خبر طبخة مسمومة مذاقها مواجهة وحشية.. علي عقلة عرسان

الساعة 04:48 م|12 ابريل 2013

                                         علي عقلة عرسان

 

جبهة النصرة تعلن انتماءها إلى القاعدة وتبايع زعيمها على السمع والطاعة، وتتوجه نحو دولة خلافة ترى فيها إلى الجماعة السورية "مادة رباط وجهاد"، وتلتقي مع "دولة العراق الإسلامية" في الغايات والاتباع. وقيادة الجيش الحر، حسب مصادره، لا تنسق مع قيادة جبهة النصرة وتختلف معها في مشروعها وفي رؤيتها للدولة المستقبلية في سورية، وتلتقي معها في هدف إسقاط النظام وتنأى بنفسها عنها في ما عدا ذلك، والائتلاف السوري يعلن: " أن «خط القاعدة لا يناسبنا" وينتظر.. والإخوان المسلمون في سورية يقولون بحكومة مدنية تعددية ديمقراطية تداولية ولا يشيرون إلى الشريعة أو الخلافة، ويقبلون شركاءهم في العمل على إسقاط النظام.. والحكومة الانتقالية تبحث عن طريق في هذا المضيق بين رافض لرئيسها ورامح إلى فُلكها وراغب في السيطرة عليها وهي لم تتخلق بعد. وكل لون في ذلك الثوب المفصِّل لسورية يقاتل في سورية ويرى أنه يمثل " الشعب والمستقبل" ويملك الحق والحقيقة، ويتوسل إلى بلوغ أهداف بكل ما يمكن أن يوصله إلى تلك الأهداف بصرف النظر عن " ماهية الوسيلة".

وسورية الدولة والحكومة والجيش والقوى التي تتصدى لمن يريد أن يفرض عليها مشروعه وسياسته ورؤاه، ومن يريد أن يلبسها ثوبه وينشئها على هواه.. لا تخفي ارتياحها لما جاء مصداقاً لأقوالها حول علاقة جبهة النصرة بالقاعدة، وتستمر في تصديها لمن يستهدف النظام والبلد بكل وسائل القوة، معلنة أنها تحارب الإرهاب والمسلحين الخارجين على القانون وتحمي الدولة والشعب.. مؤكدة، في الوقت ذاته، تمسكها التام والمطلق بالحل السياسي الذي يعني مفهومياً لديها استمرار القتال والترحيب بالحوار مع كل الأطراف المعنية بالأزمة السورية، بمن فيهم من حمل السلاح إذا ألقاه وجنح إلى السلم، وبمشاركة كل ألوان الطيف في الشعب السوري الذي يعنيه مستقبل البلد.. من دون إلغاء لأي طرف أو تهميش لأي مكون من " مكونات" الشعب في سورية الجديدة المتجددة..إلخ، وتعلن أن كل موضوع أو قضية أو ملف أو أمر يمكن أن يطرح ويناقش، وذلك بغية الوصول إلى اتفاق على كل شيء، وفي النتيجة يتم الاحتكام إلى الشعب الذي يقرر عبر الاتفتاء وصناديق الاقتراع كل ما يتعلق بالدولة السورية وأسس بنائها وما يوصلها إلى الأمن والاستقرار وإعادة البناء والازدهار.

نحن أمام مشهد لا يكتمل بهذه التفصيلات، لأن السوريين ليسوا وحدهم في الميدان، وليسوا وحدهم في الأزمة، وليسوا وحدهم من سيتوصل إلى الحلول، على الرغم من أن المنطق والدعوات والادعاءات والتصريحات والبيانات تقول بأنهم وحدهم من ينبغي أن يتوصل إلى الحلول.!! ذلك لأن على الأرض السورية اليوم دول وسياسات ومحاور وقوى وتيارات فكرية ودينية وطوائف ومذاهب تتقاتل، وعلى أرضها مقاتلون وأجهزة استخبارات وإرادات.. وفي تربتها السياسية أيد كثيرة، مرئية وخفية، تطبخ الطبخة المرة التي مادتها وآكلها والمتأثر بكل ما فيها من سموم وأدواء هو الشعب السوري.. وفي سورية اليوم يظهر وجه الفتنة المذهبية القبيح الذي عمل أعداء الأمتين العربية والإسلامية على أن يتجلى "فرقة وتمزقاً ومقتاً وموتاً ودماراً" ليحقق لهم من الأهداف ما عجزوا عن تحقيقه بالعدوان المباشر وبالسياسات الشريرة.. والمسرح يُعد فيها لما هو أشد وأقسى وأدهى وأمر من كثير مما مضى منذ سنتين ونيف.

