مركز اطلس للدراسات الاسرائيلية

خبر القدس البعيدة عن العين.. هل هي بعيدة عن القلب أيضا؟!

الساعة 01:11 م|26 ديسمبر 2012

غزة

القدس تغتصب كل لحظة، الاستيطان لم يبق منها شيئا، اهلها خاب رجاؤهم في امة المليار مسلم، شبعوا كلاما عن عروبتها واسلاميتها من امة أسكرتها "شهوة" الكلام، وتفيد الاحصائيات ان نسبة كبيرة ممن تبقي من سكانها العرب يتقدمون بطلبات الحصول علي "الهوية الزرقاء" للتكيف مع واقعها الجديد. الناس في الشارع وعلي صفحات الانترنت وفي كل مكان يتساءلون اين الفصائل والاحزاب الاسلامية والوطنية؟ اين دول وحكومات الربيع العربي؟ اين دول الخليج العربي؟ مما يجري في القدس. ولا مجيب ؟. حتي الحكومات الاوربية لم تعد قادرة علي السكوت- ولو من باب ذر الرماد في العيون- امام مخططات اليمين الحاكم في اسرائيل. فيما الساحة العربية والاسلامية غائبة او مغيبة تماما عن المشهد!. حتي في " اسرائيل" نفسها تعلو اصوات محذرة مما تسميه " قيادة اسرائيل المخمورة" التي تقودها الي كارثة.

 حين شن الاحتلال هجومه علي غزة علت اصوات منددة ومؤازرة- وهي مشكورة- وخرجت مسيرات في كل ارجاء الكون.

فلماذا تخبو هذه الاصوات وصراخ القدس المكتوم يسمع في ادني الارض. لماذا لا تعم المظاهرات العالم الاسلامي نصرة للقدس واهلها؟ الا يوجب ما يجري في القدس ان تندلع مظاهرات علي طول العالم وعرضه حتي يشعر الكون كله بخطورة الامر؟ الم نشبع الدنيا كلاما عن انها " اولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين" وهي " الاسراء والمعراج " و " اليها تشد الرحال" وهي " عاصمة الدولة" وهي " مقر الخلافة القادمة" و هي " راية العرب"، " مركز الصراع الكوني"، " وقدس الاقداس" "بوصلة لا تشير الي القدس مشبوهة" كل هذا قلناه واكثر، ومع هذا لم نقل كيف سنحافظ علي القدس التي تحتضر وتنتهي ساعة بعد ساعة و قطعة بعد قطعة وحجرا بعد حجر. سلوا اهل القدس ماذا جنيتم بعد هذه السنين الطوال. ما يقارب من خمسين عاما من سقوط القدس؟ الاحياء العربية اصبحت خاوية علي عروشها. كأنها من كوكب اخر. الدول العربية والاسلامية لم توف بفلس واحد من تعهداتها في مؤتمرات القمم العربية والاسلامية بشأن القدس!!

فيما اسرائيل من يومها وهي تنفذ مشروعها التاريخي لتهويد القدس وتغيير معالمها واجلاء سكانها وتحويلهم الي اقلية وتنظر الي من تبقي منهم علي انهم اجانب بدون حقوق، فاليهود قليلو كلام، كثيرو افعال، نجحوا في تحويل رؤيتهم التاريخية للقدس الي واقع. البناء الاستيطاني لا يتوقف في قلب المدينة واحيائها والاستيلاء علي الممتلكات جاري علي قدم وساق، والطوق والحصار يشتد بإحكام علي من تبقي من سكانها، لم يبقوا شيئا يمكن التفاوض عليه للحالمين بـ" دولة".

فماذا قدم العرب والمسلمون للقدس واهل القدس لدعم صمودهم وللإبقاء علي وجودهم. اول امس وللمرة الثالثة علي التوالي خلال اسبوع واحد صادقت حكومة اسرائيل علي مخطط استيطاني جديد تقدمت به اللجنة المركزية للبناء في القدس لبناء 1242 وحدة استيطانية في الحي الاستيطاني "جيلو" شرقي القدس. رئيس حكومة العدو يصرح بانه لا يهتم بما تقوله الأمم المتحدة ويضيف " نحن نعيش في دولة يهودية وعاصمتها القدس، وحائط المبكي (البراق) ليس منطقة محتلة، سنبني في القدس وهذا حقنا ولا تهمني الأمم المتحدة". ( وللعلم هذا التصريح جاء بعد مصادقة الحكومة علي قرارات الاستيطان وليس قبله).

القدس في قلب الصهاينة

ان التوجه والاطماع الإسرائيلية في مدينة القدس هو جوهر الحلم الصهيوني علي ارض فلسطين المستند الي اساطير ومزاعم توراتيه تحاول من خلاله ان تبني جسرا بين الماضي السحيق والحاضر لبلورة هويه وطنيه يهودية تكتسب مشروعيه دينيه تاريخيه وتبني لها هويه حضارية تراثيه دينيه, حتي ان اسم الحركة الصهيونية اخذ من اسم جبل صهيون في محاوله للربط التاريخي والديني والجغرافي , وحسب قولهم فلا قيمه لإسرائيل بدون القدس حائط المبكي وما يسمي بالحوض المقدس, ولايخفي الصهاينة سعيهم المحموم لبناء الهيكل الثالث المزعوم علي انقاض المسجد الأقصى.

