خبر هل اسرائيل على شفا انتفاضة ثالثة؟ نظرة عليا

الساعة 08:01 ص|04 مارس 2013

بقلم: شلومو بروم

(المضمون: حتى لو قبلنا الفرضية بان استمرار الطريق المسدود سيؤدي في نهاية المطاف الى انفجار فلسطيني وحتى لو أخذنا بالحسبان الصعوبة في تنبؤ نفسية الجماهير، لا يبدو في هذه المرحلة بان الاحداث الحالية ستؤدي الى تصعيد واسع يمكن لنا في نظرة الى الوراء ان نسميها "الانتفاضة الثالثة"، حتى وان لم نقل في الحاضر، ماذا سيكون طبيعتها - المصدر).

رفعت الاحتجاجات الفلسطينية والمناوشات بين المحتجين الفلسطينيين وقوات الامن الفلسطينية في اثناء الاسابيع الاخيرة على خلفية اعتقال محرري صفقة شاليط ووضع السجناء الفلسطينيون في السجن الاسرائيلي، رفعت الى جدول الاعمال في اسرائيل مسألة هل اسرائيل على شفا انتفاضة ثالثة. ثمة معنى لطرح هذا السؤال ليس فقط بسبب الاحداث الاخيرة بل وايضا بسبب الوضع الاساس لعلاقات اسرائيل مع الفلسطينيين والازمة التي تعيشها السلطة الفلسطينية.

توجد المسيرة السياسية في جمود مطلق ويصعب رؤية افق سياسي يتحقق فيه اتفاق دائم، يؤدي الى اقامة دولة فلسطينية ذات سيادة. ليس معقولا الافتراض بان الفلسطينيين في يهودا والسامرة سيوافقون على الاستمرار في العيش تحت الاحتلال الاسرائيلي دون قيد زمني. معقول اكثر الافتراض بان تكون انتفاضة فلسطينية كل عدة سنوات، ومثلما كانت انتفاضة اولى وثانية، ستكون ايضا انتفاضة ثالثة وهكذا دواليك...

الحكم الفلسطيني في يهودا والسامرة، الذي يقوم على أساس حركة فتح برئاسة الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض، يوجد في ازمة عميقة. فهم يقفون امام مشكلة عسيرة من الشرعية، والتي لا تنبع فقط من عدم اجراء انتخابات في موعدها بل لانهم فقدوا جدول اعمالهم السياسي. فمنذ بداية مسيرة اوسلو كان هذا يقوم على اساس فكرة اقامة دولة فلسطينية عبر المفاوضات السياسية مع اسرائيل. وغياب الامل في مسيرة سياسية ناجعة، يتركهم بلا جدول أعمال وبمكانة ضعيفة حيال خصومهم السياسيين الالداء من حماس، الذين يعرضون نموذجا آخر من عدم الاعتراف باسرائيل والتقدم بتحقيق سيادة فلسطينية عبر المقاومة العنيفة. ويمكن لحماس أن تدعي بان نموذجها يبرر نفسه اساسا في ضوء انجازاتها في فتح قطاع غزة وتحقيق شرعية سياسية منذ حادثة سفينة مرمرة، صفقة شاليط وحملة "عمود السحاب". كما أن تقلبات الربيع العربي وصعود أنظمة اسلامية تعزز مكانة حماس حيال خصومها من فتح. لقد حاول عباس "ابقاء رأسه فوق الماء" عبر التوجه الى الجمعية العمومية للامم المتحدة بطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ولكن حتى هذه الخطوة تبدو الان على ما يكفي من اثارة الشفقة حين يكون واضحا للجمهور الفلسطيني بانه لم يطرأ أي تغيير حقيقي جراء هذا الاعتراف وان الوضع يحتدم ويتفاقم فقط.

وتعاني السلطة الفلسطينية ايضا من أزمة اقتصادية جراء التردي لحجم المساعدات المالية. فقد توقف التحسن في الوضع الاقتصادي منذ خبو الانتفاضة الثانية. وقرار اسرائيل بعدم تحويل اموال الضرائب التي تجبيها للسلطة الفلسطينية، كعقاب لها على توجهها الى الامم المتحدة، فاقم الازمة. فالرواتب لا تدفع بموعدها للموظفين العموميين، الذين يشكلون جزءا كبيرا من قوة العمل وهذه الحقيقة ايضا تضعضع التأييد السياسي لحكم السلطة وولاء الاجهزة التابعة لها. ومن الصعب أن نتوقع من قوات الامن الفلسطينية أن تقوم بواجباتها وان تنفذ ايضا التعاون الامني مع اسرائيل حين لا يكون واضحا من أجل ماذا تفعل هذا على المستوى الوطني (لا افق سياسي) وعلى المستوى الخاص (لا رواتب). على هذه الخلفية لا غرو أنه يوجد تخوف من أن يؤدي حدث موضعي، كحادثة طرق (في الانتفاضة الاولى) وحجيج ارئيل شارون الى الحرم (في الانتفاضة الثانية)، الى تصعيد لا يمكن التحكم به وانتفاضة فلسطينية بحجم واسع. واضح ايضا انه لا توجد امكانية للتوقع ماذا ستكون عليه بالضبط طبيعة الحدث الذي سيؤدي الى هذا التطور.

