خبر مقاطعة بلا أسنان- هآرتس

الساعة 09:27 ص|18 ديسمبر 2012

 

بقلم: عميرة هاس

رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، سلام فياض، دعا أول أمس الفلسطينيين الى مقاطعة البضائع الاسرائيلية، كرد على قرار حكومة نتنياهو عدم تحويل اموال الجمارك والضرائب الى السلطة. بل ووعد فياض بان حكومته تفحص السبل لفرض مقاطعة رسمية تلزم عموم السكان، بحيث لا تكون مجرد توصية. وقال ان المقاطعة تستهدف دفع الاسرائيليين المتضررين منها الى العمل بتغيير  قرار حكومتهم. في نظرة اولى، يوجد للفلسطينيين ما يقاطعونه: نحو 70 في المائة من الاستيراد الى المناطق يأتي من اسرائيل، ومن اصل استيراد بقيمة 4.222 مليار دولار في 2011، فان بضائع بقيمة 2.939 مليار دولار تأتي من اسرائيل.

ولكن فحصا دقيقا لمعطيات التجارة الفلسطينية مع اسرائيل، والتي لا ريب أن فياض يعرفها جيدا، تفيد بانه يفكر بالاجواء السياسية الفلسطينية الداخلية وليس بالضرر الاقتصادي الحقيقي لاسرائيل. فمدى الضرر الاقتصادي الذي سيلحق باسرائيل والاسرائيليين جراء المقاطعة سيكون هامشيا، مثلما حسب فوجد بنك اسرائيل في العام 2010. وقد أجرت الفحص دائرة البحوث في البنك، حسب معطيات 2008. وظهرت نتائجها واستنتاجاتها في تشرين الاول 2010. وحسب ذاك الفحص، فان المبيعات للسلطة كانت فقط 0.9 في المائة من الانتاجية في الاقتصاد الاسرائيلي، واقل من 2 في المائة في كل واحد من الفروع التالية: الزراعة، التجارة، التأمين والبنوك. المبيعات من الصناعة الاسرائيلية الى المناطق كانت فقط نصف في المائة من انتاجية الصناعة. وقد تركزت في فروع الصناعة التقليدية مثل الغذاء، المشروبات، الخشب، الورق والمعادن ومعدلها كان 1 حتى 2.5 في المائة من انتاجية هذه الفروع. وانتاجية أعلى كانت من بيع المياه والكهرباء للفلسطينيين – 5 في المائة. ولكن مشكوك أن يكون فياض يقترح على الفلسطينيين تقليص استهلاك المياه والكهرباء.

لقد أظهر فحص دائرة البحوث في بنك اسرائيل أيضا بان القيمة المضافة (زيادة أماكن عمل للاسرائيليين) التي تنبع من بيع منتوج اسرائيلي للفلسطينيين، هي الاخرى صغيرة جدا. ففي العام 2008 بلغت نحو 1.5 مليار شيكل – نحو 0.15 في المائة من الانتاج المحلي الاسرائيلي.

وتعد معطيات التصدير العالية من اسرائيل الى الفلسطينيين مضللة لسبب آخر: كما يشير بنك اسرائيل، فان نحو 38 في المائة من المبيعات هي تجارة – عبور، والذي تنقل فيه الشركات التجارية الاسرائيلية الى الفلسطينيين منتوجا انتج في خارج البلاد. 20 في المائة أخرى من المبيعات هي وقود مصدرها في الخارج. وقال مصدر في بنك اسرائيل لـ "هآرتس" ان الفحص جرى قبل سنتين، وينبغي الافتراض بانه لا يوجد تغيير كبير في التوزيع بين أنواع المنتجات المصدرة للفلسطينيين وفي مصدرها.

