خبر الاسطول الروسي في البحر المتوسط -نظرة عليا

الساعة 09:58 ص|30 يناير 2013

مناورة أم نشاط تنفيذي

بقلم: تسفي مغين

        (المضمون: مناورة عسكرية روسية كبرى في البحر المتوسط تدل على أن روسيا تخير الغرب بين امرين، فإما تفاهمات معها في السياق السوري ترفع فيه الثمن المقابل الذي ستحصل عليه هي أو حماية شريط علوي وتفكيك سوريا - المصدر).

        في الأيام الاخيرة تجري في الحوض الشرقي من  البحر الابيض المتوسط، امام شواطيء سوريا مناورة مشتركة للاسطول الروسي، بدأت في 22 كانون الثاني وتستمر حتى 29 منه. وقد وصف الروس هذه المناورة بأنها الاكبر منذ انحلال الاتحاد السوفييتي. ووصلت السفن التي شاركت فيها الى المنطقة من ثلاث ساحات بحرية مختلفة: البحر الاسود، البحر البلطيقي والمحيط الشمالي. وتجري المناورة في ساحتين بحريتين بالتوازي – في البحر المتوسط وفي البحر الاسود. وتشارك فيه 23 سفينة، قوات من سلاح الجو الاستراتيجي والدفاع الجوي. بما في ذلك عشر سفن حربية، من وحدات صاروخية، وسفن دفاعية، وسفن حراسة، وأربع بارجات وناقلات نحو ثلاثمائة محارب وعشر وحدات صاروخية وغواصتان احداهما نووية والاخرى تسير على الديزل. وباقي السفن هي للاسناد. القوة تحمل سلاحا نوويا (ذكرت أيضا صواريخ نووية تكتيكية في الغواصتين). وتجري قيادة المناورة بشكل استثنائي من رئيس الاركان الروسي مباشرة. مناورة مشابهة، وان كانت بحجم اصغر، نفذت ايضا في صيف 2012. ويشار الى أنه في السنتين الاخيرتين تعمل في المنطقة موضع الحديث سفن روسية بشكل جارٍ.

        وبالتوازي مع بدء المناورة، تم اخلاء 77 مواطنا روسيا في سوريا، عبر لبنان، في طائرتين ارسلتهما لهذا الغرض وزارة الطواريء الروسية. ليس واضحا اذا كان هذا اخلاء طواريء حقيقي أم مناورة. يحتمل أن يكون المخلين هم الممثلية الروسية في حلب، والتي تغلق هذه الايام، بسبب الوضع الامني في المكان. وعلى أي حال، فقد نفت السلطات الروسية نفيا قاطعا نيتها اخلاء مواطنيها من سوريا والذين يبلغ عددهم ثمانية الاف شخص ومن المعقول الافتراض ان العدد اكبر من ذلك. كما أن السلطات الروسية تنفي كل نية لاستخدام الاسطول، الذي يشارك في المناورة الان، لمهمات الاخلاء وان كانت لا تنفي وجود خطط احتياط في هذا الشأن.

        والى جانب كل ذلك، فان الوجه المثير للاهتمام في المناورة موضع الحديث هي بالذات جملة الرسائل التي نشرت في وسائل الاعلام الروسية في الايام الاخيرة ويفهم منها بان المناورة تستهدف عمليا الردع في موضوع سوريا. والى ذلك يجدر ذكر التصريحات التالية: ليست هذه مناورة بحرية لغرض المناورة البحرية، بل استعراض للقوة الروسية، يرافقها تعزيز للتواجد في البحر المتوسط؛ المناورة ترتبط بالمواجهة العالمية وتعبر عن نوايا روسيا كدولة عظمى؛ المناورة ترتبط بالوضع في الشرق الاوسط، والذي يخلق تهديدا على حدود روسيا وحلفائها؛ المناورة ترتبط بالوضع في سوريا والذي وصف كخطير وتستهدف ردع نوايا التدخل (من الغرب، الدول السنية، تركيا) في سوريا. وفي خلفية ذلك، يفسر الروسي التقارير عن استخدام الاسد للاسلحة الكيميائية كغطاء على نوايا مستقبلية محتملة لتنفيذ مثل هذا التدخل. وفي النهاية ذكر في السياق السوري أيضا موضوع حماية منطقة الشاطيء العلوية، تمهيدا لاخلاء محتمل للاسد الى هذه المنطقة، بهدف التمترس فيها كخط دفاع اخير وخلق دولة علوية.

        وبالتوازي مع بدء المناورة اطلقت ايضا تصريحات سياسية، ضمن تصريحات اخرى من وزير الخارجية الروسي لافروف، في مؤتمر صحفي تناول الشرق الاوسط. وجاء في هذه التصريحات بانه لا يوجد تغيير في سياسة روسيا في الموضوع السوري. ويؤمن الروس بالحل عن طريق الحوار بين الاطراف ويواصلون مساعيهم للاتصال بالمعارضة السورية (في هذه المناسبة حذر ايضا الولايات المتحدة واسرائيل من الهجوم على ايران). اضافة الى ذلك ، فان السلطات الروسية تعود الى الاعلان بان ليس في نية روسيا تنفيذ تدخل عسكري في سوريا وان ليس في نيتها ايضا تزويد سوريا بسلاح هجومي وارسال خبراء ومشغلي منظومات قتالية الى هناك. وبالتوازي وعد الرئيس بوتين بالمساعدة للرئيس اللبناني سليمان الذي يزور موسكو.

