تعامل معها الأطباء كحالة صدمة عصبية عابرة فأهملوها

خبر صاروخ إسرائيلي يفقد سمر السمع ويدخلها في معاناة لا تتوقف

الساعة 12:43 م|18 ديسمبر 2012

بقلم : علا الزعنون

 ببكاء شديد تلمس سمر أطفالها الذين لا يدركون حالها ،وتقول "اشتقت لسماع كلمة ماما" بعد ان جعل صاروخ اسرائيلي افقدها السمع لغة الإشارة التي لم تتعلمها هي لغة التخاطب الوحيدة مع أطفالها الأربعة ما أضفى جوا نفسيا صعبا في البيت.

بدأت معاناة سمر عندما تعامل الأطباء في غزة مع حالتها على أنها صدمة عصبية عابرة تصيب كل فلسطيني قريب من أي غارة جوية تشنها طائرات الاحتلال الإسرائيلي ،لا كمصابة اثر العدوان الإسرائيلي.

قبل عام عندما استهدفت طائرة حربية إسرائيلية مقاتلين فلسطينيين استشهدا على الفور كانت سمر وزوجها المصور التلفزيوني خالد بلبل وطفلها الأكبر جمال البالغ 12عاما يمرون صدفة بجوار منتزه البلدية القريب من منزلهم غرب مدينة غزة حيث وقعت الحادثة المفجعة.

ففي ذلك الصباح لم تكن تدري سمر ما يخبئ لها القادم ،فما أن اصاب الصاروخ الإسرائيلي السيارة المدنية التي كان فيها شابان حتى سقطت هي على الأرض وارتطم رأسها بحافة الرصيف ،دخان أسود كثيف يغطى المكان والسنة نيران تشتعل بالسيارة وأشلاء ودماء الشهيدين تتناثر في ارجاء المكان.

معاناة مع المرض

بقوة وثقة بالنفس تسرد سمر تفاصيل مأساتها على مدار سنة كاملة ، وتقول "حينما حدث الانفجار القوي جدا اثر قصف من طائرة إسرائيلية شعرت أنني فقدت زوجي وابني جمال وتهيأ لي أنني سأكون شهيدة مع زوجي ..أخذت اصرخ وأنادي جمال جمال ابني أنت وين يا ماما هل أنت بخير ومن شدة خوفي" تتابع المرأة "لم اشعر بأي شئ من شدة الانفجار  ورأيت الأشلاء تتطاير في الهواء اعتقدت حينها انها لابني..رأيت شابا يحمل جثة شهيد انتابني خوف لا يوصف وكأن زوجي رحل".

لم تصدق سمر أن زوجها وابنها مازالا على قيد الحياة ما دفعها للبكاء الهستيري واخفت حينها ألم اصابتها حين رفضت طلب مسعفين وصلوا لمكان الحادثة بنقلها للمشفي. 

 إهمال طبي وعدم تشخيص صحيح ذاد تفاقم الأزمة

من شدة هول المنظر أصيبت سمر بانهيار عصبي حاد بالكاد فاقت منه في اليوم التالي عندما اضطرها زوجها الذهاب الى مستشفى الشفاء بمدينة غزة وحينها رفضت المستشفى التعامل مع حالتها كمصابة لتدخل المرأة في نفق طويل ومظلم نحو رحلة العلاج المنهكة لها ولأسرتها محدودة الدخل.

سمر تعاني من صداع وألم شديدين في الرأس ، ويشرح زوجها خالد الذي انتهى للتو من تصوير تلفزيوني لمنزل قصفته طائرات إسرائيلية في اخر ايام حرب تشرين الثاني نوفمبر أن زوجته نقلت إلى مستشفى الشفاء لإجراء فحوصات بعد اشتداد حالتها صعوبة، فلم يستطع الأطباء تشخيص الحالة فورا ما زاد تفاقم المشكلة.

تم تحويل سمر إلى مركز غزة للصحة النفسية على اعتبار أنها تعاني من أزمة نفسية وصدمة عصبية يحدثها عادة القصف مع الناس هنا ,وأمضت 10أيام، لم تتوقف حالتها عن التدهور ،وحينها يضيف بلبل "أفادني الأطباء أن زوجتي فقدت السمع بشكل كامل بسبب عدم التشخيص الصحيح منذ وصول الحالة على ما يبدو".

المصادر الطبية في المستشفى رفضت هذه الاتهامات ونفتها كليا.

كانت سمر منذ اللحظة الأولي لإصابتها تشعر بارتفاع حاد في درجة الحرارة يلازمه ألم شديد لا يحتمل في الرأس.

سمر التي تنتظرني لكتابة السؤوال على قصاصة ورق لقرأته تجيب بصوت مرتفع "كان زوجي يأخذني عدة مرات يوميا للمستشفى ويصر أطباء أن مشكلتي نفسية وليست جسدية وأقول لهم أرجوكم لا استطيع تحمل الألم ،لا استطيع السمع ولكن دون جدوى ويتم تحويلي إلى مستشفى الأمراض النفسية وللأسف تعاملوا معي كمريضة نفسية تعاني من صدمة عصبية نتيجة الحادثة حتى كدت اجن.

