خبر الإعلام المصري .. اتهام « حماس » بعيد عن المنطق ..! بقلم: أكرم عطا الله

الساعة 10:14 ص|17 مارس 2013

قبل عقد من الآن وتحديداً في كانون الأول 2003 في القدس التي كان يزورها وزير الخارجية المصرية آنذاك المرحوم أحمد ماهر قام بعض الأشخاص الذين احتجوا على تلك الزيارة "بدفع وزير الخارجية بخشونة" كما قالت الشرطة الإسرائيلية، ونظراً للتدافع والازدحام وشعور الوزير بالاختناق استغلت إسرائيل الفرصة فنقلته إلى مستشفى إسرائيلي بحجة إجراء فحوصات رغم معارضة السيد أحمد ماهر لتهويل الحدث بهدف إحداث شرخ في العلاقة بين الفلسطينيين والمصريين.

كان ذلك في ذروة الانتفاضة الثانية حين كان الفلسطينيون يخوضون أشرس معاركهم على الأرض وكانت مصر تتابع بالتفاصيل إلى جانبهم، بالتأكيد كان حلم إسرائيل التي تملك ما يكفي من الدهاء بعزل مصر والاستفراد بالفلسطينيين الذين أدركوا ماذا تعني خسارة الدعم السياسي المصري، وقد أحدثت تلك الحادثة استنفاراً لدى القيادة الفلسطينية فاتصل الرئيس الراحل ياسر عرفات بوزير الخارجية والوزراء والعديد من قيادات الفصائل والأحزاب وكلف الرئيس الراحل يومها فاروق القدومي لزيارة مصر لتقديم الاعتذار باسم شعب فلسطين لرئيس مصر مبارك وللقيادة المصرية.

لكن وزير الخارجية المصري الحكيم فاجأ الجميع لدى عودته للقاهرة ليقول هذا حادث بسيط لا يثير القلق مؤكداً "أن ذلك الحادث لن يزيد مصر إلا إصراراً على العمل من أجل حقوق الشعب الفلسطيني". بينما كانت القيادة المصرية تعالج الحادث بمسؤولية كان الإعلام المصري يفتح نيران مدافعه الثقيلة على الفلسطينيين بلا رحمة بحملة تحريض قاسية جداً طالت كل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات بلا تمييز بالرغم من وضوح الحادثة وحملة الاستنكارات الهائلة من قبل كل الأحزاب والمؤسسات الفلسطينية التي أدانت وأخرجت المعتدين على الوزير من الصف الوطني وهم مجموعة من السلفيين إلا أن الإعلام أصر على إدانة كل الفلسطينيين وتم الاعتداء على بعضهم في القاهرة نتاج تلك الحملة.

تكرر هجوم الإعلام المصري على الفلسطينيين مرة أخرى حين تم الاعتداء على الجنود المصريين في الرابع من آب الماضي وهو الحدث الذي أغضب الفلسطينيين بدرجة لا تقل عن الشعب المصري فقد فتح بيت عزاء للجنود المصريين وأضيئت الشموع حزناً على أرواحهم، فالجيش المصري يحظى بمحبة كبيرة في الذاكرة الفلسطينية لأن الدم المصري سال في معظم معارك الفلسطينيين على أرض فلسطين، وقاتلت مصر إلى جانبهم بغض النظر عمن كان يقودها بدءاً من الملك فاروق مروراً بكل من حكم مصر وفقاً لإمكانياته. وعلى مدى التاريخ الطويل كان جيش مصر هو الذي يتقدم لهذا كان من السذاجة التعاطي مع تهمة اعتداء الفلسطينيين على الجنود المصريين، وقد تركزت التهمة يومها على حركة حماس، وقبل أن تبدأ التحقيقات حتى، كان الإعلام المصري يشن معركة قاسية جداً مستهدفاً حركة حماس وكل الفلسطينيين بالتحديد في قطاع غزة.

