خبر اللاجئون في غزة تضاعفوا ست مرات.. حسن جبر

الساعة 11:06 ص|15 مارس 2013


«منطقة برقة، مخيم يبنا، حارة اسدود، بلوك المغارية، حي البطانية، شارع المجادلة»، هذه التسميات جزء من مسميات مختلفة يمكن أن يسمعها أي زائر إلى مخيمات اللاجئين في قطاع غزة للإشارة إلى المناطق والتجمعات السكانية في المخيم الواحد. ومع مزيد من التجوال في مخيمات القطاع، يلحظ الزائر مدى تغلغل هذه التسميات في الحياة اليومية للسكان ممن يعيشون في كل لحظة على أمل العودة، على الرغم من الظروف السياسية الصعبة التي تمر بها قضيتهم.
يقول جودت جودة، مدير دائرة اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية: «لا تستغربوا هذه التسميات، فهي جزء من واقع كرسه اللاجئون بعد أن أجبرتهم العصابات الصهيونية بقوة السلاح على ترك قراهم ومدنهم في ما بات يعرف لاحقا بالنكبة». وأضاف: بعد أن ترك اللاجئون قراهم عاشوا جنباً إلى جنب في خيام مهترئة والأمل يحدوهم الى العودة إلى أرضهم في وقت قريب، لذا عاش أبناء القرية الواحدة في تجمعات متقاربة، ومنها نشأت التسميات بعد إنشاء المخيمات في أوائل خمسينيات القرن الماضي. وأكد جودة، الذي أجرى دراسات متعددة على المخيمات في قطاع غزة، أن المسميات تبرز بشكل واضح في مدينة رفح جنوب القطاع، حيث تضم أحياء يبنا وبرقة وأسدود عدداً كبيراً من اللاجئين من هذه البلدات التي دمرتها قوات الاحتلال في أعقاب النكبة. وأشار إلى أن استمرار تمسك اللاجئين بهذه التسميات يدل بوضوح على التمسك الحازم بحق العودة، لافتاً إلى تنامي ظاهرة تأليف الروابط والاتحادات والتجمعات لأبناء المدينة والبلدة والقرية الواحدة قبل النكبة، والتي تنفذ أنشطة اجتماعية وثقافية وسياسية متعددة تركز على تعزيز مفهوم حق العودة وكل ما يتعلق بتاريخ المدينة أو القرية التي هاجروا منها. وأوضح أن «هناك تجارب نضجت بشكل كبير، وأخرى ما زالت بحاجة إلى رعاية أكبر»، منوها إلى أن «العائلات والروابط تعتمد بشكل كبير على الجهود الفردية الذاتية في الحفاظ على تراث القرية وتاريخها وكل ما يتعلق بها».

