مركز اطلس للدراسات الاسرائيلية

خبر أوسلو ميت... لا ينتظر مراسم دفن

الساعة 12:21 م|31 ديسمبر 2012

غزة

اوسلو عاصمة دولة النرويج, مدينه هادئة هانئة مزدهرة ومتنورة ومشهوره, لكنها في وعينا وذاكرتنا ليست الا اسماً لاتفاق مشؤوم  يريد الجميع قتله والتنكيل به, والغريب في الامر ان من هم علي طرفي متراس الصراع يتشاركون هذه الرغبة وهذا الهدف, طبعا لكل منهم دوافعه واسبابه, فالشعب يريد إسقاط اوسلو وحماس والجهاد والجبهتين وفتح وحتي الرئيس عباس مهندس الاتفاق, اما اسرائيلياً فكانت أغلبية يهودية في "الكنيست" ضده منذ ان عرض عليها للمصادقة عليه حيث عارضة 50 عضوا ونال الموافقة بأغلبية الأصوات العربية "11 صوت عربي" وقد سعي باراك وشارون ونتنياهو للتخلص منه, وليبرمان يهدد ويطالب بالغاءه وبحل السلطة , والغريب ان يوسي بيلين "مهندس الاتفاق من جانب اسرائيل" يطالب الرئيس عباس بإلغائه وانضمت اليه زهافا غلئون رئيسة حركة "ميرتس" اليسارية التي تؤيد حل الدولتين علي اساس حدود 67, حيث طالبت عباس بإلغائه وحل السلطة .

انه ربما الاتفاق الوحيد اليتيم في العالم الذي يُجمع طرفي الصراع علي نبذه ورفضه, كانه مولود مسخ جاء نتاج متعه عابره يحاول الجميع التبرؤ منه والتنكر له .

قد يعود ذلك لجوهر الاتفاق فهو عباره عن تفاهمات واعراب نوايا تعتمد علي رغبة الموقعين وعلي احتكار الرعاية الأمريكية المتحيزة وعلي ظروف دوليه وموازين قوي مختله وعلي تسرع قيادة م ت ف خشية فقدان نفوذها وخروج الانتفاضة عن السيطرة في ظل تعاظم وازدياد نفوذ حركة حماس .

الاتفاق منذ البداية عبر عن تعارض وتناقض اهداف ونوايا طرفيه, عرفات اعتبره تعزيزا لشرعية المشروع الفلسطيني بإقامة الدولة ورأي فيه موطئ قدم لهذه الدولة وهو محطة اجبارية لا بأس بها للوصول إلى الدولة وراهن علي ان المجتمع الدولي والعربي والفلسطيني سيناصره في مفاوضات الوضع النهائي كما يبدو انه راهن علي نضج موقف الجانب الاسرائيلي "لدفع" استحقاقات السلام, لذلك ربما تغاضي عن الكثير من الثغرات باعتباره مجرد اتفاق مرحلي واهتم اكثر بالقضايا الرمزية والمعنوية في ظل نشوة وهم السلام.

اما اسرائيل فقد كان واضحا لها منذ البداية ما الذي تريده من الاتفاق، ومتعمدةً أرادته غامضاً يخلو من التفاصيل الا الأمنية منها في ملاحق خاصة ,ومليئاً بالثغرات التي تسمح لها تفسيرة, معتمدة مستقبلاً في المفاوضات النهائية على قوتها وعلى التحيز الاميركي وعلى شرط المفاوضات المباشرة واتفاق الطرفين في إغفال متعمد لأي خيارات اخري -طرف ثالث او تحكيم دولي- اي رهن كل شيء بموافتها مما يمنحها حق الفيتو, هي أرادت من الاتفاق التخلص من الاعباء الأمنية والأخلاقية لمواصلة الاحتلال المباشر , اي احتلال ديلوكس تواصل معه الاستيطان واحتلال القدس والسيطرة الأمنية والمائية والتمتع بثمار السلام دوليا وعربيا عبر التواصل والتطبيع الاقتصادي والسياسي مما افضي إلى انفتاح عربي علي اسرائيل (قطر - البحرين – موريتانيا – تونس – المغرب - مصر) واعقبها اتفاقية وادي عربه مع الاردن.

بيد ان ميكانيزم دفع اتفاقية اوسلو نحو احراز مزيد من التقدم السياسي ما بعد مناطق A نحو قضايا المرحلة النهائية قد توقف وانتهي وهم سلام الشجعان بمقتل رابين , وحل الصراع والاشتباك السياسي محل مفاوضات السلام, فانكشفت النوايا واصطدمت الاهداف والارادات, المشروع الوطني بإقامة الدولة مع المشروع الصهيوني الساعي لإبقاء الاحتلال مع هامش لسلطه بدون سلطات لها علم ونشيد وطني تسمي دوله.

منذ سنة 1996 تقريبا عندما جاء نتنياهو الي السلطة عمليا تم التخلص من اتفاقية اوسلو واسقاطها بتنكر اسرائيل من بدء مفاوضات المرحلة النهائية وتحويل مناطق B الي A ومناطق C الي B, فقد حسم اليمين الاسرائيلي امره وهو الذي لازال يصر علي ان يخلو برنامجه السياسي من اي اشاره لدوله فلسطينية ,باتجاه التخلص مما سماه ارث اوسلو المشؤوم, وربما ادل مشهد علي ذلك اجتياح الضفة وحصار بطل سلام الشجعان في المقاطعة وقتله علي مرأى ومسمع العالم.