منذ أشهر وأشهر مضت قلنا وكتبنا وصرخنا: " إن هناك فخاً ينصب للعرب والمسلمين في سورية، وتستدرج إليه الأطراف التي يريد أعداء الأمة أن يبطشوا بها.. تستدرج إلى حيث تقتتل حتى الموت، وتؤسس للمهلكات من الأمور في قادمات الأيام والسنين.. تقتتل بالأصالة وبالوكالة، وكل من يخوض غمار تلك الحرب يعتقد أنه "الفرقة الناجية" وأن الآخرين في غياهب الضلال، وأنهم إلى جهنم وبئس المصير؟! الأميركي ـ الصهيوني يريد التخلص من القاعدة والمقاومة والمحرِّرين المتطلعين إلى القدس وفلسطين ومن القوميين والإسلاميين المتطرفين.. فيضرب القاعديين والمقاومين والممانعين والمدافعين عن دولة خلافة أو دولة مدنية ديمقراطية بعضهم ببعض، ويفنيهم بأيديهم ويتركهم في النزع يستجدونه العون والفزعة.. وهم يقبلون على نار الفتنة المشتعلة إقبال الفراش على النار، يندفعون بدوافع دينية ومذهبية وشرعية ومدنية وفكرية.. والنتيجة إقبال على الانتحار، ومقت يبقى للسلالات القادمة. المعارضة تصبح معارضات متعارضة، والسلطة سلطات متناذرة متعاضضة، ويبقى هناك من يمد هؤلاء وهؤلاء بأسباب الاستمرار في الاقتتال إلى أن يتحقق الهزال والاضمحلال والتسليم بكل ما يريده الأعداء.. وفي خريطة المواقع وضع عربي دخل بمجمله دائرة الاعداد والاستعداد النفسي لذلك، ومسلم سني يرى حربه على الشيعة تستدعيه بفعل طغيان سلطة وقتلها من تقتله بذرائع، وشيعي إيراني على الخصوص استنفرته الصهيونية على أرضية أهدافه النووية واستهدفتخ من خلال عرب ومسلمين، ولديه مسوغاته واستعداداته المذهبية فيرى لزاماً عليه أن ينصر من هو معه في المذهب وفي مواجهة الصهيونية وأنصارها، وتركي استنفر هو الآخر لتحقيق أهداف إقليمية تغذيها مذهبية ذات تطلعات خلافية.. وهناك من يعيد عليه ويستعيد معه مقولات الهلال الشيعي ويضع في مقابل ذلك محوراً سنياً ينبغي أن ينتصر للكثرة الكاثرة في بلاد العرب والمسلمين.. إلخ، ويا ما أحيلى هذا وذاك من الأقوال الممعنة في الترجمة إلى أفعال على قلب الصهاينة والأميركيين والأوروبيين.. وتستعر الحرب وتستمر حتى تحقق لأعداء الأمتين العربية والإسلامية أهدافهم، من دون أن يتحملوا أية أعباء أو يدفعوا أية تكاليف.. بل على العكس فهي حرب تدرّ عليهم الأرباح وتروج سوق السلاح، وتفتح لهم البلاد وتملكهم رقاب العباد، وتقدم لهم الثروة والطاقة والنفوذ، وتقضي لهم على من حاولوا هم القضاء عليهم بالعدوان المباشر وبأشكال من التآمر فلم ينجحوا تماماً في الوصول إلى ما يريدون.؟!

إن التوازن الدولي بين القوى الكبرى ومن في حكمها، قد يقود إلى تعزيز مواقع المتقاتلين بصورة ما، لأن تلك الدول ستبقى على استراتيجياتها وسياساتها ومصالحها ومواقفها ومبادئها وستناصر من تراهم حلفاءها ومن ترى أنهم على حق أو من تراهم يخدمون استراتيجياتها.. وسيكون ذلك من العوامل التي تدفع نحو استمرار الاقتتال وتفاقم الفتنة.. نعم إنها رؤية سوداء وكم كنا نتمنى أن تكون عكس ذلك.. والسبب فيما نذهب إليه أننا نشهد منذ بداية الأزمة مناورات وخدعاً وتوجهات نحو إشعال المنطقة وليس سورية فقط، وإذا نظرنا إلى موضوع التوافق الأقرب إلى الحلول المنطقية للأزمة السورية وهو اتفاق جنيف الذي أقر في 30 حزيران 2012 ومعه ببرنامج النقاط الست التي وضعها كوفي عنان، نجد أن المناورات مستمرة للتملص منه أو للبحث عن تفسير لنصه مناسب لهم أو لنقض مضمونه، وكل ذلك يترافق مع/ أو يتأتى عن تطورات ومواقف تحاول أن تعزز عسكرة الصراع وتحقيق متغيرات على الأرض، والاستمرار في لعب تلك الورقة الدموية.. في حين أن كل ذي عقل يدرك أن الحل السياسي للأزمة هو المخرج المناسب للدولة والشعب والمنطقة إذا أخلص له الجميع النوايا ورجحوا كفة السلم على الحرب، والصدق على الكذب.. ولكن من يبحث عن موقف متقدم لجهة ينصرها ويحققه لها أو تحققه له بقوة السلاح إنما يبحث على مزيد من القتل وإراقة الدم ويؤسس للعنف والمقت والكراهية ومن ثم للفتنة بأبوابها وأسبابها ونتائجها..!! وسواء أكان من يفعل ذلك متآمراً، أو في أحسن الأحوال مغرراً به بتأثير جهات ومعلومات ومعطيات ومواقف.. إلخ فإنه إنما يساهم في تهيئة المسرح لدموية أعنف ولفتنة أشد.