فلم تتردد الحكومة الاسرائيلية من ضم القدس واعلانها عاصمتها الموحدة في اليوم التالي من احتلالها, ومنذ ان بدأ الاحتلال بدئت معه مشاريع التهويد وطمس هوية القدس ومعالمها وثقافتها العربية الإسلامية والمسيحية , بداية في محاولات خجولة ولجس النبض لان المساس بالقدس كان يشكل للصهاينة خوفا وقلقا حقيقيا من ردة فعل المسلمين , يؤكد ذلك قول غولدا مائير عندما احرق المسجد الاقصى في اب 69 " لم انم ليلتها وانا اتخيل العرب سيدخلون اسرائيل افواجا من كل صوب ,لكني عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء ادركت ان باستطاعتنا فعل ما نشاء فهذه امه نائمه" ومنذ ان اكتفي العرب بعقد مؤتمرهم الاسلامي الاول في الرباط للخروج ببيان تنديدي علي يضاف لبيان مجلس الامن آنذاك , فقد عرفت اسرائيل ان جل رد الفعل العربي والاسلامي والدولي لن يخرج عن بيانات شديدة اللهجة تندد وتشجب بدون ادني فعل علي الارض, وهذا ما شجعهم علي المضي قدما في تحقيق احلامهم في القدس وقد تجندت كل المؤسسات الإسرائيلية رسميه ودينيه تعليميه ومجتمعيه لخدمة اهدافهم في القدس .

وقد مرت القدس بمراحل ومحطات عديده من اشكال التهويد والطمس منذ احتلالها وحتي اليوم, من تقاسم وظيفي مع المملكة الأردنية الي استيطان وحفر انفاق وطرد ومضايقه للمقدسيين طالت سبل عيشهم ومختلف مجالات حياتهم الاقتصادية والتعليمة والخدماتية, والاعلان صراحة من قبل جمعيات دينيه " العاد, عطيرت كوهنيم, امناء الهيكل..الخ" عن نواياهم في تدمير الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم, وصولا الي خنق القدس وعزلها عن محيطها الفلسطيني .

ان تهويد القدس الذي يشكل اليوم سياسه علنيه واجماعا صهيونيا يسير بشكل محموم دونما ادني اعتبار لمشاعر العرب والمسلمين ولا يبدو لهذه السياسة نهاية او مستقرا حتي القضاء علي اخر ما تبقي من معالم اسلاميه وعربيه في ظل الانقسام الفلسطيني والارتهان لمفاوضات عبثيه وتخاذل العرب وتواطؤ وتحيز الغرب .

 لم يعد تهويد القدس مشروع اليمين المتطرف في اسرائيل فحسب انما هو مشروع يجمع عليه المجتمع الإسرائيلي  وهذا كان ربما احد اهم نجاحات اليمين, حيث اصبحت جزءا من وجدانهم وعاطفتهم الوطنية والدينية , وشعار ان نسيتك ياقدس فلتنساني يميني, بات مزروعا في افئدة الصغار والكبار متدينين وعلمانيين شرقيين وغربيين وغدت قاسمهم المشترك واساس ووحدة فسيفساء الاثنيات اليهودية .

فتقسيم القدس صار خطا احمرا ووحدتها ليس مجرد شعار  بل جزء من عقيده واستراتيجية محط تنقيذ , وما تعلنه حكومة نتنياهو من تكثيف لمشاريع الاستيطان  في كل ضواحي وجبال القدس بما فيها E1 انما هو مشروع حقيقي للتنفيذ وليس كما تدعي بعض وسائل الاعلام انه للتوظيف الانتخابي, صحيح انه يستفيد منه في السياق الانتخابي لاسيما امام حزب "البيت اليهودي " الذي يحاول تجاوز نتنياهو من اليمين, لكن الوقائع والسياسات الاستيطانية والموازنات الحكومية وغير الحكومية, وكون جزء كبير من هذه المشاريع تم اقراره في ظل حكومات سابقه بما فيها بناء البنيه التحتية في E1, كل ذلك يشير ان هذه الخطط تستهدف حقا استكمال المشروع, وحكومة نتنياهو لم تعد تخشي اي رد فعل لا فلسطيني ولا عربي ولا دولي, وكأنها تقول للعالم لم نعد نخشاكم ولا نخجل من كوننا محتلون ولا تخيفنا تهديداتكم .

الخطر لم يعد مجرد تحليلات او نداءات استغاثه يطلقها شيخ الأقصى "رائد صلاح" ولم يعد يسعف القدس واهلها عقد المؤتمرات او التضامن السلمي او الوعود, ولا يجب ان يتحمل الفلسطينيون وحدهم وهم منقسمون اصلا عبأ حمايتها والدفاع عنها, ولكن انشغال الفلسطينيين عن القدس بكل فصائلهم لا مبرر له ويثير الكثير من التساؤلات, ولم يعد مفهوما صمت ميدان التحرير وميادين العروبة والاسلام عما يحدث في القدس وعما تضج به الصحافة الإسرائيلية كل يوم عن خطط وتصريحات كان يقترض بها ان تستفز وتحرك دماء كل ذي ضمير ونخوة عربيا واسلاميا , لكنها ان لم تحرك المال النفطي مقابل اموال المياردير الصهيوني " ارفين موسكوفيتش" فهل نقول لك الله ياقدسنا ؟؟؟