خبر فلسطينيو سوريا في نكبتهم الجديدة

الساعة 04:44 م|08 يناير 2013

علي بدوان

 

ما زال مخيم اليرموك يعيش أجواء ومناخات المحنة الأخيرة التي ألمت به، وأدت لخروج غالبية سكانه، الذين باتوا مشردين على قوس واسع من مناطق دمشق وغيرها.

ففلسطينيو مخيم اليرموك تحديداً، هم الآن أيتام دون رعاية أو احتضان، فقد نزح عن المخيم غالبية سكانه من اللاجئين الفلسطينيين البالغ عددهم قرابة ربع مليون يسكنون قلب المخيم (لُب المخيم)، ومعهم عدد مضاعف من أشقائهم السوريين من سكان المخيم الذين يقيمون داخله وعلى حدود قشرته السميكة.

وبقي داخله الآن أقل من 30٪ من سكانه، بعد أن عاد إليه عدد كبير من مواطنيه، إلا أن استمرار الاشتباكات والتطاحن الدموي على مداخله وأطرافه، دفعهم من جديد لمغادرة اليرموك، الذي أصبح مكانا شبه مهجور وأعداد السكان فيه لا تتجاوز نحو 15٪ من مواطنيه السوريين والفلسطينيين على حد سواء، بعد أن كان ينبض بالحياة، وقد تَحوّل خلال شهور الأزمة السورية لملاذ آمن لكل من دخله، خصوصاً من مناطق التوتر المحيطة به.

حيث قدرت أعداد من لجأ إليه في ذروة التوتر في مناطق حي التضامن وحي الحجر الأسود وحي العسالي وحي القدم وحي الزهور وبلدة يلدا وببيلا وغيرها... بنحو ستمائة ألف مواطن سوري، وجدوا في اليرموك ملاذاً آمناً، ويداً شقيقة طيبة قدمت لهم المساعدة على أكثر من صعيد.

لقد أدى الانفجار المدوي والهائل الذي وقع ليلة الثامن والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2012، في ساحة رئيسية من ساحات المخيم تسمى "ساحة الريجي" وتقع بالقرب من مدخله الرئيسي، لنزوح الجزء الأكبر ممن تبقى في اليرموك.

فقد كان ذاك الانفجار مروعاً ومأساويا، وقد خلف وراءه دماراً هائلاً يحتاج لمبالغ طائلة تقدر بنحو 100 مليون ليرة سورية، لإصلاح العقارات والمحال التجارية وغيرها، التي دمرها الانفجار الذي نجم عن سيارة مفخخة.

وفي اليوم التالي تبع ذاك الانفجار، انفجاران عنيفان في منطقة شارع يافا، وفي منطقة خلف ملعب شاكر، لتزيد الطين بلة، ولتزيد حالة الهلع والرعب التي باتت تسيطر على حال الناس والعباد، في مخيم كان وما زال عنواناً للوطنية الفلسطينية. فهل يكافأ مخيم اليرموك وأبناؤه بتلك التفجيرات الدموية؟

كاتب هذه السطور كان منزوياً في الطابق الأرضي من منزله القريب من ساحة الانفجار، وعلى بعد أقل من 200 متر منها، وقد ارتجت الأرض وعموم الأبنية والمنطقة بشكل عام، لتخلف ذاك المشهد الذي لا يبشر بالخير أبداً، وقد قال أحدهم معلقاً على الحادث ومتشائماً في الوقت نفسه "أول الرقص حنجلة" وفق المثل الشعبي الفلسطيني السائد.

مخيم اليرموك يعيش الآن وضعاً صعباً ومأساوياً، فغالبية منازله وعقاراته فارغة من أهلها وسكانها (بالمناسبة، معظم عقارات مخيم اليرموك هي عقارات مُنظمة ومُسجلة بسجلات كاتب العدل والطابو، وليست من مناطق العشوائيات المعروفة حول مدينة دمشق)، فيما توزع غالبية فلسطينيي مخيم اليرموك على قوس واسع في مناطق داخل مدينة دمشق وعلى أطرافها، كما غادرت أعداد منهم نحو مصر ولبنان وبعض الدول الأوروبية وحتى أستراليا.

لقد عجزت تقريباً كل الفصائل والقوى الفلسطينية مجتمعة عن حل استعصاءات مشكلة مخيم اليرموك، وعجزت عن وقف عمليات التطاحن داخل بعض شوارعه ومداخله، وعجزت عن إعادته آمناً سالماً لجميع مواطنية ولكل من يدخله أو يقيم فيه من عموم الشعبين الشقيقين السوري والفلسطيني، لكن الأمل ما زال قائماً كي يتمكن الجميع من حل تلك المشكلة.

الملفت للانتباه في هذا السياق، أن صوت الجهات الفلسطينية الرسمية لم يعد ينطلق بشأن مخيم اليرموك، وأن جهودها ما زالت متواضعة عملياً وفي المبادرة بالاتصال مع جميع الأطراف لتجنيب المخيم مأساة جديدة، ومن أجل إعادته كما كان ملاذاً آمناً للجميع دون سلاح ودون اقتتال في شوارعه.

وعليه فإن مصيراً قاتماً ينتظر مخيم اليرموك وسكانه، إذا بقيت الأمور كما هي الآن دون حل سياسي يجب أن يتم السعي لإنجازه سريعاً، قبل أن تتفاقم الأمور أكثر فأكثر في الاتجاه السلبي.

إن مخيم اليرموك بأهله وشعبه وعموم ساكنيه من سوريين وفلسطينيين، يستحق كل الاحترام والتقدير، فهو مخيم العمل الوطني الفلسطيني، وأول الرصاص، وأول بندقية في مسار الثورة الفلسطينية المعاصرة.

وعليه، يجب أن تتكاتف مساعي كل العاقلين، فلسطينيين وسوريين من معارضة وغيرها، وأن تبذل كل الجهود لإخراج مخيم اليرموك من مربع الأزمة السورية الداخلية ومرجل غليانها، ليس من موقع إدارة الظهر لأحد، بل من موقع خدمة المصلحة الوطنية والقومية والإسلامية لعموم الشعبين السوري والفلسطيني، وخدمة للقضية الفلسطينية ولحق العودة، ولرمزية مخيم اليرموك ومكانته في الصراع مع المشروع الصهيوني، وللمساعي الدولية التي تتم خلف الكواليس منذ زمن بعيد لوأد حق العودة، وطمس المخيم الفلسطيني ومكانته بشكل عام، باعتباره عنواناً بارزاً لقضية حق العودة.

وفي هذا السياق، علينا أن نلحظ موقف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي، وحركة فتح، وعموم القوى الفلسطينية التي دعت لتحييد مخيم اليرموك وإخراجه خارج دائرة الصراع، وإعادته كما كان ملاذاً آمناً وأميناً للجميع من أبناء الشعبين الشقيقين السوري والفلسطيني، حيث لا سلاح ولا تسليح.

إن من يفتح الباب على زج الفلسطينيين في سوريا بأزمتها الداخلية، إنما يسيء إلى نفسه وصورته، ويسدي أجزل الخدمة إلى الكيان الصهيوني، فليست هناك قضية عادلة في سوريا إذا كان ثَمَنَها دمٌ فلسطينيٌّ يُراق، وشعبٌ لاجئ يشرَّد في تغريبة ونكبة جديدة لا ندري أين ستكون خواتيمها.