خبر من ستصد نسبة الحسم .. هآرتس

الساعة 09:49 ص|15 مارس 2013

بقلم: شلومو أفينري

(المضمون: هندسة للانتخابات تحاول تغيير الخريطة السياسية محكوم عليها بالفشل لسبب بسيط هو أن اسرائيل مجتمع جد متنوع وتعددي - المصدر).

فكرة رفع نسبة الحسم تنال الشعبية في اوساط اولئك الذين يرغبون في تغيير طريقة الانتخابات (أو طريقة الحكم) في اسرائيل، والاحزاب الثلاثة التي تجري مفاوضات ائتلافية، والتي وجدت صعوبة في الاتفاق على سياسة او على توزيع الحقائب، اتفقت منذ الان على رفع نسبة الحسم الى 4 في المائة. الفكرة مبسطة وهي تتجاهل المبنى المركب، متعدد الثقافات، للمجتمع الاسرائيلي، ولا تأخذ بالحسبان النتائج المحتملة لمثل هذا التغيير، والكفيلة بان تكون سيفا مرتدا. من هذه الناحية، فانها تشبه الفكرة النافلة للانتخاب المباشر لرئيس الوزراء.

ظاهرا، نجد أن فكرة رفع نسبة الحسم تحركها الرغبة في تقليص النفوذ الزائد للاحزاب الصغيرة (وبالطبع زيادة قوة الاحزاب الكبيرة)، وبصفتها هذه فان فيها منطقا سياسيا. ولكن عند الحديث عن تقليص قوة الاحزاب الصغيرة، يقصد بشكل عام تقليص قوة الكتل الاصولية والعربية. في الحالتين يدور الحديث عن حالة تتسم بنزعة القوة لتقليص تمثيل، إن لم يكن اقصاء، الاقليات. هذا فهم يرى بالديمقراطية حكم الاغلبية فقط في ظل تجاهل الوتد الثاني الذي تستند اليه الديمقراطية الا وهو ضمان حقوق الاقليات – الايديولوجيين أو القوميين. كان يمكن التوقع من الليبراليين الديمقراطيين قدرا اكبر من التسامح تجاه الاقليات، حتى لو كانت هذه تثير حفيظتهم.

ان من يسعون الى تقليص عدد الاحزاب – الامر الذي يفترض برفع نسبة الحسم أن تمثله – يلوحون احيانا بنماذج من الولايات المتحدة أو بريطانيا، حيث يوجد حزبان او ثلاثة احزاب. فلماذا تحتاج اسرائيل الى اكثر من عشرة احزاب؟ الجواب (المفعم بالمفارقة بقدر ما) هو انه في معظم الانظمة البرلمانية في اوروبا عدد الاحزاب الممثلة في البرلمان أكبر. في هولندا يوجد 12 حزبا في البرلمان، في السويد وفي الدانمارك 8، في فينلندا 9، في بلجيكا 12 وفي اسبانيا 16. وحتى في لوكسمبورغ الدولة ذات نصف مليون نسمة، يوجد 6 احزاب في البرلمان. بعض من الدول التي يوجد فيها احزاب كثيرة تتميز بحكومات مستقرة، اخرى لا، ولكن هذا لا يرتبط بعدد الاحزاب بل بالمبنى الاجتماعي، بالصدوع السياسية والايديولوجية وباسباب اخرى.

اما المؤيدون لرفع نسبة الحسم فلا ينتبهون حقا للواقع السياسي في البلاد. فلو كانت نسبة الحسم في الانتخابات للكنيست الـ 19 ما معدله 5 في المائة (وقد كانت اقتراحات كهذه)، ولو كانت ذات الاحزاب تنافست في الانتخابات وكان المقترعون انتخبوا كما فعلوا (الامر الذي ليس مسلما به)، فما كانت الاحزاب العربية لتجتاز نسبة الحسم. كديما وميرتس كانا سيجدان صعوبة في اجتيازها وهكذا ايضا الحركة. والاحزاب الدينية والاصولية كانت ستجتاز نسبة الحسم، بما في ذلك يهدوت هتوراة. ليس واضحا بان كنيست تتشكل على اساس هذه النتائج كانت ستمنح اسرائيل حكومة مستقرة اكثر، او تحث الى الامام ما يعرف باللغة السياسية الحالية "قدرة الحكم".

