خبر سورية تحتفل بذكرى استقلالها.. علي عقلة عرسان

الساعة 12:46 م|18 ابريل 2013

لسورية دور ملحوظ في تكوين الهوية الثقافية العربية وفي المحافظة عليها، وجذر الثقافة العربية في سورية أقدم بكثير مما يُقدَّم إلينا ونحفظه ونحافظ عليه باعتزاز، وأبعد من المعطيات الثقافية التي تبدأ التأريخ للثقافة العربية من المرحلة الجاهلية صاعدة إلى ما طرأ وتطور وتركَّز ونما بعد ذلك في ظل الإسلام، عبر عصوره المختلفة. فسورية التاريخية هي سورية الطبيعية وهي ليست تلك التي قدمت للعالم أولى خطوات حضارة المجتمعات الزراعية التي نمت وترعرت في سهل "نَطوف" قرب أريحا في الألف العاشر قبل الميلاد فقط، بل الكتابة المسمارية مع شقيقها العراق في مرحلة الحضارتين السومرية والأكادية اللتين نشأتا من عناق العرب الآموريين "الغربيين" مع الفرات والعرب الشرقيين ممن جمعهم ساحل المتوسط وعمق النهرين، دجلة والفرات، حيث تواصلِهم مع الثقافة النامية هناك منذ الألف الخامس قبل الميلاد؛ بل هي أيضاً تلك التي تفخر بأنها قدمت للبشرية حضارة ماري وايبلا 2300 ق. م وقدمت أول مكتبة منظمة في التاريخ، مكتبة إيبلا التي كان لنصوصها الموروثة تأثير وحضور في التوراة التي تأثرت بذلك وأثَّرت بدرجات متفاوتة في ثقافة الغرب.

 وقدمت سورية أول أبجدية في التاريخ من خلال حضارة أوغاريت 1400 -1200 قبل الميلاد، وهي حضارة الفينيقيين الذين هم فرع من العرب  الكنعانيين، وقدمت المساهمة الآرامية في المعرفة والعمران، وتعتز بأنها ليست ملتقى حضارات الشرق والغرب، بل هي مهد تلك الحضارات، والموقع الذي شهد نموَّها المعتدَّ به والموثَّق علمياً وتفاعلها الخلاق.

ولم تكن سورية، في تاريخها الممتد عبر الزمن، تستعير هويتها من الثقافات التي تتواصل وتتفاعل معها وعلى أرضها، بل كانت تُغني تلك الحضارات وتغتني بها، وتخوض معها مثاقفة واعية لأهدافها وأغراضها، بثقة واقتدار ووعي، وتنصهر في بوتقتها الحضارية الخاصة القادرة على الصهر والتأثير والتمثّل.

فالشخصية الثقافية العربية لم توجد أو تتكوَّن في هذا البلد العريق مع مجيء الغساسنة إليه من اليمن بعد انهيار سد مأرب وتوطّنهم في حوران، وإقامتهم لمملكتهم العريقة هناك التي تحالفت مع الرومان والبيزنطيين، وتصارعت مع مملكة إخوتهم المناذرة في الحِيرة الذين كانوا يتحالفون مع الفرس، وإنما كانت تلك الشخصية الثقافية وتكونت هنا في هذه الأرض مع كل ما كوَّن سورية ومن كوَّنها قبل مرور الفراعنة والفرس واليونانيين والرومان والبيزنطيين بهذه الربوع، وقبل اليهودية والمسيحية بآلاف السنين.