وإذا نظرنا في نتائج الاجتماع الأخير لمجموعة الدول الثمانية " روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا واليابان وكندا" الذي عقد في لندن يوم الخميس 11/4/2013 وجدنا أن أكثر المتفائلين بتلك النتائج، الوزير لا فروف، يرتاح إلى أنهم صاغوا مواقف تؤدي إلى ضرورة البحث عن حلول سياسية، لا حظوا " ضرورة البحث.."، فقد قال: " ".. بفضل العقل السليم والإرادة الطيبة تمت صياغة مواقف مشتركة تأتي في سياق ضرورة البحث عن حلول سياسية ودبلوماسية من دون عزل أي طرف"، وربما كان وجه التقدم الذي أراحه هو " من دون عزل أي طرف" وهو ينسجم مع تفسيره لبيان جنيف الأمر الذي يشكل انتصاراً لوجهة نظر بلاده، بينما بقي الوزير وليم هيغ، الناطق عملياً بلسان زميليه الفرنسي والأميركي، متعلقاً بالتسليح والقوة وربما بمناورة من نوع جديد تعزز ذلك التوجه، وقد قال صراحة: " إن "الانقسامات مستمرة" بين أعضاء المجموعة حول النزاع السوري مشيرا إلى أن الوزراء "لم يحرزوا تقدما في هذا الخصوص خلال الاجتماع".، وهذا يذكرنا بتصريح الوزير هيلاري كلينتون التي أدلت به في 30 ىحزيران 2012 بعد صدور بيان جنيف حول الموقف من الرئيس بشار الأسد في موضوع الحل السياسي والحكومة الانتقالية. وقد أنذرنا هيغ  بما يمكن أن يحدث في سورية ".. أسوا كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين".؟! وحين نضيف إلى ذلك ما نشرته الـ CNN ".. أن ضباط القيادة الأمريكية الوسطى و قيادة الأركان المشتركة في وزارة الدفاع "بنتاغون"، عملوا بضغط من النواب الديمقراطيين والجمهوريين على تحديث خطط عسكرية تتضمن تدخلا مباشرا في سوريا.. وإن بين الخيارات المطروحة استخدام صواريخ كروز لضرب القدرات الجوية السورية، وكذلك استخدام الطائرات العسكرية الضخمة لنقل مساعدات إنسانية، وصولا إلى إقامة منطقة عازلة داخل سوريا.".. ندرك أنها المناورات والمواقف التي تبدو زئبقية مترددة، ولكنها تؤدي دائماً إلى البحث عن تكتيك لتحقيق استراتيجيات ثابتة تقوم على استمرار العنف الدامي.

في سورية لم يعد الكلام يتصل بنظام وإصلاحات وخيارات سياسية، وحتى بحلول سياسية جادة تتبناها كل الأطراف الدولية، وينفذها السوريون باستقلالية تامة.. ولم يعد الكلام عن حسم صراع بين النظام و" كتلة معارضة متجانسة "، بل عن طبخة مسمومة تكثر الأيادي فيها، ومذاقها مواجهة وحشية، فيها عرب جامعة الدول العربية داخل معادلة العسكرة والاقتتال، فهم طرف.. وقد لا تغير المعطيات الجديدة والمستجدة من مواقف أصحاب المواقف السابقة منهم لأن أكثرهم لا يملكون إلا أن يدخلوا اللعبة الدامية سواء لأغراض في أنفسهم أو تنفيذاً لسياسات من يهمهم أن ينالوا رضاهم.. أما بعض السوريين ممن هم في حكم الأصوات والأتباعهم والأدوات فسيبقون على ما هم عليه، أصواتاً وأتباعاً وأدوات، وسوف يلتمسون لأنفسهم أعذاراً، ويبقون في أماكنهم التي يلوذون بها، وتستمر لهم الأعطيات ثمناً لدم أهليهم وذويهم وأمتهم التي كانت تؤويهم.؟!

كان الله في عون سورية وشعبها، وفي عون أمة يغرقها أعداؤها في دمها، ويستثمرون في خلافاتها ومذهبياتها ومعتقدها، ويستفيدون من غلو بعض علمائها، وجهل جهلائها، ورخص عملائها، وتطرف وقصر نظر من يغررون ببسطائها، وفي عون كل من يغرق أو يستغرق في محنتها بإخلاص أو بذرائع الخلاص لينقذ أو يستنقذ.. ذاك أن الكل يقودها ويقود أبرياءها إلى حتوفهم وحتوفها، والكل يغدو على نحو ما نار الحريق ووقودها..

كان الله في العون.