل خرابنا. اجل كان يوم ابتهاجنا يوم كارثتهم