ولكن الخطأ الاساس لمؤيدي رفع نسبة الحسم هو تجاهلهم النتائج المحتملة لاصلاح بهذه الروح. واضح أن رفع نسبة الحسم سيمنع الاحزاب العربية من الدخول الى الكنيست (وفي الماضي فان بعض الاحزاب الاصولية ما كانت لتدخل). هل سيساهم ذلك في الديمقراطية الاسرائيلية اذا منع تمثيل سياسي عن جماهير واسعة – من عرب او اصوليين؟ بالنسبة للجمهور العربي هذا بالتأكيد سيعمق اكثر فأكثر احساسهم بالاغتراب عن الدولة القومية اليهودية. كما أن هذا لن يقرب الجمهور الاصولي من عموم الجمهور الاسرائيلي.

واضح ان الساحة السياسية والحزبية ستتغير في اعقاب رفع نسبة الحسم، ولكن ليس في الاتجاه المرغوب فيه من جانب مؤيدي الاصلاح. في الانتخابات الحالية حصلت يهدوت هتوراة على اكثر من 5 في المائة من الاصوات، ولكن بعد رفع نسبة الحسم فانها كفيلة بان تجد نفسها تترنح. فهل هي ببساطة ستختفي؟ بالطبع لا. كل الاحزاب الاصولية ستتحد في كتلة واحدة قبل الانتخابات وبعد الانتخابات ستظهر هذه بصفتها كتلة أقوى من الاحزاب الاصولية المنفردة. حقيقة أن الاحزاب الاصولية ليست موحدة اليوم تسمح – مثلما سمحت في الماضي – بمجال مناورة أكبر للاحزاب العلمانية.

ظاهرة مشابهة كفيلة بان تحصل في أوساط الاحزاب العربية، المنقسمة اليوم بين احزاب ذات ميول عربية قومية، اسلامية وبواقي الجمهور العربي الشيوعي. مع رفع نسبة الحسم هذه الاحزاب لن تختفي. من شبه اليقين ستتحد في كتلة عربية قومية واحدة، رغم خلافات الرأي بينها من أجل البقاء السياسي. كتلة برلمانية عربية موحدة تضم 10 – 12 نائبا او أكثر، بالتأكيد لن تقلص قوة الجمهور العربي، بل العكس، ستعظمها. ليس واضحا لماذا توجد للاغلبية اليهودية مصلحة سياسية في توحيد القوى العربية عن طريق هندسة الانتخابات، حين يكون في الواقع هذا الجمهور منقسما بين يمين متدين قومي، قومي علماني ويسار شبه شيوعي.

باختصار، هندسة للانتخابات تحاول تغيير الخريطة السياسية محكوم عليها بالفشل لسبب بسيط هو أن اسرائيل مجتمع جد متنوع وتعددي. وهو منقسم بين اليهود والعرب، العلمانيين والمتدينين، اليسار واليمين؛ الجمهور اليهودي الديني منقسم بين صهيوني معتدل، صهيوني قومي، غير صهيوني وحزب طائفي لا يريد أن يخاطر في تعريفه السياسي – الايديولوجي. الجمهور العربي منقسم بين مجموعات علمانية مختلفة واصوليين اسلاميين. لا يوجد اي مبرر لمحاولة دحر هذه الجماهير الى خارج اطار التمثيل البرلماني. ما يسمى في لغة الصحافة "انشقاق" يسمى في العلوم الاجتماعية تعددية وتعدد الثقافات. غريب أن مطلب رفع نسبة الحسم، الذي سيمس شديد المساس بالتعددية، جاء بالذات من دوائر تعرف نفسها بشكل عام كليبرالية تخاف على صورة الديمقراطية الاسرائيلية.

مع كل اشكالياته، الداخلية والخارجية، يجب أن نتذكر بانه في عشرات سنوات وجودها، رغم الازمات الائتلافية العديدة، اسرائيل لم تقف ابدا امام أزمة دستورية. لم يحصل ابدا أن الساحة الحزبية لم تجد حلا لمشكلة سياسية أو غيرها. احيانا كان الحل بعيد عن أن يكون مثاليا، ولكن دول اخرى مع شروخ أقل عمقا من اسرائيل، وغير متعرضة لتهديدات وجودية، لم تصمد أمام مثل هذه التوترات، وعانت من أزمان بنيوية رفعت الى الحكم دكتاتوريات، عسكرية أو غيرها.

مع كل الانتقاد لنواقص الساحة السياسية – يجدر بنا أن نتباهى في أن اسرائيل لا تنتمي الى هذه المجموعة، ومرغوب الا نشق الطريق الى أزمات يصعب توقع نتائجها مسبقا. الاختبار العملي، وليس اختبار النية الطيبة، هو المقرر، وفي هذه الاختبارات نجحت اسرائيل؛ ربما ليس بشكل ممتاز، ولكن بالتأكيد بشكل لا بأس به على الاطلاق.