معظم السكان ... لاجئون


إن ما بين 200 إلى 250 ألف فلسطيني لجأوا إلى قطاع غزة في عام 1948 لينضموا إلى السكان الأصليين البالغ عددهم آنذاك 80 ألف نسمة. ووفق تقديرات غير رسمية، تضاعف عدد اللاجئين في قطاع غزة خلال السنوات الماضية إلى ما يزيد على ست مرات، بقوا خلالها يشكلون ما يزيد على 70% من سكان قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه حاليا نحو 1.8 مليون فرد. وتبدو مخيمات قطاع غزة الثمانية على حالها الذي وجدت عليه في أوائل خمسينيات القرن الماضي، خاصة سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وانعدام أفق المستقبل في ظل أوضاع سياسية ليست في مصلحتهم حتى الآن.
أما ناهض زقوت، المدير العام لمركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق في غزة فيقول: «إن اللاجئين هاموا على وجوههم في مناطق تشتتهم، وبخاصة في قطاع غزة، حتى ساهمت جمعية الكويكرز الأميركية في إنشاء مخيمات لهم ووزعت عليهم الخيام، وأشرفت عليهم، حتى بدأت وكالة الغوث (الأونروا) الاشراف على شؤونهم بعد تأسيسها في عام 1950، فشرعت في تزويدهم بالخدمات الأساسية منذ ذلك الحين». وتوزع اللاجئون، وفق زقوت، على ثمانية مخيمات رئيسة تفاوتت أعداد اللاجئين فيها بحسب المساحة التي أعطيت للاجئين، وهي مخيمات رفح، خان يونس، دير البلح، المغازي، البريج، النصيرات، الشاطئ جباليا. وقال إن مساحة مخيمات قطاع غزة لم تتغير منذ ذلك الوقت، وبقيت على حالها على الرغم من تزايد أعداد اللاجئين وأبنائهم وأحفادهم، ما دفعهم الى التمدد نحو مناطق متاخمة للمخيمات، أو الانتقال إلى المدن الرئيسة، وخاصة غزة. ومع ذلك، ظلت المخيمات تعاني اكتظاظا سكانيا هائلا، ما ألقى بأعباء ثقيلة على أوضاع السكان على الصعيدين المعيشي والاجتماعي على الرغم من الخدمات التي تقدمها لهم «الأونروا» والسلطة الوطنية.
يستذكر زقوت كيف شكل التجمع القروي الفلاحي قبل عام 1948 قوة تماسك للأسر والعائلات الفلسطينية، وبعد النكبة تفكك هذا التجمع جراء الهجرة والتشتت، فأصبحت هناك عائلات مهاجرة داخل الوطن وأخرى خارجه، لافتا إلى أن «الهجرة مثلت قمة التراجيديا في حياة الشعب الفلسطيني الذي وجد نفسه مشرداً مطروداً من أرضه ووطنه بقوة السلاح والإرهاب». وقال: لم تكتف السلطات الصهيونية بتشريد أبناء الشعب الفلسطيني، بل قامت بهدم قراهم ومدنهم، لطمس الأثر الوجودي للفلسطينيين، وحتى تقطع عليهم أي أمل بالعودة. إن ما فعلته الهجمة الصهيونية الإرهابية ضد شعبنا أنها غيرت حياة الهدوء والاستقرار لديه إلى حياة التشرد والإهانة. وأخذ عمق المأساة يتضح من خلال التفريق الذي أحدثته النكبة بين الأهل، أي بين الأخ وأخيه، والزوج وزوجته، والابن وعائلته.

رحيل سكان بلدة الفالوجة في سنة 1948.
تحدث زقوت عن محاولة اللاجئين في قطاع غزة إعادة اللحمة لأبناء العائلات وكيف عملت أغلب القرى على تأليف روابط أو جمعيات باسم القرية، مثل: رابطة أهل بربرة، أو جمعية حمامة، أو جمعية اللد الخيرية، أو جمعية أسدود الخيرية، وغيرها. وقال: حافظت بعض العائلات الفلسطينية التي تجمعت في مكان واحد على اسم قريتها بإطلاقه على المكان، وهذا ما نجده بارزا في مخيم رفح. إذ يتجمع أهل أسدود ضمن المخيم في مكان أطلق عليه مخيم أسدود، وكذلك هناك مخيم يبنا. وفي مخيم الشاطئ، نجد حارات باسم حارة المجادلة، وحارة اليافاوية، كنوع من إحياء الذاكرة وللمحافظة على الهوية الوطنية، تعبيرا عن التماسك بين العائلات وإحياء نموذج القرية الفلسطينية في البلاد.

وأوضح أن «العديد من الشخصيات والمخاتير عمل على إطلاق أسماء البلدات والقرى على مدارس وكالة الغوث، كي تتعرف الأجيال الجديدة على بلداتها وقراها الأصلية، ولتبقى الذاكرة حية في أذهانهم وعقولهم»، لافتا إلى أن «أغلب النساء الكبيرات في السن حافظن على الثوب الفلسطيني وتمسكن به، تعبيرا عن ارتباطهن بالأرض». وأشار زقوت إلى أن «الفلسطينيين دأبوا على رسم خريطة أرضهم بالأحداث والرجال، وملامح الطبيعة الثابتة، حتى الشجرة والتلة والنبع والتربة الحمراء والنباتات الحرجية، ما بين أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب وما حولهما». وقال: لم يهمل الفلسطيني اللاجئ بقعة واحدة أو مدينة مهما كان حجمها أو أهميتها، وذلك في محاولة منهم للوقوف في وجه الممارسات الإسرائيلية التي تسعى لفرض سياسة التجهيل، وقطع جذور الإنسان الفلسطيني من أرضه، محذراًَ إلى محاولات سلطات الاحتلال المستمرة لتغيير أسماء المدن والقرى والمواقع التاريخية والشوارع والساحات واستبدالها بأسماء عبرية، بهدف إضفاء الطابع اليهودي - التوراتي على المكان.