تراجعت الحالة الصحية لسمر حد تغير ملامحها نتيجة ورم وانتفاخ في الوجه ،وفقدت توازنها وتم رفض تحويلها للعلاج على نفقة وزارة الصحة ما دفع زوجها لاتخاذ قرار للسفر إلى مصر لعلاجها هناك وبعد ان جال الى مستشفيات عديدة استقر به الحال في المستشفي الفرنسي في القاهرة على نفقته الخاصة وهنا كان جواب الأطباء كالصاعقة.

بين بلبل "ابلغني الطبيب المعالج عمر الصرفي ان سبب فقد زوجتي السمع تماما هو تجمع ماء حول المخ نتيجة التهابات شديدة جراء ارتجاج الدماغ بعد سقوطها على الأرض (حين القصف) واستنشاق مواد سامة (إثناء القصف الجوي الإسرائيلي)إلى جانب ضغط الانفجار الهائل للصاروخ واستغرق العلاج ثلاثة أشهر متتالية في المستشفى الفرنسي بمصر".

يشرح الزوج "عجز زوجتي عن فهم ما يقول أبنائها أتعبها نفسيا كثيراً، خاصة أنهم يطلبون منها اشيئاً وتعتقد أنهم يطلبوا شيئاً أخر، وهذا جعل وجودي الدائم ضرورياً بينهم

ترددت سمر كثيرا على المستشفى في مصر قبل ان تتمكن بمساعدة النائب في المجلس التشريعي الطبيب فيصل ابو شهلا زراعة قوقعة في الاذن اليمنى في مستشفى الجمعية العربية للتأهيل المجتمعي ببيت لحم بالضفة الغربية بتكلفة قدرها 35الف دولار قامت السلطة الفلسطينية بتغطيتها.

لكن سمر تضطر للسفر وحدها الى بيت لحم مرة واحدة شهريا لإجراء برمجة لجهاز القوقعة، بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي اعطاء اذن لزوجها لمرافقتها بذريعة أنه دون ال35 عامً،، عدا عن حاجتها لبطارية شحن للجهاز يبلغ سعرها 100$  كما تحتاج لمراجعة الطبيب المشرف على حالتها في مصر كل شهرين مرة واحدة على الأقل.

بتنهيدة ممزوجة بألم وحزن تفصح سمر عن أمنيتها بنجاح القوقعة في إعادة السمع إليها ولو جزئيا.

ويوضح خالد بلبل أن الأطباء في الضفة الغربية نصحوا بمرافق لها مثل زوجها او أي من أقاربها لأنهم لا يتمكنوا من إيصال النصائح اللازمة لها ولا تعليمها على إدارة جهاز السمح الصناعي في اغلب الأحيان سيما ان سمر تعرضت لحوادث دهس عدة وهي تقطع الطرق بالضفة بسبب عدم السمع.

ويقول الطبيب ابو شهلا ان مساعدته لسمر عندما توجه اليه زوجها الصحفي بلبل يبلغه انه انفق كل مدخراته في علاج زوجته مضيفا "شعرت بالبعد الإنساني وضرورة مساعدتها بتوفير العلاج لها بالضفة الغربية لزراعة القوقعة كونها من ضحايا العدوان الإسرائيلي".

تفاؤل وأمل 

مع أن سمر المتنقلة بين مشافي القاهرة والضفة بدأت حالتها تتحسن بدرجة قليلة جدا حيث بات بامكانها ان تسمع الاصوات القريبة جدا والمرتفعة ،إلا أنها تعاني من ازمة شحن بطاريات القوقعة لثماني ساعات والذي يتسبب بعزلها كليا عن اسرتها من حيث السمع.

تضيف الأم المصابة"أتمنى أن أسمع صوت حبيبتي حلا ذات العامين وهي تناديني بالليل ماما ماما وهي تحتاجني، أريد أن أعرف هل تغير صوتها ام ما زال كما هو أو زاد جمالا مع حلاوته".. عبارة لا تفتأ ترددها سمر بلبل التي فقدت سمعها بعد معايشتها لأحد مشاهد قصف الاحتلال قبل عام تقريبا.

وتصر سمر على مواصلة مشوار علاجها وهي ترقب بعناية وشغف تصرفات طفلتها حلا ذات العامين وتحاول فهم ما أولى كلماتها تتفوه بها أثناء لعبها مع إخوتها.

ويتملك سمر أمل كبير في استعادة السمع لتلتقط ولو نبرة من صوت طفلتها، والأمل ان تتكلل بالنجاح رحلة العلاج الشاقة وذات التكلفة دون طاقتها والتي تصطدم بعقبة عدم احتسابها منذ البداية من ضحايا العدوان الاسرائيلي.