في دمشق توجد معطيات الحضارة والثقافة العربيتين قبل قرون من مرحلة الكنعانية التي عمَّت السواحل الشامية؛ وفي القدس توجد قلعة اليبوسيين العرب - نسل الكنعانيين الأوائل - الذين بنوا قلعة صهيون، " وصهيون هي الأرض المرتفعة باللغة الكنعانية"، وأسسوا  المدينة حوالي عام 3400 ق.م أي قبل مجيء موسى واليهودية بنحو ألفين من السنين، وقبل قدوم إبراهيم الخليل عليه السلام من أور العراق إلى الخليل في الشام بما يقارب 1500 سنة.. وفي دمشق توجد حضارة الآراميين، وأينما توجه الإنسان وبحث في سورية الكبرى يجد ما يشير إلى حضور متطوِّر للإنسان والحضارة في هذا البلد الذي عُرف بسورية الطبيعية ثم بلاد الشام،  قبل أن يقسمه الاستعمار الأوروبي الحديث ـ الفرنسي والإنكليزي ـ إلى أربعة دول بموجب معاهدة سايكس ـ بيكو في عام 1916 وقبل أن يدخل ذلك التقسيم حيِّز التنفيذ مع نهاية  الحرب العالمية الأولى، وسقوط السلطنة العثمانية، وخضوع البلاد للاستعمار الغربي المباشر، استعمار فرنسا وبريطانيا، الذي كرَّس التجزئة والجغرافية السياسية القائمة اليوم على أنقاض جغرافية سورية الطبيعية، وأقام دولاً تدافع أنظمتها القطرية عن التجزئة والإرث الاستعماري بحماسة قل نظيرها، كما تدافع كل الأنظمة العربية عن الجغرافية السياسية التي صنعها الاستعمار.. وهي لا تكتفي بذلك بل تتآمر مع الاستعمار على بعضها بعضاً لتزيد من درجة التجزئة والتفتيت والضعف والتنكر للتاريخ العريق!؟ في سورية يمكن تلمُّس مقومات الهوية الثقافية العربية الإسلامية منذ انتشار الإسلام في هذه الربوع، ولكن معطيات تلك الهوية ومقوماتها جاءت تثبيتاً وتعزيزاً وتنمية وتطويراً كبيراً لجذر الثقافة العربية وجوهرها القديمين، ذينك اللذين بُنيا على وثنية أولى سبقت إبراهيم الخليل / عاش الخليل في حوالي 1850 ـ 1900 ق. م /  ووجدت في ظلها أولى أساطير الخلق والتكوين والميثيولوجيا، والآلهة المتعددة الصفات والوظائف ـ إينوما ايلش Enuma Elish  أسطورة التكوين البابلي ـ في أرض العراق ثم الأساطير الكنعانية والفينيقية في امتداد الشام، وأولى الشرائع البشرية الوضعية: شريعة حمورابي، ثم مرَّ تدرُّج وتطور ملامح تلك الهوية ومقوماتها برحلة ذلك الموحِّد الأول في التاريخ إبراهيم بن آزر من أور إلى فلسطين ومكة، حيث أقام أسس الكعبة المشرفة مع ابنه الأكبر ، أبينا إسماعيل، عليهما السلام، وقد جاء  الموحد إبراهيم، أبو الحنيفية السمحة، قبل الموحد الفرعوني إخناتون بأربعمئة سنة تقريباً، وبقيت تجربته الفذة في عمق الوجدان الجمعي ومعاني رحلته في تربة أرض الرسالات الإلهية، بقيت منبعاً صافياً للروح ومنارة للهداية.

وتلت ذلك العصورُ الوثنية الأحدث عهداً، تلك التي بنيت عند العرب على خلفية عميقة لعقيدة التوحيد، عقيدة إبراهيم الخليل، وكانت تغلفها وتقنِّعها فتحجبها وتظهَر على حسابها، وثنيةٌ مستوردةٌ على طريقة عمرو بن لحيّ أول من أدخل عبادة الأصنام إلى شبه الجزيرة العربية في فترة متأخرة من الجاهلية الأولى؛ وكانت تلك عقيدة تتخذ من الآلهة المنقولة إلى أرض إبراهيم وإسماعيل من بلاد الشام، تتحذ منها وسائل وزلفى تقربها إلى الله الواحد: ﭽ ﮆ   ﮇ  ﮈ  ﮉﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ    ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ   ﮔ     ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ   ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟﮠ  ﮡ     ﮢ  ﮣ   ﮤ  ﮥ  ﮦ   ﮧ                  ﮨ  ﮩ  ﭼ الزمر: ٣  وتتقرب بها من الله الواحد الأحد الذي كان يستقر الإيمان به في الأعماق وتحجب ذلك حُجُب.