ان سياسة حيوية لمقاطعة البضائع يجب أن تعرض على الفلسطينيين بدائل وليس العيش على الزيت والزعتر (كما اقترح في الماضي اسماعيل هنية على سكان غزة). الحل هو تشجيع وحماية الانتاج الصناعي والزراعي المحلي. ولكن تطور هذه الفروع الفلسطينية محدود مسبقا بسبب السقوف التي تفرضها اسرائيل على المياه، بسيطرتها على نحو 62 في المائة من الضفة ومنع التصدير من قطاع غزة. من يحاول التصدي لهذه المصاعب في الصناعة وفي الزراعة لا يمكنهم أن يقاطعوا المواد الخام التي تستورد من اسرائيل. في 2011 كانت قيمة التصدير الفلسطيني 720 مليون دولار – ارتفاع بمعدل 25 في المائة مقارنة بالعام 2010. معظم التصدير كان لاسرائيل – بقيمة 618 مليون دولار. والى الاردن صدر الفلسطينيون بضائع بقيمة 39 مليون دولار والى اوروبا 15 مليون دولار فقط (اقل من مبيعات منتجات شركة "اهافا" في اوروبا). كل من يدعو الى المقاطعة يجب أن يأخذ بالحسبان ان اسرائيل قد ترد على المقاطعة فتمنع استيراد البضائع الفلسطينية الى اراضيها.

منذ العام 2008 يوجد انخفاض في حجم الاستيراد من اسرائيل. في 2008 كان نحو 3.2 مليار دولار. في 2011، كما أسلفنا، 2.939 مليار دولار، انخفاض بمعدل 2.3 في المائة مقابل السنة السابقة، حسب مكتب الاحصاء المركزي الفلسطيني. أما الاستيراد من البلدان الاخرى فقد ارتفع. ففي العام 2011 كان الاستيراد من اوروبا 444 مليون دولار، ارتفاع بمعدل 20.8 في المائة مقابل 2010 (ولا تتضمن المبالغ المنتجات التي تمر في الانفاق الى غزة). ولكن عندما تكون اسرائيل تتحكم بمعابر الحدود وتفرض على المستوردين الفلسطينيين قيودا عديدة تعرف بانها "امنية" فلا غرو ان التعلق بالاستيراد من اسرائيل أو من الخارج، من خلال مستورديها، بقي كبيرا.

لقد وعد مؤيدو رفع مستوى المكانة في الامم المتحدة بانهم أخذوا في الحسبان اجراءات ثأرية اقتصادية من اسرائيل، وقدروا بان المعارضة الغربية أو الدعم المالي من الدول العربية ستعطلها. ولكن في هذه الاثناء تصر اسرائيل على موقفها، والدول العربية لا تسارع، وفياض مرة اخرى غير قادر على دفع الرواتب. وحيال التوقع للاضرابات، الاحتجاجات والابطاء الاقتصادي الشامل، فان فياض يدحرج الكرة نحو الجمهور الفلسطيني وقيادة فتح (التي تعاطت مع فياض ككيس ضربات، وكأن الازمة المالية هي مسؤوليته الشخصية وليس لها صلة بالاحتلال الاسرائيلي وبسياسة عباس).

ان مقاطعة البضائع هي نوع من المقاومة الشعبية، التي يحاول الناطقون بلسان السلطة الفلسطينية وفتح عرضها الان كسبيل مناسب للكفاح ضد الاحتلال، الى جانب التكتيك الدبلوماسي. في تصريحاته يضع فياض قيد الاختبار جدية قيادة فتح. اذا لم يكن للاضرار بالاقتصاد الاسرائيلي، فان النشاط الحكومي والشعبي في سبيل مقاطعة البضائع كفيل بان يرفع الوعي السياسي ويخلق اجواء من رص الصفوف والشراكة يشعر المرء جدا بنقصها.

ولكن هنا يقف عائق آخر أمام الدعوة للمقاطعة: نحو 81 في المائة من الفلسطينيين مقتنعون بان الفساد ينتشر في السلطة الفلسطينية. والاستجابة لدعوة المقاطعة ولتنازلات اخرى من الفلسطينيين تحتاج الى ثقة الجمهور بالقيادات، ومثل هذه الثقة غير قائمة.