        ومن كل ما طرح أعلاه ترتسم صورة تبعث على التساؤلات بالنسبة لجوهر المناورة والرسائل المرافقة له. فهل هذه مناورة ام نشاط تنفيذي يرمي الى الدفع الى الامام باهداف استراتيجية روسية؟ هل الامر يرتبط بالاحداث الاخيرة في سوريا رغم حقيقة أن المناورة خطط لها واعدت منذ زمن بعيد، على نحو منفصل عن هذه الاحداث؟ واذا كان كذلك، فهل الرسائل التي ترافقها هي استغلال تواجد الاسطول في المنطقة، أم أنها هي ايضا مخطط لها مسبقا؟ على اي حال، يمكن الاستنتاج بان المناورة التي خططت في موعد سابق لتكون سبيلا لعرض العلم وتعزيز التواجد في المنطقة الهامة للروس، اضيفت اليها أهداف جديدة، على الاقل على مستوى الرسائل:

1.     الاقوال التي قيلت بنبرات لاذعة، قد تعكس استعدادا روسيا للصعود درجة في الاحتكاك مع الغرب. وذلك على خلفية الاحتداد الاخير في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، سواء في السياق السوري أم ايضا وبالاساس في السياق العالمي والثنائي، على حد سواء.

2.     تقدير روسي بانه توجد بالفعل استعدادات لتدخل عسكري في سوريا، بمناسبة استغلال مسألة استخدام الاسلحة الكيميائية أو تسربها الى جهات غير مرغوب فيها. وفي هذا السياق فان مصلحة الروس هي العمل على ردع هذه النوايا.

3.     سبب ممكن آخر هو احتدام وضع الاسد، الذي من شأنه أن يكون مطالبا بالانسحاب الى المنطقة العلوية، الامر الذي يلزم الروس بحماية هذه الخطوة من البحر.

4.     لا ينبغي أيضا استبعاد جوانب اخرى غير الجانب السوري مثل استخدام المناورة كرافعة ضغط على تركيا، خصم روسيا، التي تتحداها في مناطق مصالحها. وكذا مصلحة روسيا في توسيع تواجدها ونشاطها في البحر المتوسط لتطوير التعاون مع شركاء آخرين في المنطقة (مثل اليونان، قبرص وربما مالطا)، حيث تزورها جميعها السفن الروسية في اثناء المناورة.

يمكن لتحليل سبل العمل المحتملة هذه ان يشير الى الامور التالية. تحت غطاء المناورة، بعثت روسيا بقوة بحرية كبيرة الى منطقة قتالية حساسة. مجرد التواجد المؤكد للاسطول الروسي في المنطقة، حيث تجري مواجهة متصاعدة، في هذا الوقت، يشكل قولا واضحا. وتترافق هذه الخطوة الروسية مع رسائل واضحة جدا، تدل على أنه الى جانب استعراض عام للقوة، يدور الحديث عن جهد ردعي في الملعب الروسي. ولكن، من جهة اخرى، فان القدرات الروسية في هذا المجال محدودة بالنسبة لمنافسيها في البحر المتوسط وعلى أي حال في الساحة الدولية. في هذا السياق يجدر بالذكر صمت وسائل الاعلام الغربية، الامر الذي يثير التساؤلات في الطرف الروسي. يبدو أن الغرب، اي الولايات المتحدة، يبث رسالة تفيد بانه لا يتأثر بالسلوك الروسي هذا اكثر مما ينبغي. وفي ضوء هذه الامور، فان استعراض القوة الروسية يشبه الدعوة المثيرة للشفقة من نوع "امسكوني".

من هنا  يمكن الاستنتاج بان تواجد القوة الروسية يستغل لواحدة من الامكانيتين التاليتين: 1. تحريك الولايات المتحدة للوصول الى تفاهمات مع روسيا في موضوع التسوية في سوريا. في هذا السياق، صحيح أكثر ان نرى ذلك كخلاف على مستوى الثمن الذي سيتعين على الولايات المتحدة ان تدفعه لروسيا مقابل التفاهمات في السياق السوري. 2. واذا لم تتحقق التفاهمات المرغوب فيها مع الغرب، ففي نية روسيا، فضلا عن تأييدها العام للاسد، ان تخلق ظروفا تساعدها على الانتشار في المنطقة العلوية، من خلال حماية خط الشاطيء وتوفير الردع ضد التدخل. اذا كان هذا صحيحا يبدو أنه عمليا استعداد للشروع في تفكيك سوريا.