مركز اطلس للدراسات الاسرائيلية

تحليل مخاوف اسرائيل من « تشاك هيغل »: حقيقيه ؛ ام مجرد تهويل ؟

الساعة 09:43 ص|10 يناير 2013

غزة

يسود اسرائيل في الايام الأخيرة حاله من القلق والتخوف الكبير في اعقاب اعلان اوباما نيته تعيين السناتور الجمهوري السابق لمنصب وزارة الدفاع الأميركية خلفا للحالي جون بانيتا، هذا القلق يجد له مساحات كبيره في الاعلام الإسرائيلي المقروء والمرئي، ويترافق ذلك مع تصريحات واقوال لبعض السياسيين الاسرائيليين الذين يعربون عن قلقهم من مستقبل العلاقات مع وزارة الدفاع الأميركية , لكن اسرائيل الرسمية، حكومة ووزراء يلوذون بالصمت مفضلين عدم الحديث خوفا من عاقبة الامر، لاسيما بعد تجربتهم في دعمهم الصريح للمرشح الجمهوري نيت رومني , مكتفين بممارسة الضغوط السرية بواسطة اللوبي اليهودي وعبر اصدقاؤهم في مجلسي النواب والشيوخ , وان اضطروا للحديث يؤكدون انه صديق لإسرائيل وسيكون وفيأ للعلاقة الاستراتيجية التي تأخذ المصالح الأمنية لإسرائيل على محمل الجدية " حسب دانى ايلون" نائب وزير الخارجية الإسرائيلية .

حجم المخاوف الإسرائيلية  من تعيين هيغل كبيره تصل حد الفزع وحد اعتبار تعيينه يأتي في سياق معاقبة نتنياهو . يقول بلوتسكر كاتب في يديعوت ,في مقال بعنوان عقاب اوباما :" ان التعيين عباره عن الوجبة المرة التي اعدها اوباما لنتنياهو , وهو الكابوس الذى لا كابوس سواه عند حكومة اليمين التي ستتشكل" , فقد ربط  الكاتب تأثير التعيين بطبيعة الحكومة اليمينية التي ستتشكل وكأنه يقول للجمهور احذروا من حكومة يمين في ظل ترؤس هيغل لوزارة الدفاع الاميركية . رؤوفين ريبلين رئيس الكنيست المنحلة يقول ان نظرة هيغل للسياسة الخارجية لا بد ان تكون مبعث قلق لإسرائيل لكن يجب ان لا تخيفها". بوعز بسموت من صحيفة اسرائيل اليوم يصف شخصية هيغل بقوله "انه مثالي في زمن مثالي لا توجد فيه حروب" , وفى محاولة لتقليل حجم تأثيره على وزارة الدفاع يقول" ان ما تأمله اسرائيل هو ان يهتم اصدقاؤها الكثيرون في وزارة الدفاع بإعادة الوزير الى النهج القويم.

من هو هيغل؟

سناتور جمهوري سابق من نبراسكا ذو افكار اصيلة كما يقول اوباما , خدم في الجيش الامريكي وشارك في حرب فيتنام كقائد لفرقة مشاه وخرج منها مصدوما من هول ما شاهده  من فظائع الحرب. ويبدو ان سنيين خدمته في فيتنام رسخت في وعيه نفوره من الحروب،  ويعتبر الحرب الملاذ الاخير الذى يمكن اللجوء اليه عند الاضطرار. يقول عنه اوباما في هذا الصدد  " جئتكم برجل عاش الحرب فقد كان في الوحل وعاش فيه وقد جاء من هنالك"، وهو مثل اوباما عارض الحرب على العراق بل وتجول معه في جولات في العراق وافغانستان ويبدو انهما  هناك اتفقا على سحب الجيش الاميركي من افغانستان .

اما على المستوى السياسي فله موقف شديد الانتقاد من اللوبي اليهودي حيث يقول في كتابه " امريكا الفصل التالي"  " انا سناتور امريكيا ولست سناتورا اسرائيليا "  " ان اللوبى اليهودى يخيف الكثيرون هنا ". ويعتبر محافظا اصيلا يضيق ذرعا بان تملي اسرائيل على امريكا بواسطة جماعات الضغط اليهودية سياستها في الشرق الاوسط , وهو على خلاف التيار المركزي في امريكا يطلق على الايباك اسم اللوبي اليهودي، ولا يستخدم كلمة لوبي اسرائيلي،  وهذا يثير حساسية اليهود لان القانون الامريكي يسمح بوجود لوبيات للتضامن مع دول اخرى من منطلق المواطنة الامريكية. لكن كلمة لوبي يهودي تعنى ان اليهود يتضامنون مع اسرائيل كونهم يهود امريكان يتماثلون الهوية مع الاسرائيليين، اي انهم قومية في امريكا تنتمى لدوله اخرى هي اسرائيل .

