خبر العم أبو سميح والصمود في اليرموك .. علي بدوان

الساعة 09:30 ص|08 يناير 2013

العم أبو سميح (محمود خليل صمادي) واحداً من أولئك الصامدين حتى اللحظة داخل مخيم اليرموك وفي ساحة الريجي على وجه التحديد، وهي الساحة التي شهدت قبل أيام خلت تفجيراً إرهابياً مرعباً حول أجزاء كبيرة وواسعة منها لركام فوق ركام.

العم أبو سميح، أحد أعمدة مخيم اليرموك وضمائره الحية، هو شجرة وزيتونة وسنديانه عتيقة من زيتون وسنديان فلسطين، تحمل وجنتيه وجبهته تجاعيد خبرةٍ وحياةٍ وعراكٍ طويل، وتَرتَسِمُ عليها صورة الفلسطيني ورحلته منذ تراجيديا النكبة حتى الآن.

العم أبو سميح الصمادي، تجاوز في عمره المديد سنواته الثمانون، لكنه أبى أن يخرج من مخيمه مخيم اليرموك إلا بإتجاه واحد هو العودة لفلسطين، وإلى بلدته وقريته لوبية قضاء طبرية، بالرغم من إصرار من حوله على إستضافته في مكان أخر خارج حدود مخيمه مخيم اليرموك.

العم أبو سميح الصمادي، شيخ المخيم، شيخ الرجال، القارىء المتابع، والباحث المتعمق، لايريد أمام ناظريه أن يكرر مأساة العام 1948 وذل النكبة واللجوء، فلم تهزه أصوات الرصاص، ولم يرعبه هدير القذائف والإشتباكات التي تدور حول منزله، فقد بقي حتى اللحظة صامداً في مخيم اليرموك رافضاً الخروج منه مهما زادت قسوة الحالة القائمة.

العم أبو سميح صمادي، واحداً من رجالات المخيم، ومعه العدد الوافر من سنديان وزيتون فلسطين ممن مازلوا حتى اللحظة داخل مخيم اليرموك، صابراً مثابراً أصبَرُ من الصبر، ينادي الجميع بالبقاء وتحمل كل ماقد يقع، والبقاء بين أزقة وحواري ومنازل ومساجد هذا المخيم العملاق، مخيم اليرموك، الذي تَحوّل عبر سنوات اللجوء المديدة لعنوان كياني كفاحي ومعنوي لعموم اللاجئين الفلسطينيين في سورية. فاليرموك هو رمز حق العودة، وبقاء اليرموك يعني أن حق العودة سيبقى راية مشتعلة تتناقلها صفوفنا صفاً وراء صف.

العم أبو سميح الصمادي، أول الغيث قطرة، والصمود يبدأ بثبات الزيتون والسنديان، طرياً غضاً وقاسياً صلباً في الوقت نفسه، يجمع فلسفة خاصة هي فلسفة البقاء الفلسطيني، حتى لو بقي جنين واحد في بطن أمه الفلسطينية.

من العم أبو سميح تعلمنا معنى الوطنية، والمحبة والألفة، وتعرفنا أكثر فأكثر على وطن كاد أن يضيع أسمه فلسطين. ومنه تعملنا معنى ومبتغى أن نبقى هذه المرة، وأن لانكرر مأسينا، مستفيدين من تجربة تلك الأجيال الفلسطينية التي عاشت تجربة قبل وبعد النكبة، وذاقت مرارتها وعلقمها المرير.

نحن هنا الآن، في مخيم اليرموك، وشواهدنا معنا، شواهدنا التي حَمَلت أكثر ماحَمَلَ وتَحَمّل جمل المَحامل، إنها من رائحة فلسطين الوطن الذي لاوطن لنا سواه، والتي سنعود إليها حتى لوطال الزمن وتعقّدت الظروف والمعطيات، وأستدام تجبّر الظالمين لسنوات أو حتى عقود.

نحن هنا في مخيم اليرموك الآن، بين رجالٌ من زيتون وسنديان فلسطين، رجالٌ معطرين ومعفّرين برائحة فلسطين وترابها، رجالٌ ليسوا كالرجال العاديين، بل هم رجالٌ إستثنائيين، إستثناء الوطن الفلسطيني. صامدين رغم المواجع وتقلبات الحالة اليومية داخل المخيم، ورغم أهوال الحالة التي تسيطر الآن على اليرموك، مع إستمرار وتواصل التطاحن الدموي العدمي والعبثي.

العم أبو سميح الصمادي، ومعه ثلة من تلك الحالات الفلسطينية، هم الآن ضمير وشاهد، وعنوان لمخيم فلسطين لن يسقط، ولشعب لن ينحني، بالرغم من الكم الهائل الذي قدمه أبناء اليرموك من ضحايا ودماء، ودموع، خلّفت وراءها أرامل وأيتام، وفقراء ومعوزين.

مخيم اليرموك، عنوان تجاهله الكثيرين من السائرين في ركب أخر، لكن أبناء مخيم اليرموك ورجالاته كالعم أبو سميح الصمادي، هم العنوان الأبرز والأنصع، الذي لايمكن أن تمحوه كل محاولات تطويع ومسح المخيم أو الإنتقاص منه أو تدميره. فمخيم اليرموك، سيبقى العنوان العريض لحق العودة، والعنوان الأنصع والأفصح لشعب مازال يقول بأن فلسطين لنا من نهرها لبحرها.