رغم كل هذا، وحتى لو قبلنا الفرضية بان استمرار الطريق المسدود سيؤدي في نهاية المطاف الى انفجار فلسطيني وحتى لو أخذنا بالحسبان الصعوبة في تنبؤ نفسية الجماهير، لا يبدو في هذه المرحلة بان الاحداث الحالية ستؤدي الى تصعيد واسع يمكن لنا في نظرة الى الوراء ان نسميها "الانتفاضة الثالثة"، حتى وان لم نقل في الحاضر، ماذا سيكون طبيعتها. ولهذا عدة اسباب.

السبب الاول هو طبيعة القيادة الفلسطينية وسياستها. فعباس ملتزم بسياسة عدم العنف والتمسك بالمسيرة السياسية وفي المستقبل القريب سيكون له سبب آخر للتمسك بهذه السياسة – زيارة الرئيس اوباما. كما أنه واعٍ لخطر امتطاء ظهر النمر الذي يسمى الجمهور الغاضب. فقد فهم ذلك منذ بداية الانتفاضة الثانية، حذر وبذل كل جهد لحمل عرفات على وقفها. ولهذا السبب صدرت في الاسابيع الاخيرة تعليمات لا لبس فيها باجهزة الامن الفلسطينية لمنع كل تصعيد. كما يوجد جهد للتحكم بشكل كامل بالمظاهرات عبر مشاركة نشطاء فتح في تنظيمها والسيطرة عليها. يحتمل أيضا أن تنبع مشاركتهم من فهم القيادة الفلسطينية بان مستوى معين (ليس عاليا) من المظاهرات يخدمهم لانه يجسد للادارة الامريكية ولباقي اللاعبين السياسيين الخطر الذي في استمرار الجمود السياسي.

السؤال هو بالطبع هل يمكن للسلطة الا تفقد السيطرة على حجم المظاهرات وطبيعتها. تدل التطورات حتى الان بان ليس للسلطة مشكلة في السيطرة عليها. اولا، حجم الاحتجاجات صغير نسبيا، وعدد المشاركين فيها لا يزيد عن المئات ولا نرى ميل تصعيد. يبدو أن السبب الاساس لكل شيء هو غياب الجاذبية بالنسبة للجمهور الفلسطيني لفكرة العودة الى فوضى الانتفاضة. ففي السنوات الاخيرة فقط عاد الفلسطينيون في الضفة الى مستوى معين من الحياة الطبيعية وهم غير متحمسين للعودة الى الفترة الاشكالية اياها. ينبغي أن تمر فترة طويلة بما يكفي كي تبهت الذكريات وعدد الشباب، المحرك لكل انتفاضة، ممن لم يشهدوا ذلك على جلدتهم – يزداد. ثانيا، رغم الازمة الاقتصادية التي تعيشها السلطة، فان أجهزة الامن لا تزال تحافظ على وحدتها وولائها.

حتى وان كان يفهم من هذا التحليل بان التصعيد الى انتفاضة ثالثة غير متوقع على ما يبدو في المستقبل القريب، فان ثلاثة استنتاجات هامة تنشأ عما قيل فيه:

الاستنتاج الاساس هو أن من الحيوي استغلال فرصة زيارة الرئيس اوباما وتشكيل الحكومة الجديدة في اسرائيل من أجل اعادة تحريك المسيرة السياسية. ينبغي أن يكون واضحا بان هذه مسيرة سياسية حقيقية تكون لها نتائج ملموسة وذلك لان الفلسطينيين والجمهور في اسرائيل على حد سواء شبعوا وعودا وخيبات أمل، وهم لن يكتفوا بمسيرة كل هدفها وجود المسيرة نفسها. كما يمكن الافتراض بان الفلسطينيين سيرفضون الدخول الى المسيرة لغرض المسيرة.

الاستنتاج الثاني هو ان على المسيرة السياسية أن تكون مرنة وناجعة. محظور وضع كل البيض في السلة الوحيدة للتسوية الدائمة كما فعل رئيس الوزراء باراك حين ذهب الى كامب ديفيد (2000). فالفشل في مثل هذه الحالة معناه غياب كل تقدم وهو من شأنه أن يؤدي الى ردود فعل شديدة. ينبغي فتح قنوات اخرى للتقدم كخطوات اتفاقية جزئية بل وخطوات ذاتية منسقة للطرفين تدعم المفاوضات على التسوية الدائمة وتمنعها من الوصول الى الازمة. وبالتوازي من المهم ايضا بناء دعم اقليمي للمسيرة مع التشديد على الدور المركزي لمصر والاردن.

الاستنتاج الثالث هو ان حقيقة وجود شريك فلسطيني للمسيرة السياسية وتثبيت واقع امني مناسب ليس معاملا دائما غير متعلق باسرائيل. الشريك يجب ان يبنى. لقد اتخذت اسرائيل في السنوات الاخيرة سياسة اضعاف الشريك الفلسطيني. هذه سياسة وجدت تعبيرها العلني في تصريحات شخصيات مثل وزير الخارجية السابق ليبرمان. من الصعب على اسرائيل أن تشكو الان من الازمة في السلطة ومن آثار ضعف القيادة الفلسطينية حين تكون هي نفسها التي ساهمت في ذلك.