وفى عام 2004 عارض فرض عقوبات اقتصاديه على ايران وليبيا،  وكان سابقا قد عارض الحرب على العراق، ويعتبر الصراع العربي الاسرائيلي اساس عدم الاستقرار في المنطقة , و يطالب بمحاورة ايران في محاوله منه لاستقطابها عبر اشراكها في دور امنى شرق اوسطي كما رفض التوقيع على وثيقه تطالب الاتحاد الاوروبي بإدراج تنظيم حزب الله على قائمة الارهاب وكذلك طالب بمحاورة حماس , أي انه على مستوى السياسة الخارجية يبدو معتدلا ينفر من الحروب، يقدم الحوار ويرى من خلاله سبل لتعظيم مصالح امريكا وتحسين صورتها، ولا يضع العلاقة مع اسرائيل على حساب العلاقة بالدول العربية .

 

لكن الهجوم الاوسع والاكثر فظاعة على هيغل يأتي من حزبه الجمهوري , فعلى الرغم من انتماء هيغل للحزب الجمهوري وتمثيله للحزب في مجلس الشيوخ في دورتين عن ولاية نبراسكا الا ان الحزب الجمهوري يمارس ضغوطا كبيره على اوباما لإفشال التعيين ومن المتوقع ان يخضع هيغل لاستجواب كبير وضغط واضح اثناء استجوابه امام لجنة التعيينات . استخدم الجمهوريون مجموعه كبيره من الشخصيات الاهم في حزبهم لمهاجمة هيغل بقيادة جون مكين المنافس الاسبق على رئاسة البيت الابيض فقاموا بحملة تشهير كبيره به اعتمدت بشكل اساسي على موقفة من اسرائيل وركزت الضوء على مجموعه من تصريحاته ونشاطاته السابقة التي يبدو منها كأنه معاد لإسرائيل , مما اضطر هيغل واوباما معه  لإرسال رسائل للوبي اليهودي ولإسرائيل واصدقائها تجدد التأكيد على عمق العلاقة مع اسرائيل وعلى التزام امريكا الاخلاقي بضمان امن اسرائيل في مواجهة اعدائها .

يقول بعض المراقبين للسياسة الامريكية ان الحزب الجمهوري يختبئ خلف اسرائيل في انتقاده لتعيين هيغل، وهذا مريح جدا لهم في محاوله منهم لإظهار اوباما بالرجل الضعيف الذى يرسل رسالة الضعف الأمريكي لدول العالم وفى مقدمتها ايران , لكن حقيقة معارضتهم تكمن في كون هيغل له مواقف شديدة الخطورة على شركات تصنيع الذخائر وبعض مستلزمات الجيش الامريكي , هذه الشركات التي تنتمى بل ومحسوبة على الحزب الجمهوري , حيث يريد هيغل وبدعم من اوباما الذى يواجه ازمه اقتصاديه كبيره يريدان تخفيض موازنة الدفاع الاميركية التي تضخمت كثيرا وقفزت خلال عقد من 300 مليار دولار الى 700 مليار في العام الماضي , يقول الخبراء ان معظم هذه الزيادة لم ينتفع منها الجيش الاميركي بقدر ما انتفعت منها الشركات الاميركية التي  تعاقدت مع الجيش لتقديم خدمات وصناعات ليست ضرورية للجيش وتقليصها لن يمس بالقدرة القتالية للجيش وبالأمن القومي الامريكي بقدر ما يمس بالعوائد الكبرى لهذه الشركات .

من هنا نرى انه ربما لا يوجد وزن كبير لموقف اوباما  من نتنياهو في سياق تعيين هيغل، فالمهم بالنسبة لاوباما هو الوضع الاقتصادي حيث امريكا كانت عشية عيد الميلاد تقترب مما يسمون هناك بالهاوية المالية , اوباما يريد من هيغل في مساعدته على طي صفحة التدخلات الخارجية العسكرية في افغانستان على تقليص موازنة الجيش الامريكي، وربما ايضا يريد ان يتأكد ان من يجلس في البنتاغون لن يمارس ضغطا مستقبليا عليه يتقاطع من حلفاء اسرائيل بخصوص ايران، وهكذا يضمن حاله من الاستقرار والانسجام داخل البيت الابيض . ويمكن ايضا ان نقرأ من خلال تعيين هيغل ومن قبل جون كيرى وزيرا للخارجية وهو معروف في الاوساط الدولية باعتباره شخصيه لها وزنها الدولي من خلال اشغاله لمنصب رئيس مجلس العلاقات الخارجية، فهو الذى حاور الاسد وحاول فك عزلته , هذا الثلاثي كيري، هيغل، بقيادة اوباما ربما يرسل رسائل تهدئه وهذا ما قد يصيب اسرائيل بضغط كبير، لاسيما في ظل ما تنبئ به استطلاعات الرأي من فوز لليمين الذى سيعزز ازمة نتنياهو في مواجهة العالم بما فيه امريكا وسيجعل اجندة نتنياهو من المشروع الإيراني تنتظر كثيرا لصالح اعطاء امريكا فرصا كثيره وزمنا اطول للحوار بشكل يخالف سياسة نتنياهو قبل اشهر التي كان يشد فيه الحبل كثيرا  محاولا في حينه فرض خطوط حمراء على سياسة اوباما تجاه ايران .

اخيرا وفى معرض التعليق على نتائج هذا التعيين امريكا يقول ستفن وولت من جامعة هارفرد هذا التعيين يطرح سؤالا:" هل لايزال التأييد الطبيعي لكل ما هو اسرائيلي شرطا مسبقا لكل قرار سياسي يتخذ في امريكا ؟".