بؤس في المخيم وخارجه


في مخيمات اللاجئين في قطاع غزة أشياء كثيرة تغيرت، إلا أن واقع الحياة حافظ على الوتيرة نفسها بحسب جودت الذي أكد أن المخيمات بقيت على حالها من حيث المساحة الجغرافية، الأمر الذي دفع السكان إلى التمدد خارجها. وقال: حتى المناطق خارج المخيمات تشير إلى واقع مؤلم، حيث أغلب المنازل التي انتقل إليها اللاجئون ما زالت بحاجة الى استكمال، وبخاصة أعمال الدهان والترتيب من الخارج، لأن من بنى خارج المخيم كان همه الرئيس التوسع بما لديه من أموال تنفد عادة بسرعة فيصبح غير قادر على استكمال البناء. وأشار جودة كذلك إلى «ثبات نظرة اللاجئين إلى التعليم باعتباره أحد الأدوات التي اهتم بها اللاجئون بعد النكبة، لتصل نسبة التعليم بينهم إلى مستويات عالية، منطلقين من الحاجة إلى ضمان المستقبل ومواجهة الاحتلال بالعلم».

تمسك بالعودة


يشار إلى أن اللاجئين في قطاع غزة لعبوا دورا محوريا في النضال الوطني الفلسطيني، إلا أنهم لم يشكلوا حزبا أو حركة مستقلة، بل إن دعوات استنهاض هممهم تواصلت، خاصة مع بروز دعوات للتخلي عن حق العودة. وقال محمد خلف، نائب رئيس اللجنة الشعبية للاجئين في مخيم البريج: إن اللاجئين لن يتخلوا عن حق العودة تحت أي ظرف من الظروف. وأوضح خلف أن «جميع المشاريع التي استهدفت وستستهدف حق العودة واجهت الفشل الذريع على قاعدة تمسك اللاجئين الفلسطينيين بحقهم»، مؤكدا أنهم «يتنفسون حق العودة مثل الهواء ولن يتخلوا عن هذا الحق». وأضاف: ربما شهدت أوضاع الناس في المخيمات بعض التغير، إلا أن جوهر الحياة على الصعد كافة ما زال على حاله من السوء الذي يستوجب اهتماما أكبر من «الأونروا» والسلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية. ورغم دعوة خلف إلى تحسين الواقع داخل المخيمات، غير أنه يؤمن بشدة أن «حل مشكلات اللاجئين بشكل جذري لا يتم إلا بعودتهم إلى مدنهم وقراهم التي أجبروا على تركها عام 1948».
من جانبه، أكد الدكتور سمير أبو مدللة، مدير مركز اللاجئين للتنمية المجتمعية، ضرورة ان يرتفع صوت اللاجئين لتقريب ساعة النصر، داعيا للإبقاء على حق العودة مدرجاً على جدول أعمال الحركة السياسية الفلسطينية وتصليب الموقف السياسي والتفاوضي الفلسطيني والتمسك بحق العودة إلى الديار والممتلكات وفق القرار 194 كشرط لأي تسوية. وعرض أبو مدللة بعض الخطوات التي يجب أن ينفذها اللاجئون، ومنها الضغط على وسائل صناعة القرار والنضال من أجل صيغة تمكن اللاجئين من إبداء رأيهم، وخاصة فيما يتعلق بحق العودة. وأشار إلى أهمية الضغط الجماهيري على «الأونروا» لوضع حد لسياسة تقليص الخدمات المباشرة المقدمة للاجئين بل تحسينها، وفك ارتباط الوكالة بالعملية التفاوضية، ورفض ادخال أي تعديل على وظيفتها، وعدم تعاملها مع مشاريع التأهيل التي تبطن التوطين أو خفض الخدمات تحت دواعي العجز المالي. كما دعا إلى توسيع العمل الإعلامي والدعاوى وإنجاز الدراسات والأبحاث وإصدار المواقف والمعلومات عن اللاجئين وتطورهم، وإيلاء اهتمام واسع بالتعبئة والتوعية بما ينسجم مع تحقيق العودة وفق القرار 194 بكل أبعاده القانونية والسياسية والتاريخية.

* صحافي فلسطيني مقيم في غزة.