خبر المدفع غير المقدس -يديعوت

الساعة 09:19 ص|31 ديسمبر 2012

بقلم: ناحوم برنياع

كانت المعارك الانتخابية ذات مرة تبدأ بمسيرات جماعية كان يخطب الزعيم فيها في شعبه خطبا مطولة. كان ميدان المغربي وميدان ملوك اسرائيل في تل ابيب، وميدان منورة في القدس ومفترق بيت هكرنوت في حيفا هي المنصة وكان اعضاء الحزب المخلصون هم الجمهور. وكانت المسيرات مظاهرة قوة ومكتب تجنيد. وجاء كثيرون الى تلك المسيرات طوعا، فقد كان الحزب شهادة هويتهم وتصورهم العام والطائفة التي انتموا اليها. وركب آخرون الحافلات قسرا: فقد خشوا ان يخسروا اماكن عملهم اذا لم يحضروا.

انقضى هذا الفصل سواء أكان ذلك حسنا أم سيئا. فلا يوجد اليوم جمهور للمسيرات الجماعية ما عدا الوسط الحريدي – الشاسي، وهناك ايضا يضطرون الى إظهار الحماسة زورا. وقد بحثت الاحزاب في عُسرها عن معرض بديل فوجدته في أقسام النميمة، وفي تقارير عن عروض الأزياء وافتتاح المطاعم، ويسمون هذا المعرض "افتتاحا".

في يوم الثلاثاء الماضي افتتحت القائمة الحزبية المشتركة بين الليكود واسرائيل بيتنا حملتها الانتخابية في مباني الأمة في القدس. وقد نُقش ذلك المساء في الذاكرة العامة بسبب المطربة سريت حداد خاصة التي شرّفت نتنياهو بأغنيتها "أنت مدفعنا". وحظي الأداء الذي أُذيع مرة بعد اخرى في قنوات التلفاز بقذف مختلف الأنواع أولا لأن القانون يحظر عروض فنانين في مناسبات انتخابات؛ وثانيا لأن المطربة تلقت مبلغا كبيرا – 80 ألف شيكل بحسب ما نشر – في مقابل عرض قصير؛ وثالثا لأن وزراء الليكود الذين جلسوا في الصف الأول أمام نتنياهو وأمام عدسات التصوير اضطروا الى الانضمام الى المطربة وأدرك قليل منهم ان الصور سترتد عليهم مثل عصا مرتدة بعد ان يتبين ان المدفع ليس مدفعا بل انه ليس مكنسة.

الحقيقة أن أغنية حداد ستكلف القائمة الحزبية المشتركة أكثر من 80 ألف شيكل: فمخالفة القانون ستتبع بالضرورة غرامة مالية من مكتب مراقب الدولة. ومع ذلك لا يمكن ان نقول بيقين إن المال قد ضاع. من الصعب ان نعلم في هذه الانتخابات. فربما فعلت سريت حداد لليكود ما لم تنجح في فعله من اجله آلات دعاية الحكومة وصاحب الكازينو من لاس فيغاس.

في اثناء تلك الحادثة اخترت التجول في قاعة العرض الضخمة من مباني الأمة، فوق القاعة. وكان نحو من نصف الجمهور الذي جلس هناك مؤلفا من رجال ونساء كبار السن ومهاجرين من الاتحاد السوفييتي السابق من الجيل الاول جُلبوا في الحافلات برعاية حزب اسرائيل بيتنا. وقد جلسوا في صمت متدثرين بمعاطفهم. ولم يتحدث البرنامج إليهم – لا الخطباء بالعبرية ولا الأغنية المتوسطية (غنى دودو فيشر هناك ايضا بالاشكنازية وستُدفع غرامة عن أجرته ايضا). وجلس في الصفوف الأخيرة مهاجرون بالغون من اثيوبيا وكلهم رجال. لم يفرض عليهم أحد ان يجلسوا في الخلف في غيتو خاص بهم. وفي المقاعد الجانبية عن يمين القاعة جلست جماعة من النساء من دالية الكرمل قرية المرشح أيوب قرا. وقد تفضلن ان يجلسن ايضا في جيب كله لهن.

حُفظ الصف الاول في مقاعد المتفرجين لنحو من خمسين فتى أكثرهم متدينون من مؤيدي حزب فايغلين. وقد دخلوا القاعة مسلحين بأعلام اسرائيل كبيرة وقمصان قصيرة الأكمام حملت شعارات الليكود. وقد قادهم خمسة فتيان أحدهم علماني وأحدهم حريدي وثلاثة من ذوي القبعات الدينية المنسوجة. ومن آن لآخر نهض أحد القادة وأطلق شعارا في الجو ورددوا ذلك وراءه، وأنشدوا أناشيد من الأناشيد المعتادة عند الجماعات المتدينة.

وتبين لهم بالتدريج أنهم وحدهم لأن أكثر الجمهور لم يُنشد معهم ولم يصرخ معهم لا الجمهور الروسي ولا جمهور الليكود. أما الجمهور الروسي فلأنه مقطوع عنهم وأما جمهور الليكود – وهم اسرائيليون قدماء وشرقيون واشكنازيون ومتدينون وعلمانيون – فلأنه شبعان، ولأنه وادع ولأنه هازل. لا يوجد لليكوديين في هذه الانتخابات من يكرهونه وحينما لا يوجد من يكرهونه فلا يوجد من يحبونه ايضا.

يبدو ان الوحيد القادر على الربط بين المعسكرين هو افيغدور ليبرمان. لكن ليبرمان لم يعد من كان، فالحزب الفئوي العائلي الذي عرضه على مهاجرين من الجيل الاول تلاشى؛ وليس عنده ما يعرضه على الجيل الثاني الذي ولد أو ترعرع هنا؛ أما الليكوديون القدماء فانهم يرون الملف الجنائي المعلق فوق رأسه ويعرفون من تجربتهم أن هذا الملف لن يختفي.

قبل نشيد "هتكفا" بلحظة احتضن نتنياهو ليبرمان. وكان يفترض ان تكون هذه لحظة تأسيسية وإخاءا بين الأخوة لكن الجميع تذكروا آنذاك ان نتنياهو احتضن على هذا النحو بالضبط ظهر موفاز في الطريق الى أقصر شراكة سياسية في التاريخ. لا توجد احتضانات سهلة..