الواقع السياسي والميداني غادر اوسلو منذ وقت طويل , فالانتفاضة المسلحة التي قادتها سلطة اوسلو لم تكن سياقا اوسلويا وانابوليس وخطة طريق بوش تعبير اخر والانسحاب احادي الجانب من القطاع والذهاب للأمم المتحدة والاستيطان والتهويد والتنكر الاسرائيلي لأبجديات السلام والحروب الطاحنة علي غزه ومؤخرا اعلان ليبرمان نتنياهو بإلغاء مخرجات اتفاق اوسلو .

فلم يعد اتفاق اوسلو بروحه ومبادئه واطاره الزمني والسياسي قائما وما ينقص تشييعه ودفنه رسميا شهادة وفاه رسميه, ولم يبق منه الا مخرجاته الكيانية والمادية السياسية منها والاقتصادية والأمنية ما نسميه بمؤسسات السلطة برلمان, حكومة, وزارات واجهزه وقطاع عام كبير, وقوانين وموازنات, تقوم بدور خدماتي وظيفي .

بين الغاء اوسلو وحل السلطه

ثمة فرق كبير بين الغاء اوسلو الملغي اصلا وحل السلطة, الكثير من الفصائل والاصوات القيادية تطالب حينا بإلغائه وحينا اخر بحل السلطة كحل لأزمة المشروع الوطني في ظل انسداد افق التسوية وتعاظم الهجمة الاستيطانية, دونما اجراء اية دراسة علمية مهنية تقف من خلالها قيادة الشعب علي تداعيات مثل هكذا قرار ودراسة إيجابياته وسلبياته علي المشروع الوطني, لاسيما في ظل تقاطع هذه الدعوات مع التوجهات الإسرائيلية المعلنة .

ان بعض من رفض اتفاقية اوسلو دخلها لاحقا وتمتع بمخرجاتها واستثمرها سياسيا "دخول حماس الانتخابات وتشكيل الحكومة " فإن كانت المطالبة بحل السلطة لان سلطة الرئيس عباس تحت الاحتلال ,أليست غزه تحت الاحتلال ايضا ؟, ام ان المطلوب كما قال السيد مشعل في مهرجان انطلاقة حماس حيث طالب بتوظيف السلطة لخدمة المشروع الوطني, وهنا المقصود بالتوظيف يعني تحسين الاداء, الارتقاء, التطوير, اجراء تغيير ....الخ وهو امر مختلف عن حل السلطة او الغاء الاتفاقية.

السؤال لم يعد اليوم نحن ضد او مع اوسلو, فله ما له وعليه بالتأكيد الكثير, فهو قد انتهى وسقط وأُسقط وبات خلف ظهورنا بفعل الكثير من العوامل والظروف فلسطينيه وإسرائيلية وبفعل ما انطوي عليه الاتفاق نفسه فلم يشكل حلا بل ترحيلا لصراع زاد تعقيداً وأدخلنا في أزمة سياسية وبنيوية, والسؤال الذي يفرض نفسه الان علي الكل الفلسطيني, هو كيف يمكن اعادة الاعتبار للنضال الوطني الفلسطيني يشارك فيه كل الشعب بأطيافه وألوانه  ويساهم الكل الفصائلي في تحمل مسؤولياته بوعي وحرص علي انجاز المشروع الوطني ويعيد الاعتبار ل "م ت ف"  بعد اعادة بنائها علي اسس وطنيه وديمقراطية تلتزم باستراتيجية مبنية علي الثوابت الوطنية وتقدم خطابا سياسيا موحدا, يشكل برنامجا واداة يعظم ما تم انجازه ويبني عليه .

هذه المهمة لا يقوي عليها اي من طرفي الانقسام, ولا يمكن ان تنجح قبل ان يصل طرفي الانقسام الي قناعه صريحه لا يعتريها اي لبس او غموض بأنهما يتقاسمان تحمل مسؤولية المأزق السياسي الذي وصلنا اليه, لكي يمكننا ان نذهب بثقه نحو مستقبل نتطلع فيه للأمام امنين من هواجس الصراعات الداخلية.

حكومة الاحتلال لا تألو جهدا في تعزيز الاستيطان وازهاق روح مشروع الدولة مستثمرة الانقسام وضعف السلطة, تمسك بزمام الامور علي الارض مندفعة في هجوم محموم وانفلات غير مسبوق لخنق وتجفيف السلطة واحداث تأكل في بنيتها وشرعيتها غير ابهه بأية تحذيرات امنية او سياسية او براي عام دولي رسمي وشعبي, وليس ادل علي ذلك من مطالبة ليبرمان للرئيس عباس ان ينفذ تهديده بحل السلطة, وكرر هاليفي رئيس الموساد السابق نفس المطلب, فماذا نحن فاعلون؟؟ هل الحل في حلها؟؟ الا يدخلنا ذلك في فوضي وتيه سياسي؟؟ وهل التهديد بحلها لا يعبر عن افلاس سياسي ومناوره باتت ممجوجه ؟؟

ان الشعب الفلسطيني الذي سطر ولا زال معجزات في التضحية وتحمل الكثير من المعاناة والالم في سبيل حريته يحتاج ان ترتقي قيادته الي حجم تضحياته بعيدا عن المناكفات والصراعات وبعيدا السياسات الارتجالية او المزايدات الخطابية , فشعبنا ينتظر ربيعه , ربيع وحدته وخلاصه من الاحتلال.