خبر المحافظ الذي لا بديل عنه -يديعوت

الساعة 10:00 ص|30 يناير 2013

بقلم: سيفر بلوتسكر

        لا داعي الى إنكار الحقيقة وتجميلها: إن استقالة ستانلي فيشر من بنك اسرائيل ضربة مؤلمة للاقتصاد الاسرائيلي وضربة ساحقة كبيرة جدا لائتلاف نتنياهو القادم، وتعبير عن عدم ثقة به وإن أنكر فيشر نفسه ذلك.

        ينبغي ان نفترض ان يوجد بديل عن فيشر؛ ومن المؤكد انه لا بديل عنه. فقد رفع فيشر نجم اقتصادنا الى الأعالي. وبفضله أصبحت درجة مخاطرة اسرائيل في الاسواق المالية منخفضة وارتفع تدريج اعتمادها. وان علاجه الخلاق والشجاع والدقيق للازمة المالية منذ 2008 لم يُنله ألقاب أفضل محافظ في العالم فقط بل – وهذا هو الأساس – حمى الاقتصاد الاسرائيلي في ساعاته الصعبة حماية فعالة.

        ان فيشر باعتباره محافظ بنك اسرائيل كان المُشخص والمداوي والمُسكن والجراح. ولولا اعماله المهمة مثل استعمال وسيلة الفائدة لتشجيع النمو وتكبير احتياطيات العملة الاجنبية الى 75 مليار دولار وطلبه الى البنوك ان تصل الى ثروة ذاتية عالية لتكون متلقية حيوية للزعزعات واجازة قانون بنك اسرائيل الجديد في الكنيست وهو الأكثر تقدما في الغرب – لكنا اليوم في مكان اقتصادي آخر اسوأ بكثير.

        استقر رأي ستانلي فيشر نهائيا على استقالة عمل محافظ بنك اسرائيل حينما استقر رأي نتنياهو على تقديم موعد الانتخابات لأنه اذا كان يجوز لبيبي ان يقدم الموعد فهو يجوز لفيشر ايضا. ان البروفيسور فيشر برغم انه امتنع عن الانتقاد علنا غضب من تخلي نتنياهو سلفا عن ان يُجيز في حكومته التي كانت تتولى عملها ميزانية 2013 ومن تأجيل القرارات الحاسمة الصعبة للائتلاف الجديد، وكان ذلك في نظره إظهارا لزعامة ضعيفة.

        ومع ذلك أحجم البروفيسور فيشر عن اعلان نية استقالته قبل الانتخابات كي لا يتم اتهامه بالتدخل في المعركة. لم تكن علاقاته بنتنياهو جيدة بصورة خاصة منذ زمن غير قليل؛ وقد رفض اقتراحا لم يُقترح في الحقيقة وهو ان يتولى وزارة المالية في حكومة أمل نتنياهو ان ينشئها بعد الانتخابات. وليس من المقبول ان يوافق محافظ بنك مركزي فخم الشأن مثل فيشر على التقليل من مكانته المستقلة وعلى ان يصبح وزير مالية سياسيا. وكانت علاقة فيشر بوزير المالية الدكتور يوفال شتاينيتس باردة لكنها سوّية.

        عُين فيشر محافظا لبنك اسرائيل لولاية اولى مدة خمس سنوات على يد وزير المالية نتنياهو في أيار 2005. وكان هذا التعيين عملا براقا عبقريا، فبيبي يملك احيانا مثل هذه الاعمال البراقة. لكن فيشر تولى ولايته الثانية محافظا لبنك اسرائيل دون حماسة زائدة. فقد أخذ يثقل عليه أكثر فأكثر ابتعاده عن اولاده وأحفاده وضايقه التبديل المتوالي لوزراء جاءوا ومضوا في المالية. وشعر بخيبة أمل من رئيس الوزراء نتنياهو لاسباب سياسية لأن فيشر رجل سلام، فقد أيد تفاوضا مكثفا مع السلطة الفلسطينية ونظر في قلق شديد الى تدهور مكانة اسرائيل الدولية واضاعة فرص تقديم تسوية مع الادارة الفلسطينية الأكثر ولاءا لامريكا.

