تقرير أعراس شعبية في غزة تمسح آلام الأسر

الساعة 11:09 ص|17 ابريل 2013

غزة

لا تخلو مناسبة إطلاق سراح أسير من سجون الاحتلال من مشاهد الوحدة التي تتجلى مؤكدةً أن قضية الأسرى هي واحدة من آكد قضايا الإجماع الوطني.

 تذوب الفوارق السياسية والانتماءات الحزبية، وقد بدا ذلك جلياً في يوم إنجاز صفقة وفاء الأحرار إذ تعانقت رايات القوى والفصائل الوطنية والإسلامية في مشهدٍ موحد لتختزل في اجتماعها علم فلسطين الحبيبة.

 آخر نماذج تلك الأعراس الوطنية التي تلاقت فيها ألوان الطيف السياسي الفلسطيني كانت في استقبال الأسير المحرر إبراهيم بارود، بعد غياب سبعةٍ وعشرين عاماً قضاها خلف قضبان القهر الإسرائيلي.

 فعلى الرغم من أن المحرر إبراهيم بارود لا ينتمي سياسياً لأي من الفصائل، إلا أنه كان ملاحظاً حضورها جميعاً في عرس استقباله، في دلالةٍ على احتضان الشعب الفلسطيني للأسرى المحررين وفي مشهد يعكس لمسة وفاءٍ لوالدته التي تلقب بـ"أم الأسرى".

 خمسون عاماً عاشها بارود، تشرب فيها حب الوطن من حليب والدته الصابرة أم إبراهيم، التي تقول: " لقد زرعت في ابني منذ الصغر كما جميع أبنائي قيم الانتماء للوطن وبذل النفس والمال في سبيل تحريره، والحمد لله ساروا على هذا الدرب".

 وتضيف:" ارفض أن يصنفوا ابني أنه ابن هذا الفصيل أو ذاك رغم أنني أتشرف بتضحيات الجميع ودورهم الكبير في الكفاح من أجل تحرير الأرض، لكن الأصل أن نكون جميعاً تحت مظلة الوطن لأنها أشمل وأوسع".

 ولفتت أم إبراهيم النظر إلى أنها تعتز كثيراً بجميع القوى والفصائل العاملة على الساحة الفلسطينية، رغم كونها تُفضل عليها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، التي تعتز بإرثها الجهادي الكبير، ودورها في تعزيز الوحدة الوطنية بقيادة الأمين العام الدكتور رمضان شلَّح.

 وتبدي الوالدة بارود سعادةً غامرة بما رأته يوم استقبال ابنها بعد تحرره من سجون الاحتلال، واصفةً المشهد بالعرس الوطني الكبير، الذي لم تكن تتوقعه.

 وشددت بارود على أنها ستواصل مسيرتها في دعم الأسرى وتعزيز مكانتهم الوطنية والتفاف الشعب حول قضيتهم العادلة بشتى الوسائل والأساليب استناداً لرمزيتها الوطنية، فهي - كما تقول - ترفض كل أشكال التفرقة بين أبناء الجسد الواحد.

 من جانبه، أكد مدير مركز الأسرى للدراسات رأفت حمدونة أن الاستقبال الشعبي للأسير المحرر هو أقل شيء يمكن تقديمه له بعد الإفراج عنه، منوهاً إلى أن ذلك يُشعره بقيمته الوطنية والمعنوية.

 وقال:" أنا كأسير محرر أول سؤال وجّه لي بعيد الإفراج عني: هل ذقت عذاباً من قبل؟، أجبتهم بصراحة: لا، على الرغم من أنني تعرضت لتعذيبٍ قاس على يد الاحتلال، لكن الاستقبال الشعبي كان له أثرٌ بالغ في مسح عذابات الأسر".

 ولا يُبدي حمدونة استغراباً من حجم الاستقبال الشعبي الواسع الذي لاقاه الأسير بارود وبعده الأسير يوسف سليسل ومن قبلهما أيمن الشراونة ومحمود السرسك، قائلاً:" الجماهير تُقدر عالياً الأسرى وجهادهم وتحديهم للسجان، فهم في جبهة قتال متقدمة مع العدو المحتل لا تقل خطورةً عن الذي يقاتل في ميدان المعركة".

 ودعا حمدونة كل القوى والفعاليات والمؤسسات إلى الاهتمام بشكلٍ أكبر بمراسم استقبال الأسرى فور تحررهم، لما يمثلونه من رمزية على مستوى القضية.

 وثنّى مدير عام إذاعة صوت الأسرى طارق عز الدين على كلام حمدونة، موضحاً أن فرحة الأسير المحرر لا يمكن أن توصف لحظة تنسمه الحرية.

 وقال عز الدين – من محرري صفقة (وفاء الأحرار)- :" عندما يرى الأسير المحرر جماهير غفيرة في استقباله بعد غيابٍ عن المشهد لسنوات طوال تتحول آلامه إلى آمال وأحزانه إلى أفراح لا يمكن وصفها، لأنه في هذه اللحظة يرى محطات البطولة التي قدمها في الأسر لم تنس في أذهان الناس".

 وأضاف:" لن أنسى على الإطلاق ذلك المشهد فور تحرري عندما احتشد الآلاف من جماهير شعبنا لاستقبالنا، ولا أخفي عليكم رغم الألم الذي اعتصرنا لترك أحبائنا خلفنا في الأسر إلاّ أن هذه الساعة كانت أسعد محطات حياتي".

 من جهته لفت المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي داود شهاب إلى أن حركته تشارك في كل المناسبات الوطنية الداعمة للأسرى أو تلك التي تحتفي بانتصار وتحرر أيٍّ منهم.

 واستشهد شهاب في حديثه بمشاركة عناصر وكوادر الحركة بقوة في استقبال الأسير أيمن الشراونة الذي ينتمي لحركة حماس وغيره من الأسرى المحررين حتى لو لم يكونوا منتمين لـ"الجهاد".

وأوضح أنه على الرغم من عدم انتماء المحرر إبراهيم بارود للحركة إلا أن كوادر الجهاد وعناصرها شاركوا بفعالية في استقباله.

 الناطق باسم الحكومة في غزة طاهر النونو، وصف تسابق الفصائل على خدمة الأسرى واستقبال المحررين منهم بأنه "تنافس محمودٌ ومطلوب" ، معتبراً أن ذلك جزء من رد الجميل لتضحيات هذه الشريحة المناضلة.

وقال النونو: لاشك أن قضية الأسرى توحدنا جميعاً والحكومة لا تفرق بينهم على اعتبارات الانتماء السياسي.

وأشار إلى أن رئيس الوزراء إسماعيل هنية لا يتوانى عن القيام بالواجب تجاه الأسرى والمحررين، مبيناً أن هذه القضية على رأس سلم أولوياته.