ونلمس ذلم في القديم من الشعر الجاهلي ، فقد قال امرؤ القيس الكندي

حَلَّت لِيَ الخَمرُ وَكُنتُ اِمرَأً       عَن شُربِها في شُغُلٍ شاغِلِ

فَاليَومَ أُسقى غَيرَ مُستَحقِبٍ       إِثماً مِنَ اللَهِ وَلا واغِلِ

وقال زهير بن أبي سلمى بعه بزمن:

فَلا تَكتُمُنَّ اللَهَ ما في نُفوسِكُم       لِيَخفى وَمَهما يُكتَمِ اللَهُ يَعلَمِ

يُؤَخَّر فَيوضَع في كِتابٍ فَيُدَّخَر       لِيَومِ الحِسابِ أَو يُعَجَّل فَيُنقَمِ

ولم تكن القبائل العربية تتهيب، بسبب الإيمان العفوي العميق بوجود الله، من أن تأكل أوثانهاـ آلهتها المصنوعة من التمر ـ عندما تجوع، ففي ضميرها وفي أعماق لا وعيها الجماعي يوجد الله، فقد كانت تعيش، على نحو ما، ملَّةُ إبراهيم حنيفاً مسلماً، وهي الملَّة التي أعادها إليها الإسلام على يدي رسول الله محمَّد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. وقد جاء ذلك بوضوح في القرآن الكريم إذ يقول تعالى: ﭽ ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ   ﮬ   ﮭ  ﮮ   ﮯ  ﮰﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕﯖ  ﯗ  ﯘ   ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ   ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ     ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮﯯ  ﯰ  ﯱ     ﯲ   ﯳ   ﯴ   ﭼ الحج: ٧٨ فالإسلام الذي جاء بلسان عربي مبين، بوحي نزل على نبي عربي، ردَّنا إلى ملَّة أبينا العربي إبراهيم الذي بنا وابنُه إسماعيل أول بيت للناس في مكة أو بكَّة، وأقام من ذريته بواد غير ذي زرع، ودعا الله أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم.

والإسلام الذي تجدد وتوسع واستكمل رسالته باستكمال الوحي والسنة المطهرة بوصية النبي العربي في حَجَّة الوداع، أعاد صوغ الشخصية الثقافية العربية وعزَّز مرتكزاتها التي من أبرزها: اللغة بما حملت، والدين بمنظومات قيمه وحِكَمه وأحكامه وأبعاده الروحية، والعادات والتقاليد والسمات والملامح القومية العامة للأمة، وما يقيم قيم الناس وحياتهم وأهدافهم في ظلها، ودعا المسلمين إلى أن ينشروا عقيدتهم في الناس كافة بالحسنى، فهي رسالة للعالمين. وحين تشرَّف العرب والعربية بحمل هذه الرسالة التي أقرت بعض ما كان عليه العرب من عادات وعلاقات ومعطى ثقافي وإنساني وحقاني وروحاني لا يتعارض مع الإسلام، حملوا ثقافة تتسامى بالرسالة ورسالة تعزز الثقافة وتدعو إلى اجتثاث ما ساء أو خبُث أو ضرَّ من سلوك واعتقاد وعمل وعلم ـ فلا بارك الله في علم لا ينفع الناس ـ ومضى أولئك العرب بمقومات تاريخهم وقوميتهم والعقيدة التي تشرفوا بحملها والدعوة إليها في مشارق الأرض ومغاربها، مضوا وهم على بينة من أمر  هو  في غاية الأهمية لجهة مفهوم الانتماء والانتساب والمكانة وما يرفع شأن فرد أو أمة أو يخفض من شأنهما. و هاهي بعض المعايير والأسس والأحكام في " القرآن الكريم والسنة المشرَّفة" تؤكد لمن اتبعهما أنه لن يضل أبداً، ولن يقع في التعصب والغلو والمحظور والمحذور من الأمور إن هو أجاد الفهم والتفسير والربط والتنفيذ والاقتداء. وهذا الربط المحكم بين العروبة والإسلام، بين العربي والمسلم، وبين الثقافة العربية ـ الإسلامية وأهمية الانتماء الإنساني العام لقيمها ومقوماتها، ذاك الذي تجسده العربية ومفهوم الرسول عليه الصلاة والسلام الذي قدمه لـ من هو العربي ـ ملغياً بذلك كل صيغة من صيغ التعصب والعنصرية والاستعلاء ـ هذا الربط جعل من مفهوم سورية العربية ـ المسلمة، للعروبة والإسلام مفهوماً حضارياً متقدماً شاملاً ومتكاملاً، مبنياً على ذلك الترابط ونابعاً منه، فـ " العروبة جسد والإسلام روح ".. وهل يمكن أن يحيا الجسد بلا روح أو ألا تسكن الروحُ جسداً؟! وإذا قدر جدلاً أن عاش جسدٌ من دونها، فمن عساه يكون وماذا يكون ذلك الجسد؟! هل يكون أكثر من كتلة من اللحم المتراكم يتحرك بلا غايات أو أهداف أو ماهية ذات هوية؟! وهل بلا روح وبلا هوية وشخصية وأهداف يُعْرَف المرء ويشعر بمعنى للعيش وبتمايز بين الخلق وبقيمة للحرية والسعادة، أو بأدنى فهم للكون والخلق والخالق؟! هل يكون أكثر من معدة تُملأ وتُفرغ من دون أن تعرف كيف ولماذا ؟! وويل لابن آدم عندما يتحول إلى مجرد معدة كما قال أمامنا العظيم محمد بن إدريس الشافعي.