        لا يمكن ان نعلم بالطبع لمن صوت فيشر في الانتخابات لكن يمكن ان نُخمن بيقين لمن لم يصوت: لليكود بيتنا. فآراء فيشر السياسية في الطرف اليساري من الطيف السياسي الاسرائيلي بل من المعقول ان نفترض ان المحافظ لم يعطِ "يوجد مستقبل" يئير لبيد صوته لأن فيشر يرفض الافتراض الأساسي الذي يقوم عليه برنامج لبيد الحزبي والذي يرى ان الطبقة الوسطى في اسرائيل مظلومة ومحطمة ومضروبة. فالبروفيسور فيشر يرى ان الطبقة الوسطى في اسرائيل تحيا حياة طيبة وتتمتع بأمن العمل وبمستوى عيش عال. وأصبح عند فيشر اشمئزاز يزداد من علامات الغوغائية في المجتمع الاسرائيلي وأكثر من ذلك من ظواهر العنصرية وكراهية الاجانب.

        وفي القضايا الاقتصادية كان البروفيسور فيشر وما زال رجل اقتصاد سوق مضبوطة مراقبة. وقد خالف واحد من مباديء نتنياهو المقدسة وهو الذي يرى ان خفض الضرائب يُحسن فقط للاقتصاد والنمو، فقد بيّن محافظ بنك اسرائيل وحذّر قبل سنتين في كشفه السنوي من انه ابتداءا من 2012 يتوقع عجز مالي عميق في ميزانية الحكومة نتاج خفض الضرائب. وزادت نغمة انتقاده حدة كلما تبينت أبعاد اخفاق المدخولات الى خزانة المالية.

        يشيرون في محيط المحافظ الى ان فيشر فاجأه ان علم انه لم يُحتفظ له بعد الانتخابات بمكان مركزي في الأفرقة المختلفة التي تُعد السياسة الاقتصادية للسنة القريبة. كيف حُط عن ذلك السياسي الاقتصادي الاول في اسرائيل الذي هو ايضا المستشار الاقتصادي للدولة لا للحكومة فقط؟ كان من الجنون التخلي مسبقا عن اسهامه الاختصاصي في صوغ سياسة الميزانية.

        يقولون ان السوق المالية "غاضبة" على فيشر لأنه قام بتأخير اعلان استقالته الى ما بعد الاصدار الناجح لسندات الدين الدولارية لدولة اسرائيل. وهذه حماقة لأن من استثمر في سند دين لثلاثين سنة أو حتى لعشر سنين كان يجب ان يفترض ان فيشر سينهي ولايته الثانية حتى ذلك الحين.

        لست أدعي تخمين من الذي سيحل محل البروفيسور فيشر – سيوجد مرشحون كثيرون من تلقاء أنفسهم لهذا المنصب ولن يكون الاختيار بالضرورة منهم – ولا ما سيفعله فيشر نفسه بعد خمسة اشهر. فقد يُعرض عليه (أربما قد عُرض عليه؟) منصب رئيس لواحدة من المؤسسات الاقتصادية الدولية. وهو لم يُبلغ مقربيه بصورة قاطعة انه لا يشغل نفسه بالبحث عن وظيفة ما دام يرأس بنك اسرائيل. وفي ظرف سياسي ما يمكن ان يعمل سفيرا خاصا لاسرائيل لكنه لا ينوي ألبتة ان يمثل في الخارج حكومة يمين سياسي سافر ويدافع عن اعمالها واخفاقاتها، فهو لن يكون حُلية ولن يدخل في حذائي افيغدور ليبرمان.

        منذ هاجر البروفيسور فيشر من الولايات المتحدة الى اسرائيل وقبل محافظة بنك اسرائيل نما الاقتصاد الاسرائيلي بـ 4 في المائة كل سنة بالمعدل وهذا معدل سريع. ولن تكون مبالغة ان ننسب ثلث هذا النمو الى شخصية فيشر وقيادته، ومن هنا نقول انه لولا تنامي سني فيشر في رئاسة بنك اسرائيل لكان انتاج اسرائيل اليوم أقل بـ 100 مليار شيكل على الأقل مما هو الآن (!). كان البروفيسور ستانلي فيشر حقا محافظا لا تُقدر قيمته لاسرائيل بثمن.