هذا الأسبوع عادت تلك القضية إلى الواجهة مرة أخرى حيث جرى اتهام ثلاثة من الجناح المسلح لحركة حماس بالمشاركة في تلك الجريمة وهي تهمة تتطلب إلغاء العقل أولاً كي يتم تصديقها ليس فقط لأن الفصائل الفلسطينية لا تسمح لنفسها باتخاذ قرار الاعتداء على مصر بمنطق المحبة بل بداعي الخوف الشديد من العقاب المصري، فالقوى تخاف من مصر وتدرك أن مصر تتابع التفاصيل في فلسطين حتى داخل الأحزاب والأجنحة المسلحة ومصر هي المعبر الوحيد بالنسبة لها وبالتالي يمكن للجميع أن يهدد أميركا، لكن مصر خط أحمر وحسابات العقل والمصلحة والمحبة والخوف أكبر من أية حسابات وهذا يحتاج إلى قوى ليست لديها حسابات السياسة مثل "القاعدة" لكن "حماس" تحسب جيداً حين يتعلق الأمر بمصلحتها.

الأمر الثاني أن تلك الجريمة وقعت أثناء حكم الإخوان المسلمين لمصر، صحيح أنها أعطت للرئيس المصري فرصة التخلص من مدير المخابرات العامة ووزير الدفاع ورئيس الأركان ولكنها مست بشدة من زعامته ويذكر الجميع عدم مشاركته في تشييع جثامين ضحايا الجريمة، فحركة حماس استمدت قوة جديدة في قطاع غزة بوصول الإخوان المسلمين للحكم وهذا هو مشروعها، فقوة الرئيس المصري والإخوان هي مصدر قوة لحماس فهل يمكن لحماس أن تطلق النار على أقدامها لتقدم على جريمة بهذا المستوى شكلت صفعة للرئيس المصري؟

الأمر ليس كذلك ولا يستدعي الدخول في الرواية، وتفاصيلها فمصر لديها جثث ستة من الجناة ولا فلسطيني بينهم ومن قام بالعملية جهات سلفية وهذه لا تعترف بالدولة الوطنية وأعضاؤها من أكثر من بلد واحد والدول ليست مسؤولة عن سلوك هذه المجموعات التي تعادي دولها، وقد ثبت أن من بين من قام بالعملية مصريين، هل هذا يعني إدانة الشعب المصري كله أم عندما يتعلق الأمر بفلسطيني يجب أن يدان كل الشعب في الإعلام المصري؟؟؟

حركة حماس هي الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين لهذا أدخلت في إطار الخلافات المصرية والصراع المصري الداخلي، بين الإسلاميين هناك والتيارات المدنية ولكل ذراعه الإعلامية، من حق المصريين أن يتنافسوا فيما بينهم ومن حقهم أن يطلبوا من الفلسطينيين النأي عن معركتهم الداخلية ومن حقهم أن ينتظروا احترام الفلسطينيين للدولة المصرية ولكن ليس من حقهم استخدام الفلسطينيين كأداة في الصراع السياسي، فالحالة الفلسطينية لا تحتمل.

حتى وإن كان هناك أي من الفلسطينيين مشاركاً في حادث مقتل الجنود هذا لا يجب أن يشكل إدانة لكل سكان قطاع غزة، فالولايات المتحدة لم تحمل السعودية ولا الشعب السعودي مسؤولية أحداث أيلول التي قام بها عدد من السعوديين لكن الذي يحدث حالياً أن كل فلسطيني يعيش ويتنقل بخوف في القاهرة وسط الاتهامات والشتائم.

الإعلام المصري بما يفعله يقوم بما لا يليق بحجم مصر ودور مصر ومسؤولية مصر، هي حالة تقزيم لمصر، فمصر حالة أبوية بالنسبة للعرب جميعاً وفلسطين تبدو كالابن الأصغر في تعلقها بها، والإعلام المصري حين يكرس جهده لوضع مصر في حالة ندية مع الفلسطينيين فهذا هو الاعتداء الحقيقي على قيمة مصر وتاريخ مصر ودور مصر.