إن كل عودة واعية إلى التاريخ القديم، تقدم لنا عمقاً وأبعاداً واستخلاصات تزيد هذه العبارة قوة ومدلولاً واستمراراً، وتُمِدُّها بدفق حيوي بلا حدود. فمذ كانت الشام في ظل الإسلام، كانت موقعاً ممتازاً ومتميِّزاً في الحضارة العربية ـ الإسلامية، وحصناً ثقافياً ونضالياً تحتمي الأمة به وتتحصَّن بقوته وبمبدئيته لتستعين بذلك على الشدة وتكشف الغمَّة، ولتمتلك من بعد ناصية أمرها، وقوةً تدفع بها عن نفسها غوائل الأيام وعدوان المعتدين.

وبعد الحرب العالمية الأولى، وسيطرة الفرنسيين والبريطانيين على بلاد الشام وتقسيمهم لها إلى دول الجغرافية السياسية التي نعيش في ظلها اليوم، دول معاهدة سايكس ـ بيكو.. قاومت سورية كلُّها الاستعمار والمشروعَ الصهيوني الذي كان يحتضنه الاستعمار ويبشر به ويعمل من أجله، وهو المشروع الذي هدد النبض القومي كله والوعي العربي ـ الإسلامي كله، بَلْهَ القضية المركزية وأبعادها.

واستطاعت سورية أن تنجز استقلالها الذي تحتفل اليوم، السابع عشر من نيسان، بذكراه السابعة والستين، بعد ربع قرن من الاحتلال الفرنسي البغيض والثورة المتجددة عليه، حيث كانت سنوات الاحتلال بين 1920 و1946 ثوراتٍ وكفاحاً مسلحاً ونضالاً مدنياً وشعبياً عاماً، أدت إلى الاستقلال. ومنذ عام 1948 وسورية تدافع عن الثوابت والحقوق القومية العربية والإسلامية في فلسطين، ومنها القدس الشريف بما تمثله للثقافتين العربية والإسلامية وللجذر الثقافي والبشري العربيين في هذه المنطقة من معطيات حضارية وروحية، وتتصدى للمشروع الصهيوني العنصري ـ التوسعي ـ الاستيطاني، وتخوض صراعاً مراً مكلفاً إلى أبعد الحدود، وتدعو إلى الوحدة سبيلاً للقوة والتحرير والنهضة، وإلى مقاومة أشكال الاستعمار والهيمنة والنهب والسيطرة والغزو الاستعماري والصهيوني، سواء أكان ذلك الغزو: ثقافياً ـ سياسياً، أم اقتصادياً واجتماعياً، أم عسكرياً وأمنياً..إلخ

