خبر يصنعون نظاما في الشرق الاوسط - هآرتس

الساعة 10:36 ص|25 مارس 2013

وكالات

يصنعون نظاما في الشرق الاوسط - هآرتس

بقلم: حامي شليف

(المضمون: برغم التنبؤات التي قالت ان اوباما سيصرف انتباهه عن الشرق الاوسط الى شرق آسيا أظهر في زيارته لاسرائيل اهتماما بالمنطقة ومشكلاتها - المصدر).

1. قبل ان يأتي الرئيس براك اوباما كانت الحكمة الرائجة تقول انه لم يعد يهتم بالشرق الاوسط، فهو ينوي ان يصرف المركز الى شرق آسيا. وإن أكبر قصده الى ان يهديء النفوس في الشأن الايراني وينسق المواقف في شأن سوريا، وإنه لن يكاد يبحث في الشأن الفلسطيني. وإن امريكا لن تبذل جهدا خاصا لتجديد المسيرة فاوباما محصور العناية في الشؤون الداخلية وهو يأتي الى اسرائيل "سائحا"، كما كتب صاحب العمود الصحفي في صحيفة "نيويورك تايمز" توم فريدمان.

ويتبين بعد ان تم الامر ان الشرق الاوسط لا يُمكّن هذا الرجل من ترف التجاهل. فحينما يكون اوباما مشلول في الداخل بسبب الاستقطاب السياسي يتجه بصورة طبيعية الى الشؤون الخارجية. وتعزز الأصداء الايجابية من زيارته لاسرائيل واحراز المصالحة بين اسرائيل وتركيا مكانته وتفتح شهوته لغير ذلك.

ليس هذا ولا ذاك. فاذا كان صحيحا تقدير ان استراتيجية اوباما تتجه الى السيطرة على مجلس النواب في سنة 2014 كي يستطيع ان يحقق بعض أجندته الاقتصادية الاجتماعية في سنتيه الاخيرتين في البيت الابيض – فمن الممكن جدا ألا تكون عنده أية نية ان يتورع عن الشؤون الخارجية في الفترة القريبة بل العكس. ويمكن ان نكتب اليوم مقالة مدروسة عن التأثير المحتمل لقصف ايران في انتخابات مجلس النواب في تشرين الثاني 2014.

على كل حال، لا ينوي اوباما التخلي عن الشأن الفلسطيني ولو بسبب حقيقة ان وزير خارجيته جون كيري ينتمي الى جيل يرى ان الصراع هو نقطة أرخميدس لمكانة الولايات المتحدة في المنطقة كلها. وكذلك فان تقدير ان حكومة اسرائيل ستكون لها مشكلة مع وزير الدفاع تشاك هيغل ربما كان سابقا لأوانه، فقد أصبحوا في اليمين الامريكي يدعون اوباما الى "كف جماح كيري" ومنعه من الافراط في خطط سلام هاذية.

وفي هذا الشأن فان الافتراض الأساسي وهو ان تستطيع حكومة اسرائيل الجديدة تفريغ نفسها للشؤون الاجتماعية والاقتصادية والداخلية كما تهوى، يبدو اليوم واهيا بعد انشائها بأسبوع.

2. تقبل يهود امريكا نجاح زيارة اوباما لاسرائيل بتنفس للصعداء ملحوظ. فقد حل قضية "الولاء المزدوج" اذا أمكن ان نسميه كذلك عند المصوتين لاوباما ومؤيدي سياسته الليبرالية الذين كانوا يشكون حقا في انه صديق حقيقي لاسرائيل. ونشر رؤساء المنظمات اليهودية ومنها الايباك ايضا الذين لا يشعرون بالارتياح حينما يضطرون للحضور مع الرئيس، نشروا تصريحات تأييد حماسية.

إن منظمات اليمين هي التي خفتت اصواتها وهي التي تنشر على نحو عام تصريحا هجوميا بسبب كل شيء يتعلق بالشرق الاوسط يصدر عن البيت الابيض. فقد صمتت لجنة الطواريء من اجل اسرائيل، وخرج الائتلاف اليهودي الجمهوري في عطلة، واختفت منظمة صهاينة امريكا من غير ان تترك أثرا منذ ان عبرت عن "زعزعة" بسبب قرار اوباما "المُهين" على ألا يخطب في الكنيست.

إن الذي يُمكّننا من اجراء اختبار يمكن بواسطته ان نقرر من الذي يوجد اليوم في الهامش الحالم وخارج التيار الرئيس ليهود امريكا هو من لم تكن عنده أي كلمة طيبة واحدة يقولها عن الزيارة سواء في اليمين، بسبب أحقاد لا يمكن كفها على اوباما، أو من اليسار – بسبب الرسائل الصهيونية التي صدرت عنه. ويقع في الوسط أكثر المجتمع اليهودي موحدا، من اجل التغيير وراء اوباما في الفترة القريبة على الأقل.

3. إن قضية الاعتذار لتركيا هي مثال للمرة الألف يُبين لماذا يجب احيانا الاعتراف بمزايا وجود حكومة يمينية لأنه لا يصعب ان نتخيل ماذا كان سيكون مصير حكومة يسار كانت تتجرأ على التخلي عن كرامتها أمام دولة اجنبية، معادية بلا شك، في قضية مشحونة جدا ومفعمة بالغرائز. وكان سيُصرخ بكلمات "ذِلة" و"استكانة" و"خضوع مخجل" على ألسنة اولئك الاشخاص الذين يُبينون الآن في وزن تحليلي للامور الحاجة الى هذا الاجراء الاستراتيجي.

من يعلم، ربما أثر شيء ما من الطبيعة الباردة المحسوبة لاوباما في نتنياهو وفيمن يحيطون به. وربما تغلغلت فكرة ان مصلحة الدولة العليا يجب ألا تحددها الاستجابة لمطالب الرأي العام، وصرخات المعارضة وحماسة وسائل الاعلام وارادة مركز الحزب؛ وأن الأمن القومي أفضل من نفخ الصدر، وان العلاقات الدولية يجب ألا تتم بحسب المتعارف عليه في ملاكمة في الحي، وأنه ان يكون السياسي حكيما أفضل من ان يكون عادلا.

مما يُغري ان نعتقد ان هذا تحول بعيد الأمد وأن يكون واضحا للجميع من ذلك انه يجوز ايضا في مواجهة التحدي الوجودي الايراني ان نتجه الى تسوية مع الفلسطينيين. فاذا كان هذا هو الدرس فهو حسبُنا.

4. لم يحل أحد حتى الآن حقا لغز ما وقف وراء توقيت زيارة اوباما. أهو حصول ايران على القدرة الذرية؟ أهو انهيار سوريا؟ أربما تكون رغبته في إبطال تأثير القضية الاسرائيلية الضار في السياسة الامريكية الذي شعر به اوباما على جلده في قضية تعيين هيغل؟ وقد لا يكون صدفة ان اوباما جاء قبل عيد الفصح خاصة. تنكر جهات امريكية مخولة في الحقيقة هذه الفكرة لكن ذلك ليس سببا كافيا للامتناع عن تطويرها.

ينظر اوباما نظرة خاصة الى قصة الخروج من مصر، كما أوضح في خطبته حتى منذ ايام مراهقته وسنيه إذ كان سياسيا شابا قريبا من اليهود في شيكاغو. وقد أصبح معروفا كيف انضم  الى حفل العاملين في حملته الانتخابية في 2008 في ليلة الفصح لا ليعلن فقط "في القدس في السنة القادمة" بل ليعلن ايضا "في البيت الابيض في السنة القادمة". ومنذ ذلك الحين أصبح احتفال اوباما بليلة الفصح في البيت الابيض حدثا تقليديا تغطيه وسائل الاعلام تغطية جيدة، ويُترك لابنتيه ساشا وماليا البحث عن "الأبيكومان".

وذكر اوباما في خطبته الدور المركزي الذي لعبته قصة "الخروج من مصر" في تاريخ الولايات المتحدة، فقد أراد الآباء المؤسسون فرانكلن وجفرسون وآدمز، ان يكون الرمز القومي للدولة الجديدة هو فرعون الذي يقود جنوده الى البحر الاحمر، وأكثر من ذلك ايضا في تاريخ النضال من اجل مساواة السود في الحقوق والدور المميز الذي أداه يهود ليبراليون كثيرون.

استمد اوباما من قصة الفصح الرسالة العامة لطموح الانسان الى الحرية. وقال في تهنئته بالعيد في السنة الماضية إن غاية عيد الفصح هي "الشكر لحريتك وتذكر اولئك الذين لم ينالوا الحرية حتى الآن". وفي خطبة خطبها في آذار 2007 في ألاباما – تمت فيها مواجهات شديدة في النضال من اجل المساواة – قال اوباما إن أبناء جيله هم "جيل يوشع" الذين يجب عليهم ان يُتموا مهمة "جيل موسى" وهم رواد حركة المساواة "واجتياز النهر". وبعد ذلك بست سنين بالضبط منح اوباما شبابا اسرائيليين في مباني الأمة لقب "جيل يوشع" ويجب عليهم كما قال "الاستمرار في النضال من اجل العدل والكرامة والفرصة والحرية". ويبدو ان اوباما لم يأخذ في حسابه ان يوشع أصبح شخصية يقتدى بها عند اسرائيليين كثيرين باعتباره المقدم الأول لمستوطني البلاد ومحتليها وطاردي سكانها أكثر من ان يكون نشيطا انسانيا لطيفا يدعو الى حقوق الانسان.

نشك في ان يوشع لو كان موجودا لكان يؤيد منح الفلسطينيين الحرية والحق في تقرير المصير أو كان يؤيد دولتين للشعبين بعد ان حصل على تفويض واضح من الرب نفسه الذي قال له إن كل مكان تطؤه أقدامكم أعطيه لكم، كما قلت لموسى، من الصحراء ولبنان هذا الى النهر الكبير، نهر الفرات، وكل ارض الحثيين والى البحر الكبير، مشرق الشمس ستكون حدودكم.