 وعندما دعت سورية إلى نهضة قومية وحرية شاملة ووحدة كانت تدرك جيداً أن ذلك أحد أهم مداخل الخلاص القومي، وبداية التأسيس للنهضة العربية الإسلامية الشاملة، وكانت ترى الخطر الأكبر  الذي يحمله المشروع الصهيوني على العروبة والإسلام معاً، ثقافياً وحضارياً واجتماعياً واقتصادياً، وتدرك أن المشروعين: العربي والصهيوني، متناقضان متناحران متضادان يتصارعان حتى النهاية، وأنه لا يمكن أن يتعايشا أبداً، بل إن تلاقيهما في هذه الأرض معناه استمرار الصراع والتوتر وأشكال الحروب وأراقة الدماء، ومعناه أيضاً غياب كل ملمح من ملامح السلام والأمن والاستقرار والازدهار.. لأنه لا مجال للتعايش بين العنصرية ـ الصهيونية وثقافتها التلمودية ـ الاستعمارية التي تعيش حالة مزمنة من التخلف والتزييف والكذب والخداع والعدوان، وتبيح  استعباد الآخرين " الغوييم" واستباحة أرضهم ودمائهم وأملاكهم وأعراضهم، وتقول بإبادتهم كلياً إذا هم وقفوا في وجه مشروعها الذي يرتدي مسوح " الرب التلمودي، يهوة رب الجنود، عاشق الحرائق والدماء.. إله العشيرة والحقد والخراب والإرهاب والقتل.. ومشروعها الصهيونية هو مشروع " إسرائيل" الذي يجسِّد خططها العنصرية الاستعمارية التي تنفذها بتواطؤ مع الغرب الاستعماري ـ الصليبي الذي يتأكَّله حقد تاريخي قديم على العروبة والإسلام معاً.. ومن أسى وأسف أن يشارك الصهاينة والغربيين الاستعماريين اليوم في عدوانهم وأهدافهم "عربٌ" من عرب هذا الزمان يتحالفون مع أعداء العروبة والإسلام ضد العروبة والإسلام!؟. لقد رأت سورية ببصيرة منذ استقلالها ألا مجال للتعايش بين المشروع الاستيطاني  العنصري وبين العروبة القائمة على إرث حضاري ـ إنساني عريق والمستندة إلى تعاليم الإسلام العظيم: دين التسامح القويم المتوجِّه إلى البشرية جمعاء بالعدل والإخاء، الإسلام الذي لا يرى لعربي فضلاً على أعجمي إلا بالتقوى، والذي يقول قرآنه الكريم: ﭽ  ﭙ  ﭚ   ﭛ  ﭜ   ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ   ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ   ﭫﭬ ﭺ  ﭼ المائدة: ٣٢.. وهذه الرؤية السورية وعي ثقافي عربي ـ إسلامي، تلتزم التزاماً أخلاقياً إنسانياً رفيع المستوى فرضه الإسلام ويلتزم به المسلم حيال البشرية كلها وليس حيال المسلمين فقط، وهو سمو روحي وثقافي وحضاري سامق لكل منتمٍ لحضارة العروبة والإسلام، ولا نجد له مثيلاً في تاريخ الأديان والحضارات.

سورية: مهد الحضارة، وبوتقة الثقافة، وموطن القيم الروحية والاخوة الاجتماعية، وحصن العرب، وأحد أهم دور الإسلام.. تحتفل اليوم بالذكرى السابعة والستين لاستقلالها وهي غارقة بدمها وتنوشها الوحوش المفترسة من كل مكان.. تحتفل بدمها المحَرِّر وهي بثوب من دمها المهراق على جسدها العاري.. تحتفل وتذكر، وهي تنزف دماً وتسيل دموعاً، أن استقلالها الذي كتبه أبناؤها بدمائهم الطاهرة كان حلقة من حلقات النضال من أجل مقاومة تفتيت بلاد الشام وتجزئة الأمة العربية، وأنه خطوة على طريق تحرير الأرض واستعادة وحدة الشام أحد مداخل وحدة الأمة العربية، وأنه انطلاقة في طريق طويلة نحو مواجهة المشروع الصهيوني وركائز الاستعمار الغربي المتمثل في إقامة " إسرائيل" في فلسطين، الجزء الجنوبي الغربي من بلاد الشام، والمفصل بين العرب في قارتي آسيا وأفريقية.. تحتفل سورية بذكرى الاستقلال والتخلص من الاستعمار الفرنسي البغيض الذي دام ربع قرن، وهي تدرك أن ما تخوضه اليوم من حرب دامية وصراع مرٍ مفروضٍ عليها ما هو إلا مرحلة من مراحل استهدافها كدولة وتاريخ وهوية وثقافة وحضارة، واستهداف ما تمثله من موقع وأهداف ومواقف ورؤى، صنعتها أجيال من أبنائها، كل أبنائها/ عبر التاريخ، وأن من يغرق في القتل والخطأ من أبنائها ويغرقها فيما هي فيه من دمار وموت وبؤس وأزمات مهلكات، إنما يخطئ ويجر غيره إلى الخطأ، ولا بد ويدرك أنه لم يسلك بها وإليها الطريق التي تقودها إلى الأمن والسلام والبناء والاستقرار والنهضة، ولم يقم بما يعزز مكانتها بوصفها مهداً للحضارة الإنسانية، وحصناً للعروبة والإسلام.

